في وقت سابق، ظهر الداعية السعودي الشهير عائض القرني عام 2019م مع الإعلامي عبدالله المديفر على قناة «روتانا خليجية» ليقول بالحرف الواحد: «باسم الصحوة، وبكل شجاعة، وبكل صراحة -وإذا لم نتعلم فن الشجاعة فلا خير فينا، وما منا إلا رادٌّ ومردود عليه، إلا محمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم- أنا باسم الصحوة أعتذر للمجتمع السعودي عن الأخطاء التي خالفت الكتاب والسُّنة، وخالفت سماحة الإسلام، وخالفت الدين المعتدل الوسطي الرحمة للعالمين، وضيقت على الناس.. أعتذر للمجتمع السعودي باسم الصحوة جميعاً، الغائب والحاضر، ويقبلون هذا الاعتذار، وأنا رَغِمَ أنفي للحق، ومن يردني للحق بآية أو حديث من الكتاب والسُّنة فأنا معه، وأنا الآن مع الإسلام المعتدل المنفتح على العالم الوسطي الذي نادى به سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان».
لا ندري يعتذر عن ماذا، ولا نعلم هل هو متحدث باسم الصحوة حتى يتحدث باسمها، ولكن إذا قرأت آخر النص الذي نقلناه أعلاه تبين لك ماذا وراء هذا الاعتذار.
الأخطاء العشرة القاتلة لـ«الإخوان»
على كل حال، ها هو عائض القرني يخرج علينا من جديد، ولكن هذه المرة على قناة «MBC»، يوم 26 أبريل 2024م بجديده الذي زعمه، والحق الذي أراد الصدع به؛ ليقوله من إفرازات عقله ورشحات فكره، وما زعمه من قراءة مائة سنة من تاريخ الإخوان المسلمين والسروريين، وتمخضت هذه القراءة الواعية والناقدة عن عشرة أخطاء للإخوان والصحوة، وها أنا أورد لكم هذه الأخطاء «القاتلة»، كما وصفها، خطأ خطأ، ونبين هل هي خطأ أم لا:
الخطأ الأول: التقصير في نشر التوحيد الصحيح والعقيدة الصحيحة، والانشغال بالسياسة؛ هذا هو الخطأ الأول، فهل هناك تقصير فعلاً في نشر التوحيد الصحيح مقابل الانشغال بالسياسة؟ وهل الانشغال بالسياسة عيب أو خطأ؟
نقول أولاً: إنه ما من داعية أو عامل للإسلام إلا وهو مقصّر، والبشرية فيها 7 مليارات من البشر أقل من ثلثهم مسلمون، والباقي يحتاج لإقامة الحجة وإبلاغ الرسالة، وثانياً: إن أعلام الإخوان المعروفين قد كتبوا في التوحيد والإيمان كتاباتٍ نوعيةً جددوا بها هذا المبحث من مباحث الإسلام، وجعلوا من العقيدة والتوحيد ملحمة للحياة في القيام بالواجب الدعوي، ومقارعة الباطل والتدافع مع المشروعات المعادية للإسلام والأفكار الهدامة.
وقد كتب الشيخ حسن البنا رسالته «رسالة العقائد» نصر فيها مذهب السلف واعتمد مسلكهم في العقيدة، وأورد مذهب الخلف، واعتبره وإن جعله مرجوحاً.. ثم تأمل معي ما كُتب بعد البنا على يد أعلام مدرسة الإخوان: فهذا الأستاذ الشيخ السيد سابق يكتب «العقائد الإسلامية»، والشيخ محمد الغزالي يكتب «عقيدة المسلم»، ومحمد المبارك يكتب «نظام الإسلام العقيدة والعبادة محمد المبارك»، وإسماعيل راجي الفاروقي يكتب «التوحيد: مضامينه على الفكر والحياة»، وشيخنا الإمام يوسف القرضاوي يكتب «الإيمان والحياة»، و«حقيقة التوحيد»، و«فصول في العقيدة بين السلف والخلف»، والشيخ حسن أيوب يكتب «تبسيط العقائد»، ود. محمد نعيم ياسين يكتب «الإيمان أركانه حقيقته نواقضه»، ود. عبدالمجيد النجار يكتب «الإيمان وأثره في الحياة».. وغير ذلك من الكتب التي جسدت العقيدة واقعًا عمليًّا في حياة المسلم أفراداً وجماعات، بما يمثل نقلة حقيقية نوعية في مجال الإيمان يحقق مقاصده المقررة شرعاً، متجاوزة الدرس العقدي الكلامي الذي نحترمه ونقدره، وجدل مذاهبه ما بين أشعرية وماتريدية ومعتزلة وغير ذلك، مما يراد له أن يكون شغُلاً للمسلمين اليوم عن أولويات واقعهم وتحديات عصرهم!
