أخي الكريم يحيى، السلام عليكم، أسرد لكم مأساة صديق العمر، فقد جمعت الحياة بيننا منذ الطفولة سواء الجيرة أو مراحل الدراسة، ولكنني تزوجت قبله لارتباطي بابنة عمي، فكرنا في الهجرة وسافر هو أولاً لعدم ارتباطه بأسرة، وقد وفقه الله تعالى لعمل مناسب بعد فترة معاناة قاسية، وتمكن من إيجاد فرصة عمل لي بالشركة التي يعمل بها، وجهّز لي ولأسرتي مكان إقامة قريباً منه.
رغم أن صديقي كان محافظاً على الصلاة، فإنني لاحظت أن رئيسة القسم الذي يعمل به تتعامل معه بأسلوب فيه تجاوز شرعي! ووجدت أنه من واجب حق الأخوة التي بيننا أن ألفت نظره إلى خطورة ذلك، خاصة أنه بصفة عامة شاب وسلوكه فيه بعض من عدم الالتزام بالشرع، علل صديقي ذلك بأن هذه عاداتهم، وعلينا أن نجاريهم، وطمأنني أن الأمر لا يتعدى مجرد علاقات عمل.
الكتابية التي يحل للمسلم زواجها هي من تشهد أن عيسى عبدُ اللهِ ورسوله وإلا فهي كافرة يحرم نكاحها
بعد حوالي شهرين فوجئت به يطلب مني أن نلتقي مساء لمناقشة أمر مهم، وصعقت حيث بادرني:
لقد نمَت علاقتي بمارجريت، ولكنني أفهمتها أنه لا يمكن أن يكون بيننا علاقة إلا علاقة زوجية، فعرضت عليَّ الزواج، ولم أدر إلا وأنا قد وافقت!
فقلت: ولكنها غير مسلمة!
قال: نعم إنها مسيحية، وكما تعلم أن الله قد أحل لنا الزواج من أهل الكتاب، واشترطتُ عليها الإسلام وقبلت من حيث المبدأ، ووعدتني أن تُسلم!
قلت: ولكن ثقافتها ونشأتها وعادتها وقيمها..
قال: سأضبط كل ذلك.
قلت: ولماذا تغامر؟
قال: كما تعلم، بحثت عن فتاة مسلمة، وكلمت شيخ المسجد الذي اعتذر لعدم معرفته بالإخوة الذين لديهم بنات في سن الزواج! كما أن الفتاة التي رشَّحتها لي زوجتك، بالغ أهلها في طلباتهم المادية! بصراحة أصبحت أخاف على نفسي! وأصدقك القول: لقد أحببت مارجريت! هنَّأته وتمنيت له التوفيق.
تزوج صديقي، وبعد حوالي شهرين أعلنت مارجريت إسلامها، ولم ألاحظ أي تغيير في لباس أو سلوك زوجته؛ لذا فلم نلتق بهما إلا مرة واحدة، بدأت المشكلات بينهما بسبب طبيعة ونمط الحياة التي كان يعيشها كل منهما، فمارجريت مثل غالبية الشباب هنا استقلت بحياتها عن والدتها بعد السادسة عشرة، ولا تعلم من والدها ولا تعرف معنى الأسرة، حاول صديقي أن يعيش نمط الأسرة الشرقي التقليدي! وكأنه «سي السيد» -الذي لا علاقة له بالدين- وأفهمها أن الإسلام يعطي القوامة للرجل وعليها أن تطيعه، ومن حقه أن يضربها!
المسلم الذي يتزوج كتابية أو مسلمة حديثة في رقبته أمانة عظيمة عبادةً وخُلقاً ومعاملةً
كما أن صديقي لم يعد مواظباً على الصلاة في المسجد، وبدأ يبتعد رويداً عن صحبة إخوانه، وبدلاً من أن يجذب مارجريت للمجتمع الإسلامي انجذب هو لمجتمعها، تدخلنا أنا وزوجتي عدة مرات للتوفيق بينهما، حاولت أن أوضح لصديقي أن يتعامل معها بالحسنى واللين، خاصة أنها حملت في توأم! استمرت الحياة بينهما بين شد وجذب، تصاعدت الخلافات بينهما، واستدعت الشرطة واتهمته بأنه حاول اغتصابها! وتم احتجازه عدة أيام، تدخلنا حتى تنازلت عن الاتهام؛ فوافقت بشرط أن يعيش كل منهما في غرفة مستقلة! وافق طبعاً صديقي، ونصحته أن يحسن عشرتها لأنها ستكون أم أولاده.
