يعتبر التهميش الاقتصادي للمسلمين في الهند من مخططات الحركة القومية الهندوسية (هندوتفا) حيث لم يستطيع المسلمون الوصول إلى مكانة مرموقة في العلم والسياسة في البلاد.
ومن خلال سياستها التمييزية والتحيزية، قامت «هندوتفا» في الهند بمؤامرة ضد المسلمين؛ مما أدى إلى تهميشهم الاقتصادي في البلاد، فعندما وصلت «هندوتفا» إلى سدة الحكم في البلاد، تعرضت التجارات والصناعات التي يقوم بها المسلمون في الهند إلى إهمال شديد، حيث لم تولِّ الحكومة أي اهتمام لتطوير هذه القطاعات المهمة.
أحد أبرز الأمثلة على هذا الإهمال هي صناعة الحياكة، التي يعمل بها 80% من المسلمين، يواجه العمال في هذه الصناعة تحديات كبيرة، منها ارتفاع أسعار الكهرباء بشكل مفرط وانقطاعها المستمر؛ مما يتسبب في خسائر مالية هائلة وتدهور في شروط العمل.
وتمتد مشكلة التهميش الاقتصادي إلى صناعات أخرى؛ مثل صناعة الأقفال، وصناعة النحاس، وصناعة الأثاث والأرائك، وبسبب الإهمال الحكومي، يجد المسلمون صعوبة في تحسين ظروف عملهم وزيادة إنتاجيتهم، مما يؤثر على دخلهم ومعيشتهم.
وتزيد الأمور سوءاً حينما فرضت الحكومة حظرًا على تجارة اللحوم، التي يكتسب منها المسلمون أرباحًا كبيرة، تحت مبررات طائفية وبدون أسس علمية مقنعة.
وفي هذه السطور نتناول أحوال المسلمين الاقتصادية في الهند.
تُظهر البيانات التي جمعتها مختلف اللجان والاستطلاعات الحكومية وغير الحكومية أن المسلمين يتأخرون في معظم المؤشرات التي تخص التنمية البشرية، إذ يفتقر المسلمون الهنود اقتصاديًا أكثر من هويات دينية أخرى.
كما ورد في «Economic Times»، فإن استطلاعًا أجراه المجلس الوطني للبحوث الاقتصادية التطبيقية (NCAER) يظهر أن فرص العيش تحت خط الفقر لدى المسلمين أكبر مقارنة بالهنود الآخرين، حيث يعيش 31% من المسلمين تحت خط الفقر مقارنة بـ 26% من مجمل السكان.
أسباب فقر المسلمين في الهند
– عدم الوصول للتعليم والمهارات:
يعود الفقر الاقتصادي للمسلمين لعدة أسباب، وأهمها الأمية وقلة اهتمام الدولة بتعليمهم الحديث، في حين يتم التقصير من قبل الدولة والمؤسسات الخاصة لعدم توفير ما يكفي من المرافق للمسلمين في مجال التعليم، وبالتالي يواجه العديد من الشباب المسلم صعوبات في الحصول على تعليم جيد واكتساب المهارات اللازمة للاندماج في سوق العمل.
يفسر تقرير لجنة «ساشار» افتقار المسلمين إلى التعليم بالكلمات التالية: فيما يتعلق بالتعليم المدرسي، فإن وضع المسلمين يثير قلقًا شديدًا، تشير البيانات إلى أن مستويات التعليم العامة في الهند، المقاسة من خلال مؤشرات مختلفة، دون المعايير العالمية بشكل عام، وأن وضع التعليم في المجتمع المسلم، على وجه الخصوص، أسوأ من ذلك.
ووفقاً للتقرير، يعتبر التحاق المسلمين بالمؤسسات التعليمية العالية أقل من الطبقات المنبوذة والفئات المتخلفة الأخرى (SC ST & OBC).
وكذلك ساهم ضعف البنى التحتية التعليمية في مجتمعاتهم المحلية وعدم وجود أي تحفيز من الدولة للمشاركة في الآلية الحكومية على أساس الاستحقاق بشكل كبير في تفقير المسلمين وتهميشهم اقتصادياً.