أما الانشغال بالسياسة فهذا شرف المؤمن؛ لأن السياسة في الإسلام هي الاهتمام بشؤون المسلمين، ومن لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم، والسياسة هي تدبيرٌ رشيد لأمور الناس ومصالحهم في المعاش والمعاد، وعلى رأي القرني يكون النبي صلى الله عليه وسلم -حاشاه- على خطأ؛ لانشغاله بالسياسة، وتأسيسه لوثيقة المدينة التي تضمنت نيفاً وثلاثين بنداً دستورياً لتنظيم العلاقات العامة في المجتمع، ويكون الخلفاء من بعده على هذا الخطأ كذلك، رضي الله عنهم.
الخطأ الثاني: السعي للحكم عن طريق الدعوة، هذا هو الخطأ الثاني «القاتل» في نظر عائض القرني؛ فيجب -عنده- أن تكون الدعوة بمعزل عن الحكم، والحكم لا علاقة له بالدعوة، ولا أدري من أي تصور استقى هذا الفصام النكد بين مجالين كلاهما خادم للآخر ومعين عليه، فالحكم في الإسلام أداة من أدوات حراسة الدين وسياسة الدنيا به، والدعوة إلى الله ركن من أركانها الوعي السياسي والحكم الرشيد الذي يستهدف خير البشرية وسعادتها ورفاهيتها في الدنيا والآخرة.
ثم إن الدولة السعودية قد قامت على هذا التحالف بين الحكم والدعوة؛ حكم آل سعود، ودعوة الإمام محمد بن عبدالوهاب، فما رأي عائض القرني في هذا التحالف؟!
الخطأ الثالث: اختراع توحيد الحاكمية مكان توحيد الألوهية، وهذا ما يقضي منه العجب؛ أن يُعد توحيد الحاكمية اختراعاً «إخوانيًّا»، يا له من اختراع! فمن المتوقع أن يكون عائض قد درس كتاباً واحداً فقط من كتب أصول الفقه ليجد الباب الأول منه «الأحكام الشرعية»، الذي يتضمن من فصوله فصل «الحاكم» الذي يعني أن الحاكم هو الله، فما دام هو الذي خلق فهو الذي يحكم: (لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) (القصص: 88)، (أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ) (الأعراف: 54)، كما أنه ليس اختراعاً مودودياً ولا قطبياً -نسبة إلى أبي الأعلى المودودي، وسيد قطب- وإنما هو مصطلح أصولي موجود في بطون كتب أصول الفقه قديمها وحديثها؛ فضلاً عن أن الحاكمية هي من أخص خصائص الألوهية؛ فمن حكم بغير ما أنزل الله، ولجأ لقانون غير قانون الله، فقد نازع الله في أخص خصائص ألوهيته، وهو الحاكمية، وهذا من أبجديات العقيدة والتوحيد الذي يتحدث عنه القرني!
الخطأ الرابع: استماتتهم لإقامة الخلافة، وتقديس هذا المطلب، حتى ذهبت فيه الدماء والممتلكات والأوطان، فالسعي لرفع راية للمسلمين وإقامة دولة تتحدث باسمهم وتنشر رسالتهم في العالمين أصبح خطأ «قاتلاً» عند القرني، ولا أدري هل أتاه هذا النبأ أم لا: حين توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم ترك الصحابة جثمانه الشريف وهُرعوا إلى حوار ساخن شهير انعقد في سقيفة بني ساعدة لمناقشة أمر خلافة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد قرر العلماء أنهم فعلوا ذلك خشية أن يبيتوا ليلة واحدة بغير خلافة وفي غير جماعة، كما أنه يلزم من كلام عائض أن نُخَطئ الصحابة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، لا سيما الخلفاء الراشدين؛ لأنهم اهتموا بالخلافة وسعوا لإقامتها.
أما الدماء والممتلكات والأوطان، فإن الإخوان أو «السروريين» كما ذكرهم لم يخربوا أوطاناً، ولم يُذهبوا دماء، وإنما الذي قام بذلك هي الأنظمة المستبدة التي زرعها الاستعمار في بلادنا لرعاية مصالحه والقيام بأمره، واستئصال أي محاولة جادة للحكم بشريعة الله كما أمر، وكما انتهجه النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته الراشدون من بعده.
