تعتبر التكتلات الاقتصادية في العالم عنصر قوة بامتياز، فما أحرى الدول الإسلامية أن تتكتل بعد تشرذم وضعف، وتعمل على تجميـع إمكاناتها الطبيعية والاقتصادية والبشرية مع الاستعداد والتأهيل لتكتل اقتصادي قوي يقف موقف الند أمـام التكتلات الأخرى للدفاع عن مصالحها.
ويقدم التكامل الاقتصادي للأمة الإسلامية إمكانات كبيرة لا تقارن بإمكانياتها الحالية، فضلاً عن أن تقارن بإمكانات كل قُطر على حدة.
ويؤكد خبراء وأكاديميون مغاربة، في حديث لـ«المجتمع»، وجود فرص لنجاح هذا التكامل، مع وجود تحديات ومعوقات لا يمكن إنكارها، لكن يمكن تجاوزها بالإرادة والعزيمة والنظر إلى مصلحة الشعوب أولاً وأخيراً.
يبرز أستاذ العلاقات الدولية المغربي د. محمد بوبوش أن الوحدة الاقتصادية بين دول العالم الإسلامي المترامية الأطراف صارت ضرورة ملحة في ظل عالم لا يعترف بالكيانات الصغيرة الضعيفة، فقد صارت التكتلات بين الدول في مجالات الاقتصاد والسياسة أمراً لا غنى عنه من أجل مواجهة طوفان العولمة الجارف حيث البقاء فيه للأقوى اقتصادياً.
ويضيف أنه من المؤكد أن دول العالم الإسلامي مجتمعة تمتلك اليوم ثروات اقتصادية ضخمة وموارد بشرية هائلة، وإذا اقترنت بالتكامل وتم توظيفها بالشكل الأمثل والأرشد، فإنها تشكل بلا شك كتلة اقتصادية ضخمة وقوة دولية تمكنها أن تكون في مصافّ التكتلات الاقتصادية العالمية الكبرى.
د. بوبوش: الوحدة الاقتصادية الإسلامية ضرورة ملحّة في عالم لا يعترف بالكيانات الصغيرة
من جهته، يعدد رئيس المركز المغربي للدراسات الإستراتيجية والعلاقات الدولية د. محسن الندوي مقومات التكامل الاقتصادي بين البلدان الإسلامية، الإنتاجية والجغرافية والفكرية.
ويبرز أن لهذه الدول الإسلامية مقدرات طبيعية ومتنوعة من حيث الموارد الزراعية (النباتية والحيوانية)، حيث تشكل نسبة 20% من المساحة الزراعية على مستوى العالم، وأيضاً الموارد البشرية؛ حيث إن سكان العالم الإسلامي أكثر من مليار نسمة، وينمو سنوياً بمعدل 5%، كما أن هناك موارد معدنية من ماس وذهب وكبريت وفوسفات ونحاس وحديد وألومنيوم وفحم حجري وياقوت وغيرها، كما يوجد البترول في 35 دولة (45% من الإنتاج العالمي)، والغاز الطبيعي في 25 دولة (80% من الإنتاج العالمي)، والفوسفات (70% من الإنتاج العالمي)، والألمونيوم (23% من الإنتاج العالمي).
ويشير إلى أن الدول الإسلامية تتوزع على 4 قارات، وتبلغ مساحتها 32 مليون كم2؛ أي ربع مساحة العالم، وتطل على أهم المواقع العالمية من بحار ومحيطات ومضايق بحرية، وأيضاً لديها أنهار، فيما تمتاز المقومات الجغرافية السكانية بامتلاك الدول الإسلامية ثروة بشرية هائلة، وفي نمو؛ حيث إن العامل السكاني مهم في التنمية، علاوة على المقومات الفكرية التي منطلقها الدين الإسلامي الذي يحث على التكامل والشمولية وتوحيد الأمة والأخوة الإسلامية.
فوائد
ويشير الندوي إلى فوائد الاكتفاء الذاتي العربي والإسلامي من القمح والغذاء، وخفض نسبة الاعتماد على العالم الخارجي، في استيراد السلع اللازمة للسوق المحلية بكافة مجالات نشاطاتها، الغذائية والدوائية والصناعية الخفيفة والثقيلة، وخاصة في مجال الأمن والدفاع العسكري.
ويشدد على ضرورة الاستفادة من إنتاجيات الدول المشاركة، وبالتالي إقامة الصناعات التخصصية بين الدول الأعضاء، التي تؤدي إلى تحسين الإنتاج كماً ونوعاً، وتوفيره في الأسواق بأفضل المواصفات.
د. الندوي: الدول الإسلامية تمتلك مقدرات طبيعية وموارد بشرية ومقومات جغرافية وفكرية هائلة
ومن أهم الإجراءات التي يجب اتخاذها دعم مواقف الدول الإسلامية في وجه المنافسة الدولية بمجال التجارة العالمية لتتمكن من إثبات وجودها على الساحة الدولية، وتوسيع مجالات الإنتاج، وتعدد طرقه، ليلبي حاجة السوق في الدول الأعضاء، ويعمل على إيجاد فرص عمل للشباب العربي والمسلم.
ويؤكد تغطية حاجة السوق في الدول الأعضاء والصديقة، ثم تصدير الفائض إلى الخارج، بنظام المبادلة التجارية مع الأسواق العالمية، وذلك بمبدأ التعاون المشترك القائم على العدل والاحترام المتبادل بين الأطراف المعنية، إضافة إلى تقسيم العمل الإسلامي الدولي، وهذا يعني إقامة المشروعات الإنتاجية الضخمة على أساس التخصص والمزايا النسبية، مما يؤدي إلى رفع الكفاءة الإنتاجية وخفض التكاليف، وهذا يحقق مصلحة المنتج والمستهلك.