– قلة امتلاك المسلمين الأراضي الزراعية:
تُعتبر الزراعة وامتلاك الأراضي مصدراً رئيساً للدخل والاستقرار الاقتصادي في العديد من المجتمعات الريفية في الهند، لكن بسبب قلة امتلاك المسلمين للأراضي الزراعية، يظلون عرضة للفقر والاستبعاد الاقتصادي، حيث يفتقرون إلى فرص تحسين دخلهم وتحقيق الاستقرار المالي.
بالإضافة إلى ذلك، يعاني الفلاحون المسلمون من عدم الحصول على الدعم اللازم من الحكومة والمؤسسات المالية لتطوير الزراعة وزيادة الإنتاجية، فضلاً عن ذلك، تعترضهم عقبات إضافية مثل قلة الموارد ونقص التسهيلات الزراعية والتكنولوجيا الحديثة، مما يجعل من الصعب عليهم تحسين ظروف العمل وزيادة الإنتاجية.
– البطالة والتهميش في الوظائف وضعف التجارة:
يقل عدد المسلمين العاملين في الوظائف الدائمة في القطاع العام أو الخاص عن الطبقات المنبوذة من الهندوس، حيث تمتلك الـ25% من الوظائف العادية بينما لدى المسلمين 13% فقط من حصة الوظائف الدائمة ذات الأجر الثابت.
وفقًا لتقرير لجنة «ساشار»، فإن مصادر كسب المسلمين الرئيسة، هي: التجارة وأصحاب المتاجر ومندوبو المبيعات ومساعدو المتاجر والنسّاجون والحائكون وصناع الألوان، والخياطون وصانعو الملابس، وصائغها ومعدات النقل وما إلى ذلك من الأعمال الأخرى الخفيفة.
– الإهمال الحكومي والاضطرابات وإحراق الدكاكين:
تعاني التجارة والصناعة التي يقوم بها المسلمون إهمالاً حكومياً فيما يتعلق بتمكين الأقلية المسلمة، كما يوجد تهديد مستمر من أعمال العنف المعادية للمسلمين في المناطق التي يمتلكون فيها أعمالًا تجارية صغيرة، إذا نظرنا إلى سجل الفتن الطائفية في أنحاء مختلفة من الهند في العقود القليلة الماضية، أن المسلمين هم الهدف السهل للمحرضين الهندوس اليمينيين للفتن بسبب تحديد هويتهم المشوهة بالفعل كمعادين للدولة/ الأمة (التي تعود إلى تقسيم الهند وطلب بلد مسلم جديد من الهند المتحدة).
وقد استُخدم دائمًا تصنيف المسلمين كخونة وعدم الولاء للدولة ضدهم لحرمانهم من الفرص الاقتصادية والسياسية.
– التمييز العنصري:
قد يتعرض المسلمون للتمييز ضدهم في مجالات مثل التوظيف والحصول على الخدمات، مما يحد من فرصهم الاقتصادية، علاوة على ذلك، هناك تاريخ طويل من كفاحهم لطلب العدالة بعد تعرضهم للتمييز، على الرغم من الضمانات الدستورية للبلاد لحماية الأقليات.
يؤدي حرمان المسلمين الاجتماعي والاقتصادي إلى سوء أحوالهم الاجتماعية والسياسية، ونقص الإرادة السياسية والتنظيم والتمثيل الضعيف للغاية قد زاد من مآسيهم.
الحلول والتوصيات العامة
بناءً على التحديات والمشكلات التي تم ذكرها سابقًا، يتعين علينا التركيز على بعض الحلول والتوصيات العملية لتحسين وضع المسلمين في الهند، ومنها:
– إعادة بناء الثقة:
الاهتمام بإعادة ثقة الأقلية المسلمة من خلال تقديم حوافز لهم للمشاركة في المؤسسات السياسية والإدارية والاجتماعية للبلاد على أساس الاستحقاق.
– توفير بيانات دقيقة:
يجب توفير قاعدة بيانات مفصلة تحليليًا حسب الكتل على مؤشرات الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية للمسلمين في الولاية وتحديثها بانتظام لاستهداف مناسب للبرامج والمشاريع التنموية.