الخطأ الخامس: تمييع عقيدة الولاء والبراء، فمن وافقهم مدحوه ومجّدوه، ومن خالفهم مقتوه، فتمييع العقيدة هو الخطأ «القاتل» الخامس عند القرني، الذي استخرجه من قراءة تاريخ مائة سنة، ولم يلحظ تجليات هذه العقيدة في هذه العقود التي تجسدت في مقاومة المحتل الإنجليزي في مصر، ولم يقرأ عن محمد فرغلي الذي وصف بأنه «سلطان العلماء»، و«جزار الإنجليز» في القناة، ولم يقرأ عن كتائب الإخوان المجاهدة التي سيرها حسنُ البنا للجهاد في فلسطين، وعَميتْ عيناه عن أن يرى الجهاد المبرور الذي نعيش أحداثه الآن في معركة «طوفان الأقصى».
هذا هو الإيمان الحقيقي يا عائض، وهذه هي تجليات الولاء والبراء على الأرض، وإن التحالفات المختلفة بدوائرها المتنوعة التي عقدها الإخوان وأنشؤوها في أوطانهم وفي إقليمهم العربي والإسلامي لخير دليل على بطلان هذا الادعاء!
الخطأ السادس: الغبش في مسألة الوطن، والدخول في الوهم، وجعل البلاد كلها وطناً، وتمييع الوطنية بحجج واهية مثل الأممية، فالإخوان والسروريون عندهم غبش في مسألة الوطن والوطنية، وأنا أحيل القارئ هنا -حتى لا نطيل عليه- إلى كتاب «مجموعة رسائل الإمام حسن البنا» وقراءة «رسالة دعوتنا» منها، التي تحدث فيها عن أنواع الوطنية وأنها في الإسلام بأرقى وأسمى مما يتحدث عنه صناديد الوطنية ومنظروها.
أما أنَّ جعْل البلاد كلها وطناً، وأن الأممية حجة «واهية» لتمييع الوطنية؛ فهذا مما يجعلنا ندعو القرني إلى مراجعة دينه؛ فكل الآيات القرآنية التي وردت في القرآن الكريم تتحدث عن «الأمة» و«أمتكم» و«أمة وسطاً»، و«إنما المؤمنون إخوة»، وما ورد في السُّنة من أحاديث عن المؤمنين وأخوّتهم وتناصرهم وتناصحهم وأنهم كالبنيان الواحد، ويسعى بذمتهم أدناهم.
الخطأ السابع: الحزبية المُقيتة –هكذا بضم الميم- التي من أجلها انقسم المسلمون لديهم قسمين؛ إخوانياً وغير إخواني، ولو أن عمر بن الخطاب كان حاكمًا للدولة ولكنه غير إخواني لنقموا عليه، فالإخوان هنا عندهم خطأ «قاتل» وهو الحزبية «المُقيتة» (بضم الميم)؛ أي الحزبية التي تُطعم الناس؛ فهي من القوت بالضم، أما بالفتح فهي من المقت؛ وهذا هو القرني الذي عُرف عنه الأدب والأسلوب البليغ! المهم أن أدبيات الإخوان جميعاً تقرر أنهم جماعة من المسلمين ولم يقولوا: إنهم جماعة المسلمين، وأي حزب وأي هيئة لا شك يكون لها نظام وتعامل وبين أفرادها ولاء، لا لذاته، ولكن لما يترتب على ذلك من وحدة وتناصر لتحقيق الهدف المنشود.
أما مقولته عن عمر بن الخطاب؛ فهذه فرية ليس فيها مرية، وهو افتراء من القرني يحمل وزره أمام الله تعالى: (يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُّحْضَراً وَمَا عَمِلَتْ مِن سُوَءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً وَيُحَذِّرُكُمُ اللّهُ نَفْسَهُ وَاللّهُ رَؤُوفُ بِالْعِبَادِ) (آل عمران: 30)، وليحذر من قوله تعالى: (وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَاناً وَإِثْماً مُّبِيناً) (الأحزاب 58)، وقد أُثر عن البنا ومرشدي الإخوان من بعده أنهم جند مع أي قائد يحكم بشريعة الله، ولو بقيت الخلافة لما أنشأ البنا جماعة الإخوان التي أطلقها بُعيد سقوط الخلافة، فلو كان عمر رضي الله عنه موجوداً لأصبحوا من جنده ولكانوا من حزبه.