للأسف، تجربة الاحتجاز أثَّرت سلباً على صديقي، وأصبح خائفاً منها، رزقهما الله بمحمد، وراشيل! نعم لقد اتفقا على أن كلاً منهما يسمي أحد المولودين، خاصة أنها لم تعد تصلي، وأنها تحتسي الخمر.
مر عام على هذا الوضع، حتى أبلغته أنها قررت الانتقال للعيش مع صديق لها، وأنها مستعدة للتنازل له عن حضانة ابنهما وابنتهما مقابل أن يقضيا معها يوماً كل شهر، علل صديقي قبوله هذا الوضع -غير الشرعي- بأن إجراءات الطلاق تستغرق على الأقل 3 سنوات، ويكون الأولاد معها، ورغم تنازلها عن قضية اغتصابها، فإنها في سجله، فيمكنها منعه من رؤية الأولاد، وتستحق على الأقل نصف راتبه وبعد الحكم بالطلاق وتستحوذ على نصف ثروته! الكارثة أن ولديهما كل أسبوع يذهب بهما إلى بيتها التي تعيش فيه وصديقها ويتركهما معها يوماً كاملاً!
في بداية أزمته وبحق ما بيننا من أخوّة استضفنا ولديه، ولكنني اعتذرت له عن استدامة ذلك الوضع، اضطر إلى أخذ إجازة لرعاية ولديه، ولكنه اضطر إلى التفرغ لهما والاعتماد على الإعانة الاجتماعية ومدخراته، قابلني مرة بالمسجد الذي لم يعد يحضر إليه إلا نادراً وأخبرني أنه يتعالج من اكتئاب مزمن وطلب مني المشورة، فوعدته أن أكتب إليكم عسى أن نجد لديكم حلاً.
التحليل
1- الزواج من الكتابيات:
– يقول الله عز وجل: (لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَآلُواْ إِنَّ اللّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ) (المائدة: 17)، فالكتابية التي يحل للمسلم زواجها هي من تشهد أن عيسى عبد الله ورسوله، وإلا فهي كافرة يحرم نكاحها.
نوصي المتزوجين حديثاً بالتريث وتأجيل الحمل حوالي سنة إلى أن يتعرف كل منهما على شريكه
– إن مفهوم الأسرة من زوج وزوجة وأولاد قد تم تدميره إلا ما ندر، فالإباحية الجنسية تبدأ في المرحلة الابتدائية، ويتعلم الطفل أن الأسرة قد تكون بين متماثلين، وعادة ما يترك الأولاد البيت عند السادسة عشرة ويستقل بحياته أياً كانت، فلماذا الزواج والأسرة والالتزام؟ تؤثر هذه النشأة على قيم ونفسية الإنسان الغربي فتطمس فطرته، إلا أن يهديه الله للإسلام فينفض عنه غبار وانحطاط مستنقع الرذيلة؛ لذا كثيراً ما نرى المسلمين الجدد يبكون بحرقة قد لا يعلم كنهها إلا من ذاق طعم الهداية بعد ضلالة.
– نعم يحل الزواج من الكتابية التي تشهد بوحدانية الله وعبودية الرسول صلوات الله عليهم جميعاً، ولكن شتان بين من تربت في أسرة بين أب وأم، ومن تربت في الشارع لا تعرف لها أباً.
– إن كثيراً من الفتيات المسلمات بلغن الأربعين، ولم يتقدم لهن أزواج مناسبون، فالزواج من الكتابية المحصنة يكون على حساب عنوسة فتاة مسلمة.
2- الدين كله وحدة واحدة عبادات وأخلاق ومعاملات:
– (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَن يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ) (النور: 21)، – إن الشيطان لا يأمر المسلم مباشرة بالكبيرة، ولكنه ييسر له التخفف من القليل من الالتزام، ويوهمه أنه محافظ، بل ومتمسك بالجوهر، فلا حرج أن يبتسم لهذه أو يتطرق بالحديث في الجوانب الشخصية مع تلك، وأن هذا من متطلبات طبيعة العمل.
الخطوة تتبعها خطوات، بل زلات، إلى أن يعتاد المنكر ويألفه، الخطورة ليست في انحرافه فقط، بل في الصورة الذهنية التي أعطاها لمجتمع المهجر غير المسلم ليس عنه، بل عن المسلمين والإسلام، الطامة إن كان يؤدي بعض العبادات وبه تفلت أخلاقي! تكون الصورة الذهنية عن الإسلام لدى المجتمع الغربي مهزوزة ومشوهة؛ هل الإسلام بسمح بذلك؟ أم أن الإسلام لا يرسخ في يقين المسلمين فيأتون بما يتعارض معه؟!
