قبل نحو ربع قرن، هرول الشاب الفلسطيني المقاوم نضال فرحات باتجاه منزل الشيخ أحمد ياسين، مؤسس حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، ليبلغه أنه طار 5 كم، فقابله الشيخ ياسين وعلى كرسيه المتحرك بابتسامة وسأله: «إيش إللي طار يا ابني»، فقال له فرحات: «الصاروخ».
فأدرك الشيخ ياسين الذي كان على اطلاع بعمل نضال أنه يتحدث عن صاروخ «القسام»، فقال له الشيخ ياسين: «إذا قدرت تطوره إلى 10 كم سأقبّل رأسك».
تشجع نضال أكثر وقبّل رأس شيخه وانطلق إلى ورشته ليزيد سرعة أول صاروخ يطلق في تاريخ الصراع الفلسطيني من قطاع غزة تجاه مستوطنات الاحتلال المحاذية إلى القطاع.
كانت هذه القصة تحكي تجربة إطلاق أول صاروخ من غزة على يد أحد المقاومين الذي وهب نفسه وبيت عائلته للمقاومة، وصاحب تجربة أول صاروخ وطائرة مسيرة.
ولد نضال فتحي رباح فرحات، في 8 أبريل 1971م، في حي الشجاعية بغزة، ونشأ منذ نعومة أظفاره على حب المساجد والتضحية في سبيل الله من أجل تحرير ثرى فلسطين، وكان محافظاً على دروس العلم والتعلم وخاصة جلسات تلاوة القرآن الكريم، وأنهى تعليمه الثانوي في مدارس حيه بالشجاعية، وبعدها التحق بالجامعة الإسلامية في غزة.
يعد الأخ الأكبر للمقاوم محمد فرحات الذي نفذ عام 2002م عملية فدائية في مستوطنة «عتصمونة» جنوب قطاع غزة وقتل فيها 9 جنود صهاينة، في حين استشهد شقيقه وسام خلال العدوان الأخير على غزة، حيث كان قائد كتيبة الشجاعية في «كتائب القسام».
شارك في الانتفاضة الفلسطينية الأولى عام 1987م التي سميت بـ«انتفاضة الحجارة»، حيث طلبت أمه منه الانخراط مع الشباب المسلم حتى انضم إلى صفوف حركة المقاومة الإسلامية (حماس) في تلك الفترة، وفي 5 فبراير 1993م، انضم فرحات إلى صفوف «كتائب الشهيد عز الدين القسام»، الجناح العسكري لحركة «حماس»، وقضى 5 سنوات في سجون الاحتلال، واعتقل أيضاً لدى أجهزة السلطة الفلسطينية 3 مرات.
أطلق عليه لقب «مهندس الصواريخ»، سخَّر حياته في سبيل تطوير الصناعات العسكرية لـ«كتائب الشهيد عز الدين القسام»، فكان له فضل تصنيع الصاروخ الأول، واستشهد قبل أن يكتمل حلمه بصناعة الطائرات.
ويعد الابن البكر لـ«خنساء فلسطين» أم نضال فرحات، لم يألُ جهداً في سبيل تطوير الأسلحة القسامية، ودشّن برفقة الشهيد القائد تيتو مسعود صاروخ «قسام 1»، وتفرغ بعدها لتطوير الصناعات القسامية.
جاء العمل في إطلاق الصاروخ الأول بعد باع طويل لنضال في مقارعة الاحتلال سواء في «انتفاضة الحجارة» (1987 –1993م) أو حرب العصابات والعمل مع «كتائب القسام» مساعداً لقائد حرب العصابات في تسعينيات القرن الماضي الشهيد عماد عقل الذي كان يتخذ من منزل فرحات مأوى له واستشهد خلال محاصرته بعد خروجه منه، ودفنه نضال بيده.
يشير موقع «القسام» إلى أن نضالاً هو أول من صنع صاروخاً في فلسطين قاطبة ليدخل بهذا الشرف العظيم الذي حباه إياه الله تبارك وتعالى باب العزة والكرامة باب الجهاد والمقاومة.
وقالت والدته مريم محيسن، المعروفة بـ«خنساء فلسطين»، أم نضال فرحات، في إحدى المقابلات التلفزيونية: «لقد جاءني نضال في يوم من الأيام وهو لم يخفِ عني أسراره أبداً، جاءني مسروراً سروراً لم أشهده من قبل على وجه نضال، وقال: يا أمي، لقد أكرمني الله بصناعة الصاروخ الأول في فلسطين فاستغربت كثيراً!».
وأضافت: «إني حملت هذا الصاروخ وحمدت الله تعالى على هذا الإنجاز العظيم، وقرأت عليه آيات من القرآن الكريم علَّ الله تبارك وتعالى يبارك في هذه الجهود الجبارة التي يبذلها أبناء «كتائب القسام»، ثم دعوت الله له ولإخوانه من أبناء «القسام» بالتوفيق والسداد، وأن يسدد الله خطاهم نحو النصر والتمكين».
نقل نضال تجربته في صناعة صواريخ «القسام» إلى الضفة الغربية المحتلة، وكان أول من أدخل صاروخ «القسام» هناك، حيث عمل على تعليم رفاقه كيفية صناعة صاروخ «القسام» وصناعة المتفجرات عبر إمدادهم بالرسوم التوضيحية والخرائط التفصيلية المتعلقة بذلك.
انطلاقاً من 26 أكتوبر 2001م، الذي أعلن فيه إطلاق صاروخ «قسام 1»، تفرغ الشهيد نضال فرحات بطلب من القائد العام لـ«كتائب القسام» آنذاك صلاح شحادة، لتطوير صواريخ «القسام»، فجاء الإعلان بعد عدة أشهر عن تصنيع صاروخ «قسام 2»، ثم «قسام 3».
وبينما اختتم مسيرته الجهادية بحلم تسيير طائرات شراعية لتنفيذ مهمات جهادية داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة، تحقق الحلم بعد 11 عاماً خلال معركة «العصف المأكول».
وقد اغتاله الاحتلال برفقة 5 من مجاهدي «القسام»، في 16 فبراير 2003م، بمنزل في حي الزيتون بغزة بعدما كانوا يجهزون طائرة صغيرة تعمل عن بُعد كان قد جلب أجزاءها من أراضي عام 1948م، وأطلقت «القسام» لاحقاً على تلك المسيّرة اسم «أبابيل».
_______________
1- موقع «القسام».
2- الجزيرة. نت.
3- المركز الفلسطيني للإعلام.