الخطأ الثامن: إهمال العلم الشرعي، والتهوين من التحصيل العلمي، وإشغال الشباب بمسائل السياسة والانتخابات والبرلمان والحكم والخلافة وفقه الواقع، وهنا يجب أن أسأل القرني عن معنى «العلم الشرعي» عنده، هل هو الاشتغال بكتب العقيدة وتقسيمها لتوحيد الألوهية وتوحيد الربوبية وتوحيد الأسماء والصفات، والاشتغال بأحكام الطهارة والحيض والنفاس؟ على أهمية ذلك وضرورته، أم هو الاهتمام بالعلوم الشرعية الأساسية من فقه وتفسير وحديث وأصول وعقيدة ونحو ذلك؟
على كل حال، فإن أشهر كتاب فقهٍ في عصرنا هو «فقه السُّنة» للسيد سابق، وأشهر كتاب في التفسير هو «في ظلال القرآن» لسيد قطب، وأشهر كتب في السيرة هي كتب علماء الإخوان: «السيرة النبوية دروس وعبر» للسباعي، و«فقه السيرة» للغزالي، و«المنهج الحركي للسيرة النبوية» لمنير محمد الغضبان، و«المنهج التربوي للسيرة النبوية» (13 مجلداً) للغضبان، و«السيرة النبوية» لعلي الصلابي، وغير ذلك من كتب في السيرة تمثل نقلة نوعية في مجالها؛ بحيث انتقلت السيرة على يد علماء الإخوان من مجرد تدقيق في الروايات وتحقيقها وتمحيصها إلى جعل السيرة «ملحمة» للحياة؛ فكرياً وفقهياً وسياسياً واجتماعياً وتربوياً ودعوياً وأخلاقياً، وكافة مناحي الحياة.
ثم مَن أشهر من كتبوا في عصرنا في الفقه والأصول؟ ستجدهم علماء الإخوان، ومن أشهر من كتب في «الاقتصاد الإسلامي» ستجدهم علماء الإخوان، ثم من أشهر من كتب في مقاصد الشريعة؟ ستجدهم من علماء الإخوان، حتى في الحديث الشريف وعلوم السُّنة أسهموا بسهم وافر، والأمر يحتاج لحديث مستقل في أثر الإخوان في تطوير العلوم الشرعية وتجديدها.
أما المصيبة، فهي أن القرني قد عدّ من الأخطاء «القاتلة» الاهتمام بالسياسة والبرلمان، وثالثة الأثافي: الاهتمام بـ«فقه الواقع»! أصبح الاهتمام بفقه الواقع -ومنه السياسة والبرلمان- خطأ «قاتلاً» في نظر القرني، وقد أرسل الله الرسل لمعالجة أمراضٍ في الواقع، وجعل فقه الواقع قسيماً لفقه النص في الاجتهاد والفتوى وتنزيل الحكم على الواقع، وإننا بحاجة للتربية السياسية لشبابنا اليوم: كيف يكون الواحد منهم برلمانيَّ المستقبل، وسياسيَّ المستقبل، ورجل دولة المستقبل.
الخطأ التاسع: تقاربهم مع المد الصفوي الخميني، حتى ولو كان على حساب أهل السُّنة واتباع السلف الصالح، فهم يلتقون أبداً معهم، وبينهم قواسم مشتركة، هذا هو العيب التاسع في نظر القرني، ولا شك أن عقد أي تحالفات مع أي فئة أو أي جهة تقررها قواعد السياسة الشرعية وضوابطها، فعندنا في الفقه الإسلامي «فقه التحالفات» عظيم وعريق، ولكن استخدام كلمة «المد» هنا هو مجرد افتراء يشير إلى أن الإخوان ومن ذكرهم يسايرون هذا المد، ويعملون معه ويسهمون في تيسير الطريق أمامه.
ومن المعلوم أن حسن البنا أنشأ داراً للتقريب في القاهرة، وعاونه في ذلك مشايخ الأزهر وقتها، أما شيخنا الإمام يوسف القرضاوي فقد ظل يدعو للتقريب حتى تبين له خطأ ذلك عام 2007م في مؤتمر التقريب الشهير بالدوحة، الذي ترتب عليه أن قلب الشيخ ظهر المجن على الشيعة، وناظر السيستاني في حلقة شهيرة على فضائية «الجزيرة»، أما الرسالة المبكرة في هذا فهي كتاب «الخمينية: شذوذ في العقائد وشذوذ في المواقف» للشيخ سعيد حوى، فليس هناك تحالفات على «المد الصفوي» كما زعم القرني.
