أبدى عدد من المفكرين والعلماء رفضهم القاطع لما يروجه مركز «تكوين للفكر العربي»، معتبرين الكثير من أطروحاته محاولة لإعادة بث سموم خصوم الإسلام عبر التاريخ، مشددين على ضرورة سد باب الفتنة الجديدة.
«المجتمع» استطلعت رأي عدد من المفكرين والعلماء حول أهداف المركز المشبوه، ومخططات داعميه، في وقت حرج تمر فيه الأمة الإسلامية بحرب ضروس على الشعب الفلسطيني، وتكالب عالمي على تشويه مقدسات المسلمين.
بداية، يؤكد المفكر الإسلامي د. محمد دواد، الأستاذ بجامعة قناة السويس، أن ما يروج له قادة «تكوين» ليس بجديد، وإنما هو امتداد للشبهات المثارة ضد القرآن والسُّنة والسيرة والصحابة باسم «التنوير»، وهو مصطلح غربي للتمرد على سيطرة الكنيسة، وهذا ليس موجوداً في الإسلام الذي يعد منارة التنوير الحقيقي في تاريخ البشرية باعتراف المنصفين من غير المسلمين.
أجندة ممنهجة في وقت تباد فيه غزة على يد الصهاينة
أما ما يروج له أدعياء التنوير من الحداثيين العرب، والكلام له، فهو في حقيقته تزييف وتزوير وترديد لأقوال المستشرقين الحاقدين وخاصة اليهود، وقد قمت شخصياً بالإشراف والتعاون مع 300 عالم، بإصدار موسوعة «بـيان الإســلام للرد على الافