أعادت الاحتجاجات الطلابية التي تجتاح العديد من الجامعات الأمريكية تنديداً بالعدوان «الإسرائيلي» على غزة، إلى الأذهان موجة المظاهرات العارمة التي شهدتها الولايات المتحدة، في أواخر ستينيات القرن الماضي، وما تلتها من سنوات إبان الاحتلال الأمريكي لفيتنام.
وما أشبه اليوم بالبارحة حينما اعتصم طلاب جامعة كولومبيا في أبريل 1968م في حرم الجامعة رفضاً لحرب فيتنام، التي كلفت خسائر بشرية كبيرة، حيث تتراوح تقديرات عدد الجنود الفيتناميين والمدنيين الذين قُتلوا من 966 ألفاً إلى 3.8 ملايين شخص، وما يناهز 12 مليون لاجئ.
واليوم وبعد 56 عاماً، عاد أبناء وأحفاد أولئك الطلاب ليعتصموا مرة أخرى ولكن للمطالبة بوقف الحرب على غزة، وسحب استثمارات الجامعة من الشركات التي تساهم في العدوان، وقطع العلاقات الثقافية مع الجامعات «الإسرائيلية».
جذور الحراك الطلابي الأمريكي من أجل فلسطين
يشير موقع «فوكس» الأمريكي إلى أن النشاط الطلابي الأمريكي من أجل فلسطين يعود إلى ما قبل النكبة عام 1948م، حيث قام طلاب الطب والأطباء العرب في الولايات المتحدة بتشكيل الجمعية الفلسطينية المناهضة للصهيونية (المعروفة فيما بعد باسم الرابطة الوطنية الفلسطينية ثم الرابطة الوطنية العربية) في عام 1917م للاحتجاج على «وعد بلفور»، وهو بيان الحكومة البريطانية الذي دعا إلى إنشاء وطن قومي للشعب اليهودي في فلسطين.
ونشرت المجموعة كتاباً ضد الصهيونية عام 1921م، كما أدلت بشهادتها أمام الكونجرس ضد إنشاء دولة صهيونية، وقد صارع الطلاب كلاً من الحركة الصهيونية والصور السلبية للعرب التي كانت تنتشر في جميع أنحاء الولايات المتحدة.
أشهر الاحتجاجات الطلابية في أمريكا
تعود الاحتجاجات الطلابية التي اندلعت بالولايات المتحدة إلى ربيع عام 1968م، حيث اعتصم طلاب الجامعات الأمريكية، داخل الحرم الجامعي وفي الشوارع رافعين شعارات الاحتجاج والغضب، رفضاً لقضايا مختلفة، مثل حرب فيتنام ونظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا أو للمطالبة بحقوق أخرى، مثل حركة الحقوق المدنية التي ساهمت بإنهاء التمييز ضد الأمريكيين من أصل أفريقي.
وكان لبعض تلك الاحتجاجات، التي اتخذت منحى دموياً في بعض الأحيان، تأثيرات عميقة على المجتمع والمشهد السياسي الأمريكي عامة، كما كانت محطة فارقة في مسار النضال من أجل الحقوق المدنية والعدالة الاجتماعية، وطالت تداعياتها أيضاً عمل وسياسات الجامعات الأمريكية، وفق موقع «الحرة».
ومن أشهر الجامعات الأمريكية التي اشتدت فيها الاحتجاجات جامعة هوارد، وجامعة نورث كارولينا، وجامعة هارفارد، وجامعة كينت أوهايو، وجامعة كاليفورنيا، وجامعة ميشيغان، وجامعة كولومبيا.
في فبراير 1960م شهدت جامعة نورث كارولينا تظاهرات قادها 4 طلاب أمريكيين من أصل أفريقي؛ احتجاجاً على تفرقة مقاعد الغداء داخل مقصف وولورث في مدينة غرينسبورو بالولاية، وعقب اتساع التظاهرات لمدن وولايات مجاورة، ألغت إدارة الجامعة التفرقة.