إلا إذا قصد بذلك حركة «حماس» والحركات الأخرى التي تتواصل مع إيران لحاجتها، فلم تفعل ذلك إلا حين أغلقت الدول العربية -إلا من رحم الله- أبوابها في وجه المقاومة، فاضطرت للذهاب إلى إيران مع الحفاظ على هويتها، ومع تنبيهنا لها على ضبط تصريحاتها التي تستفز مشاعر أهل السُّنة، ولكنهم لو وجدوا أبواب العرب والمسلمين مفتوحة لما ذهبوا إلى إيران!
الخطأ العاشر: عدم اعترافهم بأخطائهم، والاستمرار في النفق المظلم؛ ولهذا أدعو من هذا المنبر، وهذا البيان، إلى حل جماعة الإخوان المسلمين، والسروريين، وغيرهم، وأن يعلنوا حل أنفسهم، والاعتذار عن أخطائهم؛ لأنهم وصلوا إلى طريق مسدود وباب مغلق، نهاية المطاف يدعو القرني الإخوان والسروريين وغيرهم إلى حل جماعاتهم، والاعتذار عما مضى، والخروج من النفق المظلم، والاعتراف بأخطائهم، ونسي أن يضيف لما ذكر: أن يجلسوا في بيوتهم، ويبكوا على خطيئاتهم، ويقدموا توبتهم للمجتمعات التي أخطؤوا بحقها.
إن الإخوان والسروريين وغيرهم من الجماعات العاملة للإسلام ليست معصومة، لها أخطاء، بل لها كوارث، ولكن في المقابل لها حسنات وإيجابيات يجب أن تُذكر لهم فتشكر، وهذا هو الإنصاف الذي علمه لنا الإسلام، ولقد حافظت الصحوةُ الإسلامية المعاصرة -التي تبرأ منها القرني- على الهوية الإسلامية، وحفظت أجيال الشباب من الفكر المتحجر والمتحلل، وملأت الدنيا عملاً سياسياً واجتماعياً وخيرياً وإغاثياً وجهادياً على مر مائة سنة؛ فضلاً عن ثبات قلوبهم، ورباطة جأشهم، وتقديم حياتهم وحيوات ذويهم؛ فداء لدينهم على مشانق الطغاة، وأمام المحتلين في كل أرض.
على أن الذي أدخل البلاد والعباد في الأنفاق المظلمة هي هذه الأنظمة المستبدة، التي قمعت الشعوب الثائرة، واعتقلت الدعاة الأحرار والعلماء الأخيار، وغيّبتهم عن الساحة في وقت أحوج ما تكون الأجيال إليهم، تلك الأنظمة التي سعت في ركاب المشروع الغربي، وركعت أمام إملاءاته وتعليماته؛ خاشعة أبصارهم ترهقهم ذلة!
وإذا كان كلُّ من له خطأ نطالبه بإيقاف نشاطه، والجلوس في بيته، فما ينبغي أن نرى للقرني –بما هو بشر يخطئ ويصيب– صفحةَ عنق، لا في بيت من بيوت الله، ولا على شاشة من الشاشات!
وأخيراً: لماذا سَلِمَ من لسانك الاحتلالُ «الإسرائيلي» بكل جرائمه التي نراها اليوم، ولم نسمع لك كلمة تأييد للمقاومة في فلسطين في معركتها المصيرية «طوفان الأقصى»، ولا دعوة لنصرة المظلومين، وذهبت بكل بسالة على فضائية تسل سيفك الآن ولسانك المسموم على قوم، هم بين شهيد ومعتقل ومهاجر؟! إن الشجاعة الحقيقية أن تقف مواقف الشجعان عند الأخطار وأمام الطغيان وفي مواجهة جرائم الاحتلال، وليست الشجاعة أن تبحث لك عن منطقة آمنة تستأسد فيها وتطلب الطعن والنزال، على نحو ما قال الشاعر:
وإذا ما خلا الجبانُ بأرض طلب الطعن فيها والنزالا
أو كما قال الآخر:
إن الزعامة والأمورُ مخوفة غيرُ الزعامة والطريق أمانُ
وفي النهاية، أدعوك يا شيخ عائض إلى الاستغفار لذنبك، والتوبة إلى الله تعالى من هذه الافتراءات قبل ساعة الغرغرة، ولات ساعة مندم، وأن تعود إلى رشدك، وتستنقذ عقلك؛ فكلٌّ مُحاسَب على كل ما قال، وموقوف ومسؤول غداً بين يدي الله تعالى: (رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلّاً لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ) (الحشر 10).