مثَّل انتشار مفاهيم العولمة وسيطرة الفكر الرأسمالي على عالم الاقتصاد خطورة كبيرة على ثقافات الشعوب وهويتها بما استبدل بالغزو العسكري للسيطرة على البلاد مفاهيم أخرى، من أهمها الغزو الثقافي والاقتصادي والفني، أو ما يسمى في جملته بـ«القوة الناعمة» التي سيطر عليها الغرب عامة مروجاً لأفكاره وتجارته وأدواته ليتحول العالم العربي لأكبر سوق تجارية تستقبل منتجاته دون انتقاء فكري أو مادي.
وقد ساهمت وسائل التواصل الحديثة بعد انتشارها في جميع أنحاء العالم العربي، كذلك اتشار تكنولوجيا المعلومات واستخدامها في توجيه وتشكيل قناعات الجمهور تجاه آلاف من السلع المتشابهة دون النظر للاحتياج لها من الأساس، وإنما إثارة شهوة الشراء لمجرد اقتناء السلعة.
وجاء في دراسة صادرة عن جامعة توركو الفنلندية للعلوم التطبيقية، أن تأثير مواقع التواصل الاجتماعي يتزايد على حياتنا اليومية ليبدو أن الواقع الافتراضي أصبح مختلطًا، وبشدة، مع حياتنا العادية، وأحد أبرز أشكال تأثير «السوشيال ميديا» هي سلوكياتنا وقراراتنا كمستهلكين.
وأفادت الدراسة بأن 78% من المستهلكين يتأثرون بشدة في توجهاتهم الاستهلاكية بما يتعرضون له على «السوشيال ميديا»، وليس من خلال الإعلانات فحسب، بل من خلال متابعة حسابات الأصدقاء أو المجموعات (الجروبات) غير الإعلانية(1)؛ وعلى سبيل المثال، فإن 66% من المستخدمين قد يلاحظون «ماركة» بعض أنواع السيارات أو الملابس أو غيرهما من المنتجات التي تظهر مع الشخص في صوره على «فيسبوك» أو «إنستجرام»، وذلك بالطبع يختلف وفقًا لاهتمامات كل شخص، وفي كل الأحوال، تشير دورية «سيكولوجي توداي» إلى ضرورة الانتباه إلى المثيرات التي يتعرض لها المستخدمون عبر وسائل التواصل، بتحديد الأولويات بوضوح قبل تصفح «السوشيال ميديا».
مفهوم الإعلام الدعائي
الإعلام الدعائي، أو الإعلان كما يطلق عليه في دول المشرق العربي، أو الإشهار كما يطلق عليه في المغرب العربي، وكلها مفردات تؤدي لمعنى واحد وهو «وسيلة غير شخصية لتقديم الأفكار والترويج للسلع والخدمات بواسطة جهة معلومة ومقابل أجر مدفوع»(2)، وتتلخص وظائف الإعلان في عدة نقاط، وهي:
– وظيفة الإخبار أو الإعلام.
– وظيفة الإقناع.
– التكرار والتذكير المستمر بالسلعة حتى لا ينساها المستهلك.
خصائص المجتمع الاستهلاكي
إن الهدف الأول لأي نشاط إعلاني لمنتج ما هو الاستهلاك بشكل عام، أو استخدام السلع والخدمات، وهو يختلف من فرد لآخر، ومن مجتمع لآخر، ولا يختلف الأمر في المجتمع الحديث عن أي مجتمع سابق إلا في الأهمية المتزايدة التي احتلتها ضرورة زيادة الاستهلاك في المجتمعات الغنية نتيجة للتقدم التقني والتكنولوجي الذي أدى إلى قدرة هائلة على الإنتاج، هذا ما أدى إلى ظهور مجموعة القيم والقواعد التي أصبحت تنظم حياة هذه المجتمعات التي لم يعد الاستهلاك من الأعمدة الأساسية فيها(3).
وترتبط ثقافة المجتمعات الاستهلاكية بثقافة صاحب السلعة الذي يحاول فرضها بكافة السبل كي يضمن الاحتفاظ بالمستهلك الذي يضمن وجوده الاستمرار في دورات إنتاجه التي تحتاج لسوق لبيعها، ومن خصائص المجتمعات الاستهلاكية:
– ترتبط مفاهيم السعادة فيها بحجم الاستهلاك والقدرة على الشراء.
– المجتمع الاستهلاكي يسود فيه النموذج الأمريكي كمعيار تقاس به درجة رفاهية الفرد.
– تعتبر ديناميكية الترفيه في شكلها الاستعراضي محكراً للمجتمع الاستهلاكي(⁴).
