ما الجديد في حدث «طوفان الأقصى» الذي جعل أنظار العالم كله تتجمد حول المشهد في غزة، وجعل دولاً في أقاصي الأرض تقطع علاقاتها مع الكيان الغاصب، وأخرى تقاضيه أمام المحاكم الدولية، وأخرى تقطع علاقاتها التجارية معه، وجعل شعوباً في مختلف أنحاء الكوكب تخرج رفضاً للعدوان ودعماً للحق الفلسطيني، وطلبة جامعات في أمريكا والغرب يتظاهرون ويعتصمون دعماً لحق الفلسطينيين ورفضاً للعدوان الهمجي عليهم، وجعل شعوباً تقاطع منتجات الدول والشركات الداعمة للكيان الغاصب؟!
الجديد ليس في إجرام ووحشية العدو؛ فتلك مسألة نعرفها واعتاد العالَم عليها، وليس الجديد في تعرية النظام الدولي وبيان عجزه وهشاشته في الدفاع عن حقوق المستضعفين، وليس الجديد في تعرية الدول التي تتشدق بالحرية وحقوق الإنسان، وتسوق لنا نفسها على أنها راعية للقيم الإنسانية؛ بل الجديد هو: صعود نموذج فريد ومُلهِم للمقاومة من مساحة أرض محدودة المساحة محاصرة من كل الجهات، وتتعرض للحصار والتجويع، ويقطع عنها السلاح والذخيرة والغذاء والوقود والدواء، ثم يظهر فيها شعب بكل هذا الصمود، ومقاومة بكل هذه البسالة والشجاعة والفاعلية.
مقاومة تواجه رأس حربة النظام الدولي، بل وتضربه على أم رأسه وتفقده توازنه، وتتسبب في إرباكه وإرباك النظام الدولي الذي يدعمه، وتجعله عاجزاً عن تحقيق أهدافه، بل تضرب جذور هذا الكيان وتجعله لأول مرة يقف أمام ما يصفه بـ«المعركة الوجودية»؛ أي أنه بات يشعر أنه مهدد في استمرار وجوده.
هذا النموذج الملهِم للمقاومة هو الذي حرك النظام الدولي لوأده في مهده، وحرك شعوب العالم وأحراره لاستلهام النموذج ودعمه وتأييده.
ولولا صمود شعب غزة وفاعلية المقاومة المسلحة؛ لما تحرك أحد لدعمها، وبقدر دعم كل حر شريف لتلك المقاومة، سيستمر اتساع دائرة الدعم العالمي لها.
نحن أمام حدث استثنائي يفوق مقدرة البشر وتخطيطهم؛ فهذه الثلة من الأبطال الذين صنعوا هذا الحدث صنعوا معجزة لا يمكن تفسيرها إلا في ظلال قوله تعالى مخاطباً نبيه صلى الله عليه وسلم في غزوة «بدر»: (وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَـكِنَّ اللّهَ رَمَى) (الأنفال: 17).
حدث استثنائي يُبصِر فيه المؤمنون بصيص الضوء في نهاية النفق المظلم في ظلال قوله تعالى: (لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ) (الأنفال: 8).
نحن أمام نموذج مقاومة فريدة ملهمة للشعوب ومرعبة للطغم الحاكمة، وأمام بشائر إلهام لحركة مقاومة عالمية تخطت حدود المكان والدين والمذهب والعِرق، وقد تتخطى الحدث ذاته لتتوسع مطالبها في الانعتاق من العالَم أحادي القطب المُسَعِّر للحروب والمستأثر بثروات الكوكب على حساب عموم سكانه.
وواجب الوقت الآن لكل حر شريف هو دعم المقاومة، وتوسيع دائرتها، وتنويع وابتكار وسائل جديدة لها، وتوحيد جهودها، والبذل والتضحية في سبيلها، ومد جسور التعاون مع كل الفاعلين فيها، وتركيز أهدافها، واستمرار المقاطعة الاقتصادية لداعمي الكيان.
ومن ينظر بعين المستقبَل، ويتجاوز ظُلمَة النفق، ويخرق ببصيرته سحب دخان الحدث الملتهب؛ يرى أننا أمام مقاومة ملهِمة، سيتعدى أثرها وفاعليتها هذه البقعة الصغيرة من مساحة العالم، وكما بلغت أخبارها كل بيت، فسيبلغ أثرها ما بلغ الليل والنهار.