صارت وسائل التواصل الاجتماعي واقعاً مفروضاً على المسلمين اليوم، وقلما تجد مسلماً أو مسلمة يملك حساباً أو أكثر على تلك المواقع التي سهلت الاختلاط غير المرغوب الذي كثيراً ما يدخل في دوائر الحرام؛ مما نتج عنه الكثير من المشكلات الأخلاقية، ومنها ما دمر البيوت والعلاقات الأسرية نتيجة التجاوزات غير الأخلاقية، ولذلك يجب التحذير من بعض السلوكيات التي تعتبر استدراجاً للشباب والفتيات للوقوع في تلك المحرمات، ونذكر هنا أكثر تلك التجاوزات شيوعاً للتحذير منها حفظاً لبيوتنا وأبنائنا:
أولاً: اقتحام الخاص بين الجنسين:
يدخل الرجل، أو تدخل المرأة، يلقي أحدهما السلام وينتظر الجواب، ثم يعيد إلقاء السلام ويلح في الرد دون ضرورة تستوجب الحوار بينهما، وهو لا يعلم أن ذلك أشبه بالخلوة، فإن كان ثمة مصلحة تقتضي أن يكون هناك حوار مشترك فليكن سريعاً وفي حدود متطلبات العمل وانتقاء كلمات عامة لا تخجل أن تنشرها على العام ويراها الناس؛ «فالبر حسن الخلق، والإثم ما حاك في صدرك وكرهت أن يطلع عليه الناس» (رواه مسلم).
وكثير من الحوارات تلك تتطور بسرعة غير عادية لترفع فيها الكلفة، ويتم تبادل المعلومات والاستشارات في أمور خاصة، وتعرف دقائق حياة كل طرف للآخر، وتحدد مواعيد خاصة للقاء، يتطور الأمر لأن يستغني كل طرف بالآخر عن جانب من حياته، قد يكون هذا الجانب هو الأهم في أسرته أو عمله أو صداقاته أو إخوانه أو دعوته إن كان صاحب دعوة أو رسالة.
وقياساً على أحكام الشرع في الخلوة، فقد أجمع أهل العلم على أن خلوة الرجل بالأجنبية محرمة حتى مع من أَمِن الشهوة.
قال الإمام النووي: وأما إذا خلا الأجنبي بالأجنبية من غير ثالث معهما فهو حرام باتفاق العلماء، وكذا لو كان معهما من لا يُستحيى منه لصغره كابن سنتين وثلاث ونحو ذلك، فإن وجوده كالعدم(1).
ثانياً: الخوض في الأعراض:
صارت جريمة الخوض في الأعراض والإشارة للمشاهير بالوقوع في الفواحش مسألة يسهل الوقوع فيها، ويكثر الواقعين في براثنها، رغم أن الكثير منها يكتب بحسن نية بحجة نصرة قضية ما أو النيل من تيار معين انتصاراً للنفس دون أن يشعر صاحبها.
وكم من نساء محصنات كانت مواقع التواصل الاجتماعي سبباً في انفصالهن عن أزواجهن بسبب كذبة واتهام بالباطل!
وكم من فتيات في عمر الزهور فقدن سمعتهن الطيبة بسبب غيرة الأقران أو شاب لم يستطع نيل إحداهن!
وقد حذر الإسلام من الخوض في أعراض الناس والنيل منهم، والإشارة لأحدهم في كلام ينم عن الفاحشة ولو بمجرد الإشارة التي يفهم منها القارئ المقصود بالكلام المنشور، والخائض في أعراض الناس في مصيبة الوقوع فيمن يحبون إشاعة الفاحشة في الذين آمنوا وينطبق عليه قول الله تعالى: (إنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ) (النور: 19).
ولذلك، جاء النهي الصريح من النبي صلي الله عليه وسلم عن تلك السقطات الأخلاقية، والمسالك المنحرفة، ففي الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن الله كرِه لكم قيل وقال، وكثرة السؤال، وإضاعة المال».
وفي الحديث الصحيح الذي رواه أحمد وأبو داود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من قال في مؤمنٍ ما ليس فيه أسكنَه الله رَدْغَة الخَبال حتى يخرج مما قال»؛ ورَدْغَة الخَبال: عصارة أهل النار.
والأصل الإسلامي هو حسن الظن وقد علمه الله للأمة المسلمة بعد «حادثة الإفك» التي كادت تودي بالمجتمع المسلم الوليد في المدينة فيقول ربنا: (لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ) (النور: 12).