ارتباط الثقافة الاستهلاكية بالمرأة
في دراسة بعنوان «العوامل المؤثرة في الاستهلاك المظهري للمرأة السعودية»، أجراها د. أيمن محمود عبدالعال، أستاذ مساعد بقسم خدمة الفرد، ونشرتها مجلة «دراسات في الخدمة الاجتماعية» في يناير 2022م، يقول فيها: «تعد ثقافة الاستهلاك والإسراف ظاهرة شبه عامة في المجتمع الخليجي عامة والسعودي على وجه الخصوص، وشواهد ذلك كثيرة، ومنها ما أشارت إليه إحدى الدراسات كسعة المنازل مقارنة بعدد أفراد الأسرة في المنزل متعدد الغرف والصالات والمجالس، ومعظم الأسر تعد الطعام بأضعاف الحاجة إليه، الأمر الذي يؤدي بالفائض إلى النفايات، وإرهاق ميزانية الأسرة، وسفريات الأسرة السعودية في الصيف خاصة وطول السنة عامة من أكثر السفريات وأقلها تدبيراً وبرمجة وتخطيطاً مسبقاً، وتكلف الأسرة الأموال الكثيرة التي تغطي نفقات العديد من الأسر لأعوام، والإنفاق على مستلزمات التجميل والعطور لدى المرأة السعودية يتفوق على نساء العالم جميعاً، كذلك النفقات الأخرى الخاصة باستخدام الهاتف والهدر في الماء والكهرباء».
وتشير الدراسة إلى أن إجمالي إنفاق المرأة العربية على مستحضرات التجميل يتجاوز 25 مليار دولار سنوياً، كما كشفت التقارير عن الحجم المذهل لإنفاق نساء الخليج العربي وبخاصة دون الخامسة والعشرين على منتجات التجميل والصحة الذي يقدر بنحو 1.7 مليار دولار سنوياً، ومن تلك الدراسة نكتشف نوعية المنتج الاستهلاكي للمرأة في الخليج وحجمه المبالغ فيه سنوياً مما يعد ميزانية بعض الدول.
غرس مفاهيم ثقافة الاعتدال
يجب أن تتعلم الأسرة عامة والمرأة خاصة أن عملية الإنفاق لا تتعلق بالقدرة على الشراء فقط، وإنما بسياسة الإسراف والتبذير ويقابلها ثقافة الادخار والاعتدال، واتباع التعاليم الدينية والإنسانية لضبط الإنفاق كالتالي:
– اتباع قول الله تعالى في وصف المؤمنين: (وَالَّذِينَ إذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَاماً) (الفرقان: 67)، وتعزيز قيمة التوسط والاعتدال.
– ضبط النظرة للمال باعتباره وسيلة لمرضاة الله تعالى، وليس مجرد وسيلة للمتعة وإشباع رغبات الذات، وسيلة للكرم والعطاء وتوظيفه بشكل صحيح، وفي الحديث الشريف: «إنك إن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة يتكففون الناس» (رواه البخاري).
– نشر قيمة الشكر؛ وهو من العبادات القلبية المهمة عند المسلم، وشكر النعمة بإنفاقها في سبيل الله وإعانة المحرومين والفقراء، والقلب الشاكر والعقل الواعي يحفظ أمانة الله في المال فيحرص على عدم إنفاقه بسرف وعدم وعي، ومراعاة واجباته وأداء الحقوق المتعلقة به.
– غرس القيم الدينية في نفوس النشء، وقد ورد عن جابر في «الموطأ» قال: رأى عمر بن الخطاب لحماً معلقاً بيدي، فقال: ما هذا يا جابر؟ قلت: اشتهيت لحماً فاشتريته، فقال: أوكلما اشتهيتَ اشتريتَ يا جابر! أما تخاف هذه الآية: (أَذْهَبتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُم بِهَا) (الأحقاف: 20).
– تصحيح الأفكار والقناعات والمفاهيم الدخيلة عبر وسائل الإعلام المختلفة، وإعلاء القيمة النبيلة فوق القيم المادية، وكذلك تصحيح مفاهيم السعادة المرتبطة بشراهة الشراء واقتناء السلع، وإرساء مفهوم الأفضلية وربطه بالعلم والقرآن والتقوى، وإعلاء قيمة العمل والإنتاج.
– ترشيد التعرض لـ«السوشيال ميديا» والإعلام الدعائي، وتوجيه الأفراد لأبواب المعارف التربوية لتصحيح المفاهيم وغرس القيم المطلوبة.
______________________
(1) التقرير منشور بصحيفة «القبس»، في 4 مايو 2019م.
(2) تعريف الجمعية الأمريكية للتسويق لمفهوم الإعلان.
(3) دراسة علمية لنيل درجة دكتوراة علوم في علوم الإعلام والاتصال بعنوان «الخطاب الإشهاري والثقافة الاستهلاكية»، للباحثة فطومة بن مكي، بجامعة الجزائر كلية العلوم والاتصال قسم الاتصال، عام 2015م.
(4) المرجع السابق.