جعل الله عز وجل الجهاد في سبيله أعظم القربات وأعلى العبادات وأعظم الطاعات والطريق الأقصر للوصول للجنة ومصاحبة الأنبياء والتحريم على النار؛ وذلك لأن الجهاد في سبيل الله نصرة له سبحانه ورفعة لدينه ورفعاً للظلم عن عباده وسبباً في تخليص العباد لعبادته سبحانه من دون الناس.
وقد ورد في كتاب الله ما يحبب المسلمين في الجهاد ويشحذ عزائمهم منها قوله تعالى: (إنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) (التوبة: 111)، وقوله تعالى: (قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ) (التوبة: 29)، ومن السيرة النبوية والحديث الشريف سوف نستقي في السطور التالية بعض كرامات المجاهدين في سبيل الله تعالى:
1- يتمنى الرجوع إلى الدنيا ليكرر الشهادة:
عن أنس بن مالك رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ما أحد يدخل الجنة يحب أن يرجع إلى الدنيا وله ما على الأرض من شيء إلا الشهيد، يتمنى أن يرجع إلى الدنيا فيقتل عشر مرات لما يرى من الكرامة» (البخاري 2817، فتح الباري (6/ 32) ومسلم 1498/ 3).
وعن مسروق قال: سألنا عبدالله ابن مسعود عن هذه الآية: (وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ) (آل عمران: 169)، قال: أما إنَّا قد سألنا عن ذلك فقال: «أرواحهم في جوف طير خُضر، لها قناديل معلّقة بالعرش، تسرح من الجنة حيث شاءت، ثم تأوي إلى تلك القناديل، فاطَّلع إليهم ربهم اطِّلاعة، فقال: تشتهون شيئاً؟ قالوا: أي شيء نشتهي ونحن نسرح من الجنة حيث شئنا؟! ففعل ذلك بهم ثلاث مرات، فلما رأوا أنهم لن يتركوا من أن يسألوا قالوا: يا رب نريد أن ترد أرواحنا في أجسادنا حتى نقتل في سبيلك مرة أخرى، فلما رأى أن ليس لهم حاجة تركوا» (مسلم 3/ 1502).
2- وإنه في جنة الفردوس:
عن أنس، قال: قتل حارثة يوم «بدر» وهو غلام، فجاءت أمه إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقالت: يا رسول الله، قد عرفتَ منزلة حارثة مني، فإن يكن في الجنة أصبر وأحتسب، وإن تكن الأخرى تر ما أصنع، فقال: «ويحك أو هَبِلْتِ؟ أَوَ جنةٌ واحدة هي؟ إنها جنان كثيرة وإنه في جنة الفردوس» (البخاري مع فتح الباري، 6/ 25).
وعن نعيم بن همار الغطفاني أن رجلاً سأل النبي صلى الله عليه وسلم: أي الشهداء أفضل؟ قال: «الذين إن يُلْقَوا في الصف لا يلفتون وجوههم حتى يقتلوا، أولئك ينطلقون في الغرف العلا في الجنة، ويضحك إليهم ربهم، وإذا ضحك ربك إلى عبد في الدنيا فلا حساب عليه» (رواه أحمد، 5/ 287).
3- لا يفضله النبيون إلا بدرجة النبوة:
عن عتبة بن عبد السُّلمي، وكان من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «القتلى ثلاثة: رجل مؤمن قاتل بنفسه وماله في سبيل الله حتى إذا لقي العدو قاتلهم حتى يقتل، فذلك الشهيد المفتخر (وفي رواية: «الممتحن» (رجَّح هذه الرواية البنا في الفتح الرباني، 13/ 32)) في خيمة الله تحت عرشه، لا يفضله النبيون إلا بدرجة النبوة، ورجل مؤمن قرف على نفسه من الذنوب والخطايا، وجاهد بنفسه وماله في سبيل الله، حتى إذا لقي العدو قاتل حتى يقتل، مُحيت ذنوبه وخطاياه، إن السيف محَّاء الخطايا، وأُدخل من أي أبواب الجنة شاء، فإن لها ثمانية أبواب، ولجهنم سبعة أبواب، وبعضها أفضل من بعض، ورجل منافق جاهد بنفسه وماله حتى إذا لقي العدو قاتل في سبيل الله في ظاهر أمره حتى يقتل، فإن ذلك في النار، السيف لا يمحو النفاق» (رواه أحمد، 4/ 185).
4- تُظِلُّه الملائكة بأجنحتها ويرضيهم مولاهم:
عن جابر قال: لما قتل أبي جعلت أبكي وأكشف الثوب عن وجهه، فجعل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ينهونني، والنبي صلى الله عليه وسلم لم يَنْهَه، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «لا تبكِه ما زالت الملائكة تظلُّه بأجنحتها حتى رفع» (رواه البخاري مع فتح الباري، 7/ 374).
وعن أنس، قال: بعث النبي صلى الله عليه وسلم أقواماً من بني سليم إلى بني عامر في سبعين، فلما قدموا قال لهم خالي: أتقدمكم، فإن أمَّنُوني حتى أبلغهم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإلا كنتم مني قريباً، فتقدَّم فأمَّنوه، فبينما يحدثهم عن النبي صلى الله عليه وسلم، إذ أومئوا إلى رجل منهم، فطعنه فأنفذه، فقال: الله أكبر، فُزْت وربِّ الكعبة، ثم مالوا على بقية أصحابه فقتلوهم إلا رجل أعرج صعد الجبل، قال همام -أحد رجال السند- فأراه آخر معه، فأخبر جبريل عليه السلام النبي صلى الله عليه وسلم أنهم قد لقوا ربهم رضي الله عنهم وأرضاهم، فكُنا نقرأ: أن بلِّغوا قومنا أن قد لقينا ربنا فرضي عنا وأرضانا، ثم نسخ بعد، فدعا عليهم أربعين صباحاً على رَعْل وذَكْوان وبني لحيان وبني عُصَيّة، الذين عَصُوا الله ورسوله. (البخاري (2801)، فتح الباري (6/ 18) ومسلم (3/ 1511)).
5- المجاهدون أولى بالتكريم من ذات النسب:
عن ثعلبة بن أبي مالك أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قسَّم مُروطاً بين نساء من نساء أهل المدينة، فبقي منها مِرْط جيد، فقال له بعض من عنده: يا أمير المؤمنين، أعْطِ هذا بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم -يريدون أم كلثوم بنت عليّ- فقال عمر: أم سليم أحقُّ به من نساء الأنصار ممَّن بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال عمر: فإنها كانت تَزْفُر لنا القِرَب يوم أُحد. (البخاري 4071، فتح الباري، 7/ 366)، فقد قدّم عمر رضي الله عنه أم سليم على زوجه أم كلثوم حفيدة رسول الله صلى الله عليه وسلم إكراماً لها على خدمتها في الغزو.
عن قتادة قال: ما نعلم حيّاً من أحياء العرب أكثر شهيداً أغر يوم القيامة من الأنصار، قال: وحدّثنا أنس بن مالك أنه قتل منهم يوم «أُحد» سبعون، ويوم «بئر معونة» سبعون، ويوم «اليمامة» سبعون. (البخاري 4078، فتح الباري 7/ 374).
6- عظم الأجر على قصر الوقت:
عن أنس بن مالك، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لَغدوةٌ في سبيل الله أو روحة خير من الدنيا وما فيها»، وفي رواية من حديث أبي هريرة: «خير ممَّا تطلع عليه الشمس وتغرب» (البخاري (3792)، فتح الباري (6/ 13)، ومسلم (3/ 1499)).
7- أمن ورزق وعمل:
عن سهل بن سعد الساعدي، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «رباطُ يوم في سبيل الله خيرٌ من الدنيا وما عليها، وموضعُ سَوْط أحدكم من الجنة خيرٌ من الدنيا وما عليها، والرَّوْحة يروحها العبد في سبيل الله والغدوة خيرٌ من الدنيا وما عليها» (رواه البخاري 2892، فتح الباري، 6/ 85).
وعن سلمان قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «رباط يوم وليلة خير من صيام شهر وقيامه، وإن مات جرى عليه عمله الذي كان يعمله، وأُجري عليه رزقه، وأُمن الفتَّان» (رواه مسلم، 3/ 1520).
8- فضل المجاهد ولو في آخر الصفوف:
عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «طوبى لعبدٍ آخذٍ بعِنان فرسه في سبيل الله، أشعثَ رأسهُ، مغبَّرةٍ قدماه، إن كان في الحراسة كان في الحراسة، وإن كان في الساقة كان في الساقة، إن استأذن لم يؤذن له، وإن شُفِّع له يُشفَّع» (رواه البخاري 2887، فتح الباري، 6/ 81)، وعن عائشة رضي الله عنها قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم سَهِر، فلما قدم المدينة، قال: «ليت رجلاً من أصحابي صالحاً يحرسني الليلة»؛ إذ سمع صوت سلاح، فقال: «من هذا؟»، فقال: أنا سعد بن أبي وقاص جئت لأحرسك، ونام النبي صلى الله عليه وسلم. (رواه البخاري (2885)، فتح الباري (6/81)، ومسلم (4/ 1875)).