إنه الأخ الفاضل والداعية المحبوب وليد عبدالله الغانم (بو خالد) رحمه الله تعالى، الذي وافته المنية يوم الأربعاء الماضي 8 شوال 1445هـ/ 17 أبريل 2024م، وهو ذلك المربي الفاضل وأحد مؤسسي مركز شباب جمعية إحياء التراث الإسلامي بقرطبة.
أما وقد كانت التغطية الإعلامية الطيبة من خلال أقلام محبيه كثيرة، فقد آثرت أن تكون الكتابة عنه مختلفة بعض الشيء، حيث منهجنا المعروف بتسليط الضوء على المواقف الطيبة والمآثر الجميلة في حياته من خلال العلامات الفارقة في مسيرته الطيبة، ومنها:
العلامة الفارقة الأولى
يروي هذه العلامة الفارقة من العلامات المميزة عن الداعية الراحل وليد عبدالله الغانم رحمه الله تعالى تلميذه ثم صديقه أ. فهد محمد العلوش، وهو أحد شباب مركز شباب إحياء التراث، وقد تطورت علاقته بالأخ وليد رحمه الله تعالى من أحد الشباب الصغار الذي تربي على يديه منذ صغره ليصبح أحد أصدقائه المقربين فيما بعد، وفيها يقول: «لا أستطيع أن أنقل لكم مدى إخلاص هذا الرجل في جده واجتهاده وغيرته على دينه ووطنه هذا، بالإضافة إلى بذله الكبير ومجهوده الرائع في سبيل الدعوة إلى الله تعالى وتأثيره الطيب على مئات الشباب».
أما العلامة الفارقة التي نود تسليط الضوء عليها هنا هو امتداد هذا التأثير الطيب إلى عشرات، بل مئات البيوت من ذوي هؤلاء الشباب، والأجمل من ذلك هو انتقاله إلى بيوت الشباب ثم إلى الأسر الجديدة التي كونها هؤلاء الشباب فيما بعد، فبمرور الوقت يكبر الشباب وينمو معهم هذا الالتزام والحب للدين وللسلوك القويم الأمر الذي ينتقل تأثيره إلى هذه الأسر الجديدة فيكون الامتداد الطيب له جيلاً بعد جيل.
العلامة الفارقة الثانية
يروي هذه العلامة الفارقة من العلامات المميزة عن الداعية الراحل رحمه الله تعالى أ. عدنان الصالح (بو تركي)، وهو أحد أصدقائه في العمل منذ عام 2005م، وفيها يقول: «لقد كان التعامل الراقي للداعية وليد الغانم رحمه الله تعالى مع الموظفين معه بالإدارة شيء لافت للنظر، بل إن الأعجب هو حبه الشديد للعاملين البسطاء في العمل من الجنسيات الأخرى وحرصه على أن يجبر خاطرهم، وأن يدخل عليهم البهجة والسرور، وأن يحفظ لهم مكانتهم وقدرهم بين الموظفين، وهذا من جميل خصاله وطيب معشره رحمه الله تعالى».
أما العلامة الفارقة المميزة في هذا الشأن هو حرصه على شعور جميع الموظفين معه بالرضا الوظيفي وجبر الخواطر، فهذه إحدى موظفاته ينقلها مديرها عن غير رغبتها فيعلم أبو خالد رحمه الله تعالى بهذا الإجراء فيذهب إليها ليجبر خاطرها ويعيدها مرة أخرى إلى مكانها المحبب والأنسب لظروف ابنها الصحية، وهذه موظفة أخرى يعاني أحد أبنائها من مرض في القلب ينقلها بناء على رغبتها ليكون عملها بالقرب من المستشفى الذي يرقد فيه ابنها لتكون على قرب منها، وهؤلاء الموظفين بالإدارة يسعى جاهداً أن يصرف لهم الحوافر المزايا المادية ولا يهدأ له بال حتى يتم هذا الأمر، وهؤلاء موظفي الأمن يسعى لصرف وجبات تغذية بصفة يومية لهم أثناء إقامتهم في المركز في ظل ظروف فيروس «كرورنا» وأثناء تلك الإجراءات الاستثنائية في البلاد وينجح في ذلك.. وغيرها العديد من اللمسات الحانية من مسئول مميز يحمل روح الإخوة والود لجميع العاملين معه والشعور بالمسئولية تجاههم.
ويزداد الأمر جمالاً عندما نعلم أن هذا المسؤول والقائد المميز يتورع عن الاستفادة من أي من تلك المزايا والحوافز التي يطالب بها لموظفيه، بل على العكس نجده ورعاً تقياً نقياً لا يقبل أي مزايا يوفرها له منصبه بسبب شعوره الجميل بأنه غير مستحق لها، وهذا من نزاهته وورعه وتقواه رحمه الله تعالى.
العلامة الفارقة الثالثة
يروي هذه العلامة الفارقة من العلامات المميزة عن الأخ وليد الغانم ابن أخته أ. عبدالعزيز أحمد الملا، لكي ينقل لنا علامة أخرى فارقة من حياة الداعية بو خالد رحمه الله تعالى عن قرب وهي العلامة الأسرية، وفيها يقول: أعلم أن شهادتي في خالي الراحل وليد رحمه الله تعالى مجروحة، ولكن يعلم الله تعالى أنها شهادة حق في رجل صادق مع نفسه قبل أن يكون صادقاً مع الناس، وكان من علامات صدقه مع نفسه أنه كان يفعل كل ما يقول، ويلتزم به ذاتياً لاقتناعه بما يقدمه وبما يدعو إليه.
العلامة الفارقة المميزة في هذا الشأن هي الصدق قلباً وقالباً، فقد كنت أحد شباب مركز إحياء التراث وكان خالي هو مسؤولنا في المركز كما يعلم الجميع، كما أنه في الوقت نفسه تربطني به علاقة الأسرة وصلة الرحم، فكنت بذلك أرافقه في جميع أحواله، وأشهد الله تعالى أنه كان صادقاً في كل ما كان يدعو إليه من أخلاق وقيم ومثل عليا، وفيما كان يحث الشباب عليه دينياً وأخلاقياً وتربوياً، فكنت أجده يطبق ما علمه للشباب في المركز تماماً في بيته ومع أسرته الكبيرة والصغيرة، فإذا تكلم عن بر الوالدين تجده أبر الناس بوالديه وخاصة أمه، ولقد ماتت رحمها الله تعالى وهي راضية عنه وهذا ما يشهد به الجميع، وكان إذا تكلم عن صلة الرحم مع الشباب تجده حاضراً في كل مناسبات العائلة لا يتخلف عنها أبداً؛ ولم يكن حضوره عادياً بل كان رحمه الله تعالى مصدر بهجتنا وسعادتنا بسمته الطيب وقصصه المفيدة وروحه السمحة، وإذا تكلم عن العطاء فهو ذلك المعطاء الكريم.
أخيراً، لا أجد أفضل من الكلمات الجميلة الرقيقة والدعاء الطيب الذي اختصه به الأخ الفاضل د. نايف العجمي حيث قال عنه في رثائه ثناءً جميلاً أختصره فيما يلي: «يوم أمس فجع الوسط الاجتماعي والعمل الدعوي بأفول نجم من نجوم مجتمعنا، وكوكب من كواكب دعوتنا، كان له من الأثر الحسن، والبر بالوطن، والتربية والتعليم، والتوجيه والتقويم، وحسن القدوة وكريم الأسوة، ما ملأ القلوب بمحبته، وأقبل بها على مودته».
يا كوكباً ما كان أقصر عمره وكذلك عمر كواكب الأسحار