وفي عام 1968م، سيطر 1000 طالب أمريكي من أصل أفريقي في جامعة هوارد على مبنى الإدارة، مطالبين باستقالة رئيس الجامعة، وبتركيز المنهج التعليمي للجامعة على تاريخ وثقافة الأمريكيين الأفارقة.
وفي العام ذاته، نفذ طلاب جامعة كولومبيا احتجاجاً للمطالبة بإلغاء جامعتهم لعقد يربطها مع مركز أبحاث للأسلحة، وسيطر المتظاهرون على عدة مبانٍ بالمؤسسة لمدة أسبوع، قبل أن يقتحم حوالي 1000 رجل أمن الحرم الجامعي لإخلائهم.
وأشارت صحيفة «واشنطن بوست» إلى أن هذه الحادثة أصيب فيها أكثر من 100 شخص، وقبض على أكثر من 700 آخرين، معظمهم بتهم التعدي الإجرامي والسلوك غير المنضبط، فيما استمرت الاحتجاجات لبقية الفصل الدراسي، مما شل الجامعة التي قررت في الأخير إنهاء علاقاتها مع مركز الأبحاث الدفاعي.
وخلال مظاهرة في 9 أبريل 1969م، احتل طلاب قاعة جامعة هارفارد وأخرجوا جميع إداريي المؤسسة من المبنى، وأدى تدخل الشرطة إلى طرد المحتجين، واعتقال أكثر من 300، لكن الاعتصامات ساهمت في النهاية بتغييرات تضمنت إنشاء قسم للدراسات الأفريقية الأمريكية.
وفي 7 مايو 1970م، شهدت جامعة كينت بولاية أوهايو حادثة مأساوية، أسفرت عن مقتل 4 طلاب وجرح 9 آخرين برصاص قوات الأمن؛ ما أثار موجة من الغضب وإقامة إضراب على مستوى البلاد أجبر المئات من الجامعات على الإغلاق.
وتظاهر آلاف الطلبة في جامعة كاليفورنيا في مارس 1985م؛ احتجاجاً على علاقات الجامعة التجارية مع نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا.
وحاولت الشرطة قمع المتظاهرين واعتقلت 158 متظاهراً، ورداً على ذلك، قاطع 10 آلاف طالب الفصول الدراسية.
وأدت الاحتجاجات في جامعة كاليفورنيا في النهاية إلى سحب استثمارات مليارية من حكومة الفصل العنصري في يوليو 1986م.
في يوليو 1986م، صوت مجلس أمناء الجامعة على سحب 3.1 مليارات دولار من الشركات التي تتعامل مع حكومة الفصل العنصري، وكان هذا أكبر سحب للاستثمارات الجامعية في البلاد، وفقاً لموقع الجامعة على الإنترنت.
كما شهدت جامعة هارفارد عام 2014م احتجاجات تضامنية مع حركة «حياة السود مهمة»؛ ورداً على حوادث عنف الشرطة ضد الأمريكيين من أصل أفريقي.
وبعد نحو 16 عاماً على احتجاجات عام 1968م، قاد طلاب الجامعة في عام 1984م، مظاهرات مناهضة للفصل العنصري من خلال الضغط على جامعتهم من أجل سحب استثماراتها من جنوب أفريقيا.
في مارس 2019م، نظم طلاب جامعة كولومبيا واحدة من أكبر التجمعات في مدينة نيويورك، خلال إضراب وطني حول تغير المناخ، وتغيب الطلاب في أكثر من 130 مدينة عن الدروس.
الوجه الحديث للحراك الطلابي
«طلاب من أجل العدالة في فلسطين» إحدى المجموعات الرئيسة التي تقود حاليًا الاحتجاجات من أجل فلسطين في جميع أنحاء الجامعات الأمريكية، حيث نظمت بعض الخيم التضامنية التي انتشرت في الحرم الجامعي خلال الأسبوع الماضي.