– تبسيط الإجراءات التنظيمية:
ينبغي للحكومة الهندية تبسيط الإجراءات الإدارية والتنظيمية المتعلقة بفتح الأعمال التجارية، بما في ذلك تقليل البيروقراطية وتقديم الدعم الفني للمسلمين الراغبين في بدء أعمالهم التجارية، ومنح المسلمين الرخصة لتجارة اللحوم في جميع أنحاء الهند دون تمييز.
– توفير التمويل والقروض:
يجب على الحكومة والمؤسسات المالية توفير القروض والتمويل بشروط ميسرة للمسلمين الذين يسعون لفتح تجارة جديدة، مع توفير دعم مالي متخصص للمشاريع التجارية ذات الصلة بقطاع خاصة بما فيها تجارة اللحوم وصياغة الثياب وحياكتها.
– برامج التدريب والتأهيل:
يمكن تنظيم برامج تدريبية وتأهيلية موجهة للمسلمين لتعزيز مهاراتهم التجارية وإدارة الأعمال؛ مما يساعدهم على نجاح أعمالهم التجارية وزيادة فرص العمل.
– تعزيز حقوق الملكية الزراعية:
يجب على الحكومة الهندية اتخاذ إجراءات عاجلة لتحسين حقوق المسلمين في امتلاك الأراضي الزراعية، وتوفير الدعم اللازم لتطوير الزراعة في هذه الجالية، كما ينبغي للمجتمع الدولي والمنظمات غير الحكومية العمل على تعزيز العدالة والمساواة الاقتصادية في الهند، لضمان مستقبل أكثر استقرارًا وازدهارًا لجميع شرائح المجتمع، بما في ذلك المسلمين.
– دعم التعليم والتدريب:
ومن الضروري تقديم منحة دراسية «مولانا آزاد» من جديد التي تم توقيفها حالياً للطلاب والباحثين من الأقليات بمن فيهم المسلمون، وتخصيص الميزانية والقروض التعليمية وغير التعليمية لمبادرات تطوير المجتمع البشري في القطاع الاجتماعي للمسلمين.
كما يجب تطبيق سياسة الحجز للمسلمين في مجال التعليم والوظائف الحكومية، مثل حجز «الداليت» والفئات الأخرى الهندوسية كما هو موصى به من قبل القاضي رانجناث ميشرا.
– الاستثمار في التعليم المهني والتقني:
يجب إنشاء كليات ومؤسسات تدريب مهني في المناطق التي يسكنها المسلمون، ومن الضروري إنشاء الجامعات والكليات والمعاهد التقنية للأقليات بما لا يقل عن 30 كلية وجامعة جديدة على أساس المنح والمساعدات، ويجب تمويلها من قبل الحكومة بشكل كاف ومنتظم لتلبية نفقات بناء المدرسة، ورواتب المعلمين، وصيانة الحرم المدرسي، ولتعزيز التعليم العالي والمهني بين الطلاب والطالبات.
– مناصب ومؤسسات جديدة:
ومن اللازم إنشاء منصب مسؤول شؤون الأقليات في كل مقر للمقاطعة على قدم المساواة مع مسؤول شؤون الرفاه الاجتماعي في الحكومة المحلية لكل ولاية لتمكين الأقليات، ويجب تشكيل لجنة عمل لرفاهية الأقليات على مستوى الدولة.
كما يجب توعية موظفي الحكومة لإصدار بطاقات «below poverty line»، وتنفيذ برامج ومشاريع مكافحة الفقر بحكمة للمستحقين من المسلمين، وتمكين المنظمات القائمة على الأساس الجماعي والمنظمات غير الحكومية لمراقبة توزيع بطاقات «BPL».
خلاصة القول: إن هذه التوصيات يمكن أن تسهم بشكل كبير في تعزيز التعايش السلمي وتحسين وضع المسلمين وجميع شرائح المجتمع في الهند، ويجب أن يوضع في الاعتبار أن المسلمين جزء لا يتجزأ من البنية الاجتماعية والاقتصادية للبلاد، وتحسين حالتهم المادية والاجتماعية والتعليمية يعزز الاستقرار والتنمية في البلاد بأكملها.