– إن التخفف من عدم الالتزام بضوابط الشرع الحنيف قد أورد صديقك هذا الشقاء الذي يعانيه.
3- مسؤولية وأمانة الزواج من الكتابيات والمسلمات الجدد:
– إن الإيمان ما وقر في القلب وصدّقه العمل، إن الإنسان يصبح مسلماً بنطق الشهادة، وهي محصلة اليقين بوحدانية الله الخالق وعبودية رسله ورسالاتهم، ثم يبدأ بتعلم ما هو معلوم من الدين بالضرورة من عبادات وضوابط سلوكية.
– إن المسلم الذي يتزوج كتابية أو مسلمة حديثة في رقبته أمانة عظيمة تقتضي منه أن يكون نموذجاً سواء في التزامه بالشرع عبادة وخلقاً ومعاملة، بحيث يبهرها بحسن خلقه لأنها مهما قرأت عن عظمة الإسلام فالأهم والأكثر تأثيراً عليها هو أخلاقه معها بصفة خاصة، وباقي سلوكياته في الحياة بصفة عامة، كم من المآسي حدثت وارتدّت المسلمة بعد أن حسن إسلامها؛ لأن زوجها فتنها في دينها وكشفت زيفه من سوء خلقه معها.
المسجد ليس فقط لأداء الصلاة بل رعاية المجتمع المسلم وهي مسؤولية الإمام وكل رواده
– الله تعالى أعلم بالقلوب، ولكنْ واضح أن هذا الزوج لم يهتم بتعريف زوجته على الإسلام حتى يرسخ في عقيدتها ويؤثر في سلوكها.
– كان نموذجاً سيئاً للمسلم سواء في عبادته أو في خلقه معها، فلم يفهم معنى القوامة ولا طاعة الزوجة لزوجها ومتطلباتها وشروطها، فنفّر زوجته حديثة العهد بالإسلام -إن كانت قد أسلمت حقاً- بل فتنها في الإسلام.
4- الأولاد:
– عادة ما نوصي المتزوجين حديثاً بالتريث وتأجيل الحمل حوالي سنة إلى أن يتعرف كل منهما على شريكه في حياتهما الزوجية الجديدة، وقد اطمأن واستقر مع زوجه؛ لأنه مهما قيّم ودرس كل منهما الآخر خلال فترة ما قبل البناء سيكتشف جديداً بعد البناء، للأسف قد يحدث الخلاف أو ينكشف ما كان مستوراً وينفصلان وتعود المطلقة وهي حامل لبيت العائلة، ويولد طفل محروم من دفء والديه.
– رغم قصوره في الاهتمام بإسلام زوجته، وتقديمه نموذجاً منفّراً وعدم قدرته في جذب زوجته للمنظومة الأخلاقية الإسلامية مما تسبب من خلافات؛ فلم يؤجّل الحمل!
التوصيات
أولاً: خاصة للزوج:
1- كيف يقبل هذا الزوج المسلم أن تكون زوجته تعيش مع آخر؟ لذا يجب فوراً طلاقها شرعاً، ثم اتخاذ إجراءات طلاقها طبقاً للقانون مهما كانت التكاليف المادية المترتبة على هذا الطلاق؟
2- البحث في بلده عن زوجة مناسبة يأتي بها تعاونه على تربية ولديه، وتعوضهما فراغ والدتهما.
ثانياً: عامة للمجتمع المسلم في المهجر:
1- إن كنت في سن الزواج فلا تهاجر دون زوجة.
2- المسجد ليس فقط لأداء الصلاة، بل لبناء ورعاية المجتمع المسلم، وهي مسؤولية الإمام وكل رواد المسجد.
3- يجب أن تتولى مجموعة من كبار السن (الرجال، والنساء) في كل مسجد حصر الفتيات والشبان في سن الزواج، وتنظيم دورات تثقيفية وأنشطة إسلامية وتوعوية لتنمية قدراتهم وليتعارفوا، وبما يوفر لهم بيئة إسلامية صحية يمكن لهم أن يتزوجوا من خلالها.
4- من الأخطاء التي عاشرتها هنا في كندا، محاكاة الزواج في بلد المنشأ؛ مما يصعب جداً إتمام الزواج، ويجهد الزوج مادياً، فيجب التسهيل والتيسير، وهذا من سنن الرسول صلى الله عليه وسلم، وإن كان هذا توجيهاً عاماً لكل المسلمين، إلا أنه نظراً للفتن التي يعيشها أولادنا فيجب الحرص على عفتهم.