تتعرض الأسرة العربية والمسلمة لأخطار جسيمة في ظل تزايد معاول الهدم للنيل من أدوارها، والحد من تأثيراتها؛ مجتمعياً وأخلاقياً، وسط مخاوف جدية من تراجع دورها بشكل كبير خلال العقود المقبلة، خاصة في ظل تعاظم ثورة الاتصال والتواصل.
من هنا تأتي أهمية هذا التحقيق الذي تطرحه «المجتمع» حول أدوار الأسرة في عام 2050م.. تكامل أم تراجع؟!
تراجع مقلق في دور الأسرة الممتدة لصالح نظيرتها النواة
في البداية، تؤكد د. منى كمال مدحت، أستاذ الاجتماع بكلية البنات– جامعة عين شمس، أن الأسرة في أي مجتمع تمثل اللبنة الأساسية في بنائه، وعلى أساس تماسكها أو تدهورها تكون قوة التماسك الاجتماعي أو تراجعه، ولهذا لا بد من تكامل الأدوار بين مؤسسات الدين والتربية والتعليم والإعلام والثقافة لحماية الأسرة من الأخطار التي تهدد بتراجع دورها بسبب ثورة الاتصال ووسائل التواصل الاجتماعي وكثرة عوامل الترفيه والإغراء.
تضيف، خلال حديثها لـ«المجتمع»، أن هناك تراجعاً تدريجياً ومستمراً في دور الأسرة الممتدة المكونة من الأب والأم والأبناء والأجداد والأعمام والأخوال، جراء تغير نمط الحياة المعاصرة في العقود الأخيرة، وتقلص دور الأسرة الممتدة، وتزايد الاتجاه إلى الأسرة النواة أو النووية المكونة من الأب والأم وأبنائهما فقط؛ تأثراً بنمط الحياة في المجتمعات الرأسمالية التي تغلب فيها المصلحة الفردية على المصلحة العامة، وشعارها المبدأ الميكافيللي «الغاية تبرر الوسيلة».
المقلق والخطير، وفق د. كمال، هو أن التراجع الحاصل يطال الأسرة النواة أو الصغيرة أيضاً، في ظل تنامي الحركات النسوية وما يستتبع ذلك من تشريعات متعلقة بالأحوال الشخصية، وإجبار الدول على تطبيق بنود اتفاقية «سيداو» (أقرتها الأمم المتحدة عام 1979 بدعوى القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة)، حتى لو كانت متعارضة مع تعاليم الأديان والأعراف الاجتماعية.
الهاتف جعل أفراد الأسرة الواحدة غرباء تحت سقف واحد
ومن مظاهر هذا التراجع، وفق حديثها، تزايد الدعوات الاجتماعية الشاذة بالاستغناء عن الأسرة أصلاً والاتجاه إلى سلوكيات وأخلاقيات بعيدة عن مجتمعاتنا مثل «المساكنة»، و«السنجلة»، و«التبني» بدون زواج لإشباع غريزة الأبوة والأمومة، حتى وصل الأمر إلى الدعوة إلى تقبل الشواذ، وهو ما يعد تراجعا مدمراً عن الفطرة السوية.
أسر وغرباء
وترى د. منال السيد، الأستاذ بكلية التربية- جامعة دمياط، أن التقدم في وسائل الاتصال والتواصل جعل أفراد الأسرة الصغيرة غرباء يعيشون تحت سقف واحد، حتى إن كل فرد فيها منشغل بهاتفه المحمول الذي قرب المسافات بين من يعيشون في دول بعيدة، وفي الوقت ذاته، أبعد أقرب الناس وهم أفراد الأسرة، وحبس كل واحد منهم نفسه في عالمه الخاص.
وتضيف أن هناك تراجعاً متزايداً في وظائف الأسرة، من الضبط الاجتماعي والتربوي، إلى إشباع الحاجات النفسية والاجتماعية، وتنمية القدرات وغرس القيم والأخلاق، مطالبة بإستراتيجية متكاملة بين المؤسسات الحكومية والأهلية لحماية الأسر من التراجع المستمر في أدوارها، واستعادة وظائفها الأساسية.
النسوية والعنوسة والطلاق والشذوذ أخطار تهدد المجتمع
تكريم وتحذير
ويؤكد د. عبدالمنعم سلطان، رئيس قسم الشريعة بكلية الحقوق- جامعة المنوفية، أن الأسرة تعد ركيزة أساسية في الإسلام الذي جعل الزواج وسيلة لتكوين أسرة قوية، بل وآية من آيات الله تعالى القائل: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) (الروم: 21).
ويضيف أن الإسلام يرفض الدعوات التخريبية التي تدعو لهدم الأسر وتفكيكها بسبب قلة وندرة الموارد الطبيعية –كما يزعم بعض الاقتصاديين- فإن الزواج والإنجاب أحد أسباب زيادة الرزق في الإسلام، فقال الله تعالى: (وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَتِ اللَّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ) (النحل: 72).
هناك حاجة لإستراتيجية متكاملة لاستعادة وظائف الأسرة
ويشير سلطان إلى أن الإسلام حذر من تراجع دور الأسرة وقطيعة الأرحام وربط بينها وبين الإفساد في الأرض، فقال الله تعالى: (فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ) (محمد: 22)، وبين الله سبحانه في الآية التالية جزاء من يهمشون أو يهملون دور الأسرة ويقطعون رحمهم فقال سبحانه: (أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ) (محمد: 23)، بل إنه جعل عقوق الوالدين وقطع الرحم من الموبقات، وللأسف فإن كثيراً من المسلمين يجهلون ذلك ولا يطبقونه؛ مما جعل الخلافات الأسرية تشتعل مما يقلل من التماسك الأسري، إضافة إلى تعسير الزواج، وارتفاع معدلات العنوسة، والطلاق، وغيره، مما تسبب في مزيد من التراجع بشأن دور الأسرة.
وينهي سلطان كلامه مطالباً الأسر العربية والمسلمة بالتمسك بهويتها وخصوصيتها ودينها وقيمها، وعدم الانخداع بما يروجه شياطين التغريب والإلحاد والشذوذ الذين يركزون سهامهم على الأسرة العربية والمسلمة باعتبارها أحد أهم قلاع القوة في أمتنا.