كما يشدد على زيادة إمكانية وحجم الاستثمار في ظل التكامل الاقتصادي الأمر الذي يؤدي إلى زيادة النشاط الاقتصادي وزيادة الدخول؛ وبالتالي تزايد المدخرات التي تساعد على زيادة الاستثمارات، وزيادة القدرة التفاوضية للدول الإسلامية في ظل التكامل الاقتصادي، الأمر الذي يؤدي إلى تحسين معدل وكفاءة التبادل التجاري مع الدول الخارجية، ويضع حداً لتقلبات الأسعار الخاصة بصادرات الدول الإسلامية ووارداتها التي تحدث نتيجة التقلبات الدورية في مستوى التشغيل والإنتاج في الدول الصناعية المتقدمة.
تحديات
ويرى الخبير الاقتصادي المغربي د. سعيد الصديقي أن العالم الإسلامي متنوع جغرافياً وديموغرافياً وثقافياً ولغوياً، ورغم وجود علاقات اقتصادية ثنائية بين أغلب دوله، فإنه يفتقد إلى منظمة اقتصادية فاعلة، وأما منظمة المؤتمر الإسلامي فهي لا تزال منتدى سياسياً، وليست فاعلة في تطوير التعاون الاقتصادي بين أعضائها.
ويشير إلى غياب سياسات اقتصادية مشتركة، ووجود الارتباطات التاريخية لهذه الدول مع محاور متنافسة، والاختلاف في الأنظمة القانونية للأنشطة الاقتصادية، والأزمات الدولية والإقليمية الكثيرة واختلاف مواقف دول العالم الإسلامي إزاءها إلى حد التناقض والتضارب، كل هذا يرخي بظلاله على العلاقات بين دول العالم الإسلامي وتمنعهم من تطوير تعاونهم الاقتصادي بما في ذلك الاستغلال الأمثل للثروات الطبيعية التي يزخر بها العالم الإسلامي.
د. الصديقي: غياب سياسات اقتصادية مشتركة يؤثر سلبياً على العلاقات بين الدول الإسلامية
في حين، يبرز د. محسن الندوي أن معيقات التكامل الاقتصادي، التي تتجلى في التخلف والتبعية للغير بنسبة كبيرة يعتبر عائقاً لهذا التكامل، وانخفاض التبادل التجاري بين الدول الإسلامية؛ حيث إن نسبة التجارة البينية إلى إجمالي التجارة الخارجية للدول الإسلامية 8.3%، والتخلف الصناعي حيث إن نسبة القطاع من الناتج المحلي الإجمالي 30% فقط، علاوة على الفقر والديون، واستفحال مشكلة الفساد الإداري، ومشكلة القطاع الزراعي والاعتماد على الاستيراد من الدول الأجنبية لسد الحاجيات.
ويعتبر المتحدث أن العامل السياسي مهم جداً لاكتمال أي مشروع اقتصادي بداية بالمنطقة الحرة وصولاً للتكامل والاندماج الاقتصادي، والواقع يقول: إن هناك عدم استقرار في الجو السياسي بين الدول الإسلامية؛ وذلك لوجود عدم ثقة وتباين الأنظمة في سياساتها وأيديولوجيتها وطبيعة النظم السياسية، إن التكامل الاقتصادي بين الدول الإسلامية وقيام السوق المشتركة أصبح ضرورة ملحة من أجل دفع عجلة التنمية الشاملة نحو الأمام في مختلف الدول الإسلامية.
فيما يبرز د. محمد بوبوش أنه إذا كان التكامل الاقتصادي يؤدي دوراً مهماً ومحورياً في النهوض بعجلة التنمية الاقتصادية في اقتصاديات دول العالم الإسلامي، فإن الواقع وبصورة عامة يعطي صورة قاتمة عن التبادل التجاري بين دول العالم الإسلامي والعالم المتسم بضآلته قياساً إلى إجمالي حجم تجارته، وهذا لا يتناسب مع الطموحات الكبيرة المعقودة على دول العالم الإسلامي.
ويضيف أن هناك عوامل داخلية وخارجية تشكل تحدياً حقيقياً لتحقيق التكامل الاقتصادي بين دول العالم الإسلامي، منها مشكلات الحدود السياسية بين الدول الإسلامية والنزاعات السياسية بينها واختلاف أنظمة الحكم وضعف التبادل التجاري البيني، أما العوامل الخارجية ناشئة عن خليط من العناصـر الأجنبيـة المضادة للتكامل الإسلامي، وهذه تجري في سياق فرض التبعيـة علـى الاقتصاديات الإسلامية ومحاربة أي محاولة لتحقيق استقلال اقتصادي لتبقى مشدودة بالتبعية الاقتصادية للنظام الاقتصادي الرأسمالي.
لذلك، يختم المتحدث ذاته، فإن السعي الجاد لتفعيل التكامل الاقتصادي الإسلامي من خلال تبني إستراتيجيات تكاملية تؤدي إلى التوظيف العقلاني للإمكانيات الإسلامية الهائلة وغير المستغلة لتنمية التجارة البينية لدول العالم الإسلامي، والشروع في تحقيق التكامل القطاعي (زراعي، صناعي، بترول..)، وإنشاء مؤسسة إسلامية خاصة بالاستثمار تتولى وضع البرامج اللازمة لتعظيم الفرص الاستثمارية وزيادة حجمها داخل الدول الإسلامية.