ومنذ 7 أكتوبر، حظر المسؤولون نشاط بعض فروع هذه المجموعات في الحرم الجامعي بزعم أن مظاهراتهم وشعاراتهم وهتافاتهم الاحتجاجية تنتهك سياسات المدرسة.
وقام رئيس جامعة جورج واشنطن بتعليق نشاط المجموعة بعد أن رفع الطلاب شعارات تتضمن «سحب الاستثمارات من الإبادة الجماعية الصهيونية الآن»، و«المجد لشهدائنا»، و«تحرير فلسطين من النهر إلى البحر»، ووصف الرئيس بعض العبارات بأنها معادية للسامية، على الرغم من أن الطلاب والناشطين يقولون: إن الشعارات تدعو إلى التحرير الفلسطيني.
وفي أوائل التسعينيات، أعادت المجموعة الطلابية جهودها في دعم فلسطين بجامعة كاليفورنيا بيركلي، حيث كانت تجرى محادثات بشأن تفكيك نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا ورسم الطلاب أوجه تشابه مع فلسطين.
احتجاجات الحرب على غزة
يتكرر المشهد اليوم في جامعات الولايات المتحدة الأمريكية، في مقدمتها جامعة كولومبيا -التي قادت الحراك الطلابي أواخر ستينيات القرن الماضي- أشعلت الفتيل انتصاراً للحق الفلسطيني وتضامناً مع قضيته العادلة ورفضاً للسياسة الأمريكية.
فمنذ 18 أبريل الجاري، يتظاهر آلاف الطلبة ومعهم عدد من أعضاء هيئة التدريس في عشرات الجامعات الأمريكية المرموقة؛ مثل هارفارد، ويال وكولومبيا، وبرينستن، رفضًا للإبادة الجماعية «الإسرائيلية» في قطاع غزة المتواصلة منذ أكثر من 200 يوم، وللمطالبة بوقف الحرب والدعم الأمريكي لها.
وتتواصل الاحتجاجات في أكثر من 40 جامعة في الولايات المتحدة، وفقاً لشبكة «إن بي سي» الأمريكية.
واعتقلت السلطات ما يقرب من 550 شخصاً في الأيام الماضية من الجامعات الأمريكية الرئيسة، حسبما ذكرت وكالة «رويترز».
قلق «إسرائيلي»
وأبدت «إسرائيل» قلقها من حراك طلبة الجامعات الأمريكية، ففي كلمة متلفزة باللغة الإنجليزية بثها عبر حسابه على منصة «إكس»، الأربعاء الماضي، وصف رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو الاحتجاجات المؤيدة للفلسطينيين في جامعات أمريكية عدة بأنها مروعة.
وقال نتنياهو: ما يحدث في الجامعات الأمريكية أمر مروع، فقد سيطرت جحافل معادية للسامية على جامعات رائدة، بحسب ما نقلت عنه «وكالة الصحافة الفرنسية».
واعتبر أن المتظاهرين يطالبون بالقضاء على «إسرائيل»، ويهاجمون الطلاب اليهود، ويهاجمون أعضاء هيئة التدريس اليهود، وهو ما يذكرنا بما كان يحدث في الجامعات الألمانية في الثلاثينيات.
وتابع: هذا أمر غير مقبول، ويجب أن يتوقف.
كما دعا وزير الحرب الصهيوني يوآف غالانت إلى وقف المظاهرات المنددة ببلاده في الجامعات الأمريكية.
وقال غالانت، في تدوينة بحسابه على منصة «إكس»، وفق ما نقلت عنه وكالة «الأناضول»: المظاهرات التي تشهدها الجامعات في الولايات المتحدة ليست معادية للسامية فحسب، بل هي أيضاً تحريض على الإرهاب، على حد زعمه.