منذ دخول القوات الصهيونية شرقي مدينة رفح الفلسطينية، في السابع من مايو الجاري، وكثير من المعلقين العسكريين «الإسرائيليين» يرونها خطوة خاطئة وخطيرة ليس لبدء صراع دبلوماسي مع مصر فحسب، ولكن لدخول بلادهم فيما أسموه بـ«عش الدبابير»!
سقوط في «عش دبابير»!
الصدفة وحدها تزامنت مع ذلك، حينما أصيب 11 جنديًا «إسرائيليًا» بـ«لسعة دبابير» جنوبي غزة، في العاشر من الشهر نفسه، وكأن المولى عز وجل قد سخَّر جنودًا آخرين لمحاربة الكيان الصهيوني، ما حدا بالقناة الـ«13» الصهيونية، إلى وصف الأمر بأنه «وضع صعب على جميع الجبهات»، خاصة في وقت تزداد الحرب ضراوة شمالي غزة، مع عودة جيش الاحتلال للحرب، مجددًا، في مدينة جباليا ومحيطها، واشتداد عود المقاومة الفلسطينية في المدينة، التي عادت إليها مرة أخرى.
الواضح أن وصف القناة الوضع في جباليا والزيتون وحي السلام بالصعب، ومعها مدينة رفح، جاء بعد تأكيدها أن الكيان في وضع الإجبار على القتال، مرارًا وتكرارًا، في أماكن خرج منها من قبل، ما حدا بجنرال صهيوني سابق إلى المطالبة بالاكتفاء بما حققته بلاده من نتائج عسكرية في غزة، ومنح ملف إعادة المحتجزين «الإسرائيليين» لدى «حماس» الأولوية؛ ولم يكتف يسرائيل زيف، الجنرال احتياط، بذلك، بل حذر من أنه بمرور الوقت يصبح الأمر أكثر تكلفة بالنسبة لهؤلاء المحتجزين وللجنود الصهاينة داخل غزة، أيضًا.
محاكاة جديدة
اتسعت دائرة الحرب في أنحاء متفرقة من غزة، في محاكاة جديدة لبدايتها قبل أكثر من 7 أشهر، خاصة مع إعلان الجيش الصهيوني، في بيان له، رصد وتفكيك خلايا فلسطينية مسلحة ومنصات صواريخ جاهزة للإطلاق ونقاط مراقبة وممرات أنفاق جديدة؛ ما يعني استمرار حركة «حماس» في المقاومة، وبقوة، شمالي غزة، في الأماكن التي اعتقد الصهاينة أنها باتت جزءًا من «إسرائيل» ولن تعود إليها أيادي الحركة، مرة ثانية؛ إذ فاجأت المقاومة الكيان بإعادة تأهيل قدراتها العسكرية في جباليا، وتفخيخ مقار للجيش؛ ما أسقط قتلى وجرحى بين صفوف الجيش الصهيوني.
«يديعوت أحرونوت»: إحباط يسود الجيش قد يدفع الجنود إلى رفض الأوامر
القدرات العسكرية للمقاومة الفلسطينية هي التي أجبرت رئيس الأركان الصهيوني هرتسي هاليفي إلى إرسال رسالة قاسية لنتنياهو، تفيد بأن العودة للعمل العسكري في أماكن سبق العمل فيها داخل قطاع غزة يعزى إلى عدم اتخاذ قرارات سياسية ناجحة بشأن تلك الحرب، وأن سلوك حكومة نتنياهو «عبثي» وبدون أي تحرك سياسي، كما وصفته صحيفة «معاريف» العبرية.
إحباط بين صفوف الجيش
عدم تحرك نتنياهو سياسيًّا في غزة، واتخاذ خطوات جادة وناجعة بالنسبة للكيان بشأن اتفاق الأسرى مع «حماس»، دفع بيورام حمو، المسؤول عن رسم الشؤون الإستراتيجية بمجلس الأمن القومي «الإسرائيلي»، إلى تقديم استقالته من منصبه، إذ أوضحت القناة الـ«12» العبرية، أن حمو لم يتقدم باستقالته بسبب الفشل الاستخباراتي والعسكري في عملية «طوفان الأقصى»؛ ولكن بسبب عدم اتخاذ نتنياهو لأي قرارات حقيقية بشأن «اليوم التالي» للحرب على غزة وعودة العمليات العسكرية شمالي القطاع.
والغريب أن تصريحات الجنرال هاليفي جرت أثناء إحدى المناقشات التي وقعت خلال عطلة نهاية الأسبوع، الذي وصفه الكثيرون داخل الكيان بـ«الأصعب» منذ بداية الحرب على غزة؛ خاصة مع تأكيد صحيفة «يديعوت أحرونوت» العبرية بأن ثمة إحباطًا يسود صفوف الجيش الصهيوني في غزة قد يدفع الضباط والجنود إلى رفض الأوامر العسكرية، وهي الحالة النفسية التي عزتها الصحيفة إلى احتجاجهم على عودة القتال إلى المناطق التي أعلن جيش الاحتلال السيطرة عليها مرات عدة من قبل داخل غزة.
جنود صهاينة: هربنا من غلاف غزة مثل اللصوص في ظلام الليل
ورغم التفاوت العسكري والقدرات الاستخباراتية الكبيرة بين عناصر المقاومة الفلسطينية المسلحة داخل القطاع والجيش الصهيوني، فإن غزة شهدت قبل يومين إصابة ضابط صهيوني بارز بجروح متوسطة باشتباكات شمالي القطاع، وهو العميد يوغيف بار شيشت، الذي يشغل منصب نائب مراقب المنظومة الدفاعية الصهيونية في غزة، وهو أعلى رتبة عسكرية صهيونية قد أُعلن إصابته منذ انطلاق عملية «طوفان الأقصى» في السابع من أكتوبر الماضي؛ ما يعني أن المقاومة تعاود استهدافها لكبار الضباط الصهاينة، في حال من الاستهداف «الانتقائي» كما جرى في اليوم الأول لتلك العملية.
لم يقف الأمر عند حد الإصابة الجراحية للعميد بار شيشت، ولكنه وصل حد الإصابة المعنوية للصهاينة ككل، إذ اعترفت «إذاعة جيش الاحتلال»، غير مرة، بأن دوِّي صافرات الإنذار قد يُسمع في مستوطنات غلاف غزة لأكثر من 3 – 4 مرات خلال ساعة واحدة، بعدما توقف سامعه عدة أيام، وذلك للدلالة الواضحة على إعادة «حماس» والفصائل الفلسطينية المقاومة لقدراتها العسكرية، مجددًا؛ ما أجبر الحكومة الصهيونية إلى إخلاء موقع استيطاني مؤقت في غلاف غزة، وإطلاق سراح عشرات جنود الاحتياط بالجيش والأمر بعودتهم الفورية إلى منازلهم، تخوفًا من تسلل مقاومين فلسطينيين إلى داخل المقر الاستيطاني.
الثابت أن وصف القناة الـ«14» لعملية الإخلاء بـ«الهروب من المقر الاستيطاني مثل اللصوص في الليل»، يؤكد أن المقاومة ما تزال عفية وقوية، وتُلقي الضربات العسكرية الواحدة تلو الأخرى تجاه الجيش الصهيوني، رغم مرور ما يزيد على 220 يومًا على حربه على قطاع غزة.