والخوض في أعراض الناس هو من أشد أنواع الغِيبة، وأضرها على أهلها، وأشرها وأكثرها عقوبة: وقد ورد في الصحيحين عن المعصوم صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إن الرجل ليتكلم بالكلمة ما يتبيَّن فيها يزِلُّ بها في النار أبعد ما بين المشرق والمغرب».
ثالثاً: التنابز بالألقاب والسخرية من خلق الله:
نشر أحدهم صورتين متجاورتين لامرأة أفريقية سوداء، وأخرى آسيوية بيضاء في مزحة سخيفة بأن السوداء تدفع مهراً كذا لمن يتزوجها، وأن البيضاء يدفع لها مهراً كذا، والجميع يتندر على صورة المرأة السوداء؛ رجالاً ونساء، وهم لا يعلمون أنهم يخوضون في كبيرة، ويسخرون من خلق الله، ويتحدثون في عنصرية مخالفين صريح الدين من أنه لا فضل لعربي على أعجمي، ولا لأبيض على أسود إلا بالتقوى والعمل الصالح، وهم يحسبون أنه مجرد مزاح لا ينبني عليه جزاء أو ذنوب، بينما هم يقعون في الحرام البين.
أيضاً تجد بعض النكات على نساء أو رجال لزيادة أوزانهم أو نوع ملابسهم الرثة أو تصرفاتهم التي تنم عن البساطة والسذاجة لتصير مادة للتفكه والتعليقات المثيرة للضحك أو السخرية من هؤلاء!
وقد نهي القرآن الكريم صراحة عن السخرية من الناس لخلقتهم أو لونهم أو جنسهم أو فقرهم أو مرضهم، فقال تعالي: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) (الحجرات: 11).
وقال الطبري في قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ): إن الله عمَّ -بنهيه المؤمنين عن أن يَسخر بعضُهم من بعضٍ- جميعَ معاني السُّخْرِية، فلا يحلُّ لمؤمنٍ أن يسخر من مؤمن؛ لا لفقرِه، ولا لذنبٍ رَكِبَه، ولا لغير ذلك(2).
رابعاً: المزاح بين النساء على العام:
وقد تتبسط بعض النساء في الحوار على العام بينها وبين مجموعة من الأخريات بإطلاق النكات وكتابة كلمات تثير الرجال حتى ولو لم يكونوا مشاركين في الحوار بحجة أنه حوار نسائي خالص فلا دخل للرجال فيه، ويحق لها أن تكتب ما تشاء، وهي تنسى أن الخيال خلف الشاشات مطلق العنان لصاحبه أن يتخيل تلك التي كتبت دون ضوابط شرعية، فتفسد نفوساً وهي لا تدري تبعات ما تكتب.
ومن أمثلة تلك المنشورات النسائية التي قد تثير الرجال وتجلب متابعتهم وتعليقاتهم التي تخرج عن دائرة الفائدة العامة:
– امرأة تنشر أبياتاً من الشعر ملتهبة بالحب والغرام والسهد، فلا تتوقف التعليقات على الاستحسان، وإنما تجد علامة القلب توسم المنشور، وتعليقاً بأبيات تضاهيها أو تفوقها التهاباً وإلهاباً للمشاعر.
– امرأة لا تكف عن البكاء على زوجها المتوفى، أو المسافر، وأنه كان خير الأزواج، وأنها كانت له العاشقة الولهانة، فتثير في قلب الرجال الشفقة التي تتعدى في معظم الأحيان الكلام على العام ومجرد التعليق بالصبر.
فعن أبي عبدالله النعمان بن بشير قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إن الحلال بيّن والحرام بيّن، وبينهما أمور مشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس، فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه، ومن وقع في الشبهات فقد وقع في الحرام، كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يرتع فيه، ألا وأن لكل ملك حمى، ألا وإن حمى الله محارمه، إلا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب» (رواه البخاري، ومسلم).
خامساً: نشر الصور الخاصة:
كم تدفعين مقابل هذه الصور؟ هذه الصور ستصل زوجك قبل أن يأتي المساء إن لم أرك في أقرب وقت!
تلك هي محصلة بعض الحالات التي تم نشر صور الفتيات فيها على العام وإن كانت بالحجاب، فمع التقدم التقني أصبحت عملية التحكم بالصورة وتغيير معالمها من السهولة بمكان، وحتى يتم إثبات زيفها يكون قد فات الأوان وضاعت الفتاة بين المتاجرين بالشرف على تلك المواقع.
والشريعة التي أتت بقاعدة سد الذرائع تحدثت في هذا الأمر فقال تعالى: (قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ {30} وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا) (النور).
______________________
(1) المجموع (9/ 109).
(2) تفسير الطبري (11/ 83).