يقدم كتاب «حقوق الإنسان في الإسلام» إطلالة مستنيرة حول مفهوم حقوق الإنسان في الإسلام، مقابل النظرة الغربية والأوروبية للقضية ذاتها، في محاولة لفك الالتباس الذي يغري كثيراً من الناس بشأن بعض المبادئ البراقة، التي يحاول الغرب الولوج بها إلى بلاد المسلمين.
ويتجول مؤلف الكتاب د. عبدالله بن عبد المحسن التركي، عضو هيئة كبار العلماء في السعودية، الأمين العام السابق لرابطة العالم الإسلامي، بين إطلالات على حقوق الإنسان في الفكر الغربي، ونقد النظرة الأوروبية لحقوق الإنسان، مقابل خصائص النظرة الإسلامية لحقوق الإنسان.
ويستعرض الكتاب، في طيات فصوله، النظرة الإسلامية لحق الحياة وسلامة البدن والعقل والعرض، وحرية الإنسان، والمساواة، والتكافل الاجتماعي.
يقول التركي، في مقدمة كتابه: إنه لا يستقيم عمل الدعاة في أي زمان ومكان، إلا بالعلم بالكتاب والسُّنة، ومدارسة علوم الإسلام، واتباع سُنة الرسول صلى الله عليه وسلم في الإبلاغ والإعلام، والنصح والإرشاد، للمخاطبين بالدعوة، على اختلاف الظروف والأحوال.
ويشير المؤلف إلى أن قضايا عديدة شغلت عقول الناس وفكرهم، وعلى الدعاة إلى الله أن يكونوا على علم بهذه القضايا، وما يراد منها، والقائمين بها، وما فيها من خير للناس أو شرهم، ومن أبرز تلك القضايا ما يثار باسم حقوق الإنسان، والمساواة بين الرجل والمرأة، وغير ذلك.
ويشدد الكتاب على حقيقة ثابتة، وهي أنه منذ أكثر من أربعة عشر قرناً، والمسلمون يسمعون عن كرامة الإنسان، والتسوية بين الناس، والتكافل والتراحم بينهم، لافتاً إلى أن الخطر يظهر حينما نوازن بين الشعارات التي تأتينا من كل حدب وصوب عن هذه المبادئ، ومفاهيمنا الإسلامية عنها.
ويتساءل التركي: ربما تكون المصطلحات واحدة، ولكن ما المضمون؟ وما المفاهيم؟ وما أثر ذلك في عقيدتنا وأخلاقنا وسلوكنا؟ داعياً إلى التعرف على الحقيقة في قضية حقوق الإنسان، وأن نضع شعاراتها ومفاهيمها ونتائجها في ميزان الإسلام.
يقول المؤلف: إن قضية حقوق الإنسان أصبحت الآن أحد أسلحة السياسة الخارجية للدول الكبرى، كمعيار في تقديم المساعدات الدولية للدول النامية، فتحجب هذه المساعدات عن الدول التي تخالف، أو تتهم بمخالفة حقوق الإنسان، في نظر الدول القوية، كما ظهرت فكرة إنشاء وظيفة «مفوض سامٍ» في الأمم المتحدة؛ لمراعاة تطبيق مبادئ حقوق الإنسان، ولا يخفى ما يترتب على تنفيذ ذلك من مشكلات في الواقع المعقد لنظام عالمي جديد، أعلن عن وجوده منذ سنوات، ولم تتبلور حتى الآن اتجاهاته وقيمه الأساسية وموازينه، مما يفتح الباب لصور من التدخل غير المسوغ في الشؤون الداخلية للدول، تحت شعار حقوق الإنسان.
ويرى الأمين العام السابق لرابطة العالم الإسلامي أن حقوق الإنسان في الشريعة الإسلامية تنبع من فكرة مستقلة عن إرادة البشر، وعن النسبية الزمانية، والمكانية، والمفاهيم المتعددة، أي معايير التطبيق المختلفة في المجتمعات الإنسانية، على اختلاف النظم والقوانين، هي بإيجاز، من نعم الله سبحانه وتعالى على عباده، جاءت في الشريعة الإسلامية، في نصوصها، وأصولها العامة، وألزمت بها الكافة، الحاكم والمحكوم، والدول والشعوب، وهي ليست سلاحاً في يد السلطة، أو مسوغاً لخروج الناس على المجتمع أو الحكام.
يواصل المؤلف تأصيله لفكرته، بالقول: إن الاعتماد في تحديد القيم الإنسانية العليا ومفاهيمها وضوابطها ينبغي أن يتجرد من النسبية الزمانية والمكانية، ونعتقد عن يقين أن ذلك لا يتأتى إلا إذا اعتمدنا في ذلك على مصدر تشريعي أسمى وأعلى من قوانين الزمان والمكان والبشر، يخضع له الإنسان بوصفه إنساناً عن إيمان واقتناع.
يتابع حديثه بالقول: فالتجرد من النسبية في موضوع حقوق الإنسان لا يتأتى إلا عبر هذا الطريق وحده، وهو لدى المسلمين يتمثل في الشريعة الإسلامية بمصدرها الإلهي، في أصولها ونصوصها.
ويستعرض الكتاب في صفحاته الـ115، بعض حقوق الإنسان، ونظرة الإسلام لها، مشيراً إلى أن الإنسان في المفهوم الإسلامي يعتبر أكرم الكائنات وأشرفها، ومن أجله سخر الله ما في السماوات وما في الأرض، ومنحه نعمة العقل والتفكير والتدبر، ومنع كل التصرفات التي تنال من حق الحياة، وسلامة البدن والعرض، أو تنقص منه، كتعذيب الإنسان، والعدوان عليه في حياته مادياً أو معنوياً، وحتى التمثيل بجثته بعد وفاته، ولو في الحرب، إذ يمتد التكريم للإنسان إلى ما بعد وفاته.
ومن أجل الحفاظ على حق الحياة للإنسان، لم يشرع القتال في الإسلام إلا من أجل الحق، ودفاعاً عن الحق، وبعد الإنذار والإعلان، وحرم الإسلام القتال طلباً للمغانم، أو بدافع من التعصب القومي أو العرقي، وفي الإسلام قيود على ممارسة أعمال الحرب، فيحرم قتل غير المحاربين من النساء والأطفال وكبار السن والمنقطعين للعبادة، ويمنع قتل من يقومون بالعمل بعيداً عن ساحة القتالة، كالزراع، ما داموا لا يشتركون في القتال، كما يحرم في الإسلام، إتلاف الزرع وإهلاك الضرع، حفاظاً لأقوات الناس.
ويشدد كتاب «حقوق الإنسان في الإسلام» على أن الحق في الحرية، هو وسيلة كبرى لتحقيق غايات نبيلة وسامية، تتفق مع كرامة الإنسان ورسالته في استخلافه في الأرض، ومن أجل ذلك، بدأ الإسلام بتحرير الإنسان من العبودية لغير الله عز وجل، وتحريره من شهوات نفسه ونزوات غريزته، فالحرية كما يرى علماء المسلمين هي قدرة الإنسان على التصرف، إلا لمانع من أذى أو ضرر له أو لغيره، وفي الإسلام يجب على الإنسان أن يتحرر من عبودية غير الله، وسمى الله عبادة الإنسان غير الله طاغوتاً، وأمر الناس أن يكفروا به، قال الله تعالى: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا) (النساء: 60).
الكتاب الصادر عن وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد السعودية، عام 1419هـ، يستعرض كذلك معنى وجوانب التكافل الاجتماعي في الإسلام، مقارنة بنظم الضمان الاجتماعي التي تسود العالم الحديث، مؤكداً أن التكافل في الإسلام يمثل فكرة متقدمة، تتجاوز مجرد التعاون بين الناس، أو تقديم أوجه المساعدة وقت الضعف والحاجة.
ومبناه ليس الحاجة الاجتماعية التي تفرض نفسها في وقت معين أو مكان بعينه، وإنما يستمد التكافل الاجتماعي في الإسلام من مبدأ مقرر في الشريعة، وهو مبدأ الولاية المتبادلة بين المؤمنين في المجتمع، يقول الله تعالى: (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) (التوبة: 71).
فهذه الولاية المتبادلة لها مسؤولياتها وتبعاتها في الجوانب المادية والمعنوية من حياة الإنسان، والولاية لها معان متعددة، فهي تتضمن معاني الهيمنة والقدرة والتساند والتعاضد، فالإنسان في التصور الإسلامي لا يعيش مستقلاً بنفسه، منعزلاً عن غيره، وإنما يتبادل مع أفراد المجتمع الآخرين الولاية، بما تعنيه من الإشراف والتساند والتكافل في أمور الحياة، وفي شؤون المجتمع.