«فلسطين غير مذكورة في القرآن، لكن «إسرائيل» مذكورة فيه»، هذه إحدى أكثر الدعاوى التي يطلقها المشككون في علاقة المسلمين بالقدس والأرض المقدسة، وهي في نظرهم تدل –كما يدعي أمنون كوهين، على سبيل المثال– على أن قدسية الأرض المقدسة وأرض فلسطين في الإسلام مصدرها الوحيد هو التوراة، ولأجل ذلك –حسب هذا الزعم– لا نجد اسم فلسطين في القرآن الكريم، وإنما نجد اسم «إسرائيل».
والواقع أن هذه النقطة تعد إحدى المفارقات غير المنطقية القائمة على قصور وسطحية شديدة في النظر في النصوص المقدسة.
فمن ناحية، منذ متى كان ذكر موقع أو شيء في القرآن الكريم دلالة على قدسيته؟
إننا حتى لو أخذنا بهذا المنطق اللامنطقي، فإن اسم «مصر» نفسها مثلاً مذكور في القرآن الكريم 4 مرات (إضافة إلى خلافٍ على موضعٍ خامسٍ في سورة «البقرة» بالآية (61) وهو كلمة «مصراً»)، فهل كانت مصر أرضاً مقدسة أو ذكرت لها قدسية خاصة ما في الإسلام؟ وكذلك ورد اسم أرض «سبأ» مرتين في القرآن الكريم، بل وسميت سورة كاملة باسمها وهي ليست أرضاً مقدسة ولا ذات مكانة دينية خاصة أو عامة في الإسلام! كما أن اسم «جهنم» ورد ذكره في القرآن الكريم 77 مرة، فهل جعل ذلك جهنم أرضاً ذات قدسية ما؟!
ومن ناحية أخرى، فإن لفظ «إسرائيل» في القرآن لم يدل ولو مرة واحدة على قطعة أرض أو إقليم جغرافي، وإنما ورد في 42 موضعاً، منها 40 موضعاً بعبارة «بني إسرائيل»، وفي موضعين باسم «إسرائيل» مجرداً، وفي الحالتين لم تكن تلك إشارةً إلى أرض أو إقليم، وإنما يشير القرآن بذلك إلى قوم معروفين باسم «بني إسرائيل»، وفي موضعين أشار إلى «إسرائيل» جد بني إسرائيل، وهو المعروف لدى أغلب علماء التفسير على أنه نبي الله يعقوب بن إسحاق عليهما الصلاة والسلام، ولا أدري في الحقيقة ما المنطق الذي يقول به هؤلاء حين يعتبرون أن مجرد ذكر كلمة «إسرائيل» –وهو اسم شخص– يمكن أن يكون قد أنشأ حقاً لقومٍ ما في قطعة أرض أو إقليم لمجرد أنهم أطلقوا عليها اسم هذا الفرد!
إننا لو سلمنا بهذا المنطق لكان لزاماً على مصر اليوم أن تسلم مدينة الإسكندرية لليونان؛ لأنها سميت باسم الإسكندر الأكبر اليوناني، وليس ذلك فقط، بل إن هذا يصبح لزاماً أيضاً على أستراليا وكندا وإيطاليا ورومانيا وإسكتلندا وبولندا والولايات المتحدة (التي يوجد فيها وحدها 20 مدينة باسم «الإسكندرية») وتركيا وإيران وأفغانستان والهند والبرازيل وجاميكا وجنوب أفريقيا، ففي العالم اليوم أكثر من 50 مدينة باسم «الإسكندرية»، فهل أنشأ ذلك حقاً لليونان في هذه المدن والأقاليم؟!
إن ذكر أسماء المواقع نفسها في الكتب المقدسة لا ينشئ حقاً للأمم فيها إلا من حيث تقديسها، لا امتلاكها أو فرض السيادة السياسية عليها بالضرورة، كما أن إيهام النفس والطرف الآخر على حد سواء بأن ورود لفظ ما في كتاب مقدس يعطي الحق لأي جهة تستعمله في امتلاك إقليم لمجرد أن هذه الجهة استغلت اسمه وفرضته على ذلك الإقليم ليس من المنطق في شيء.
والحق أن فلسطين وإن لم تذكر باسمها في القرآن الكريم قد ذكرها الله عز وجل بالمديح والتكريم من خلال ذكر صفات البركة والقدسية التي تنتمي إليها وربطها به سبحانه، فعندما يقول الله عز وجل: (الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا)، فإنه بذلك رفع هذه الأرض فوق بقية الأراضين وربطها به سبحانه لأنه هو الذي وهبها هذه البركة، والبركة خير ما يمكن أن توصف به أرض فلسطين الشريفة، فهل بعد ذلك من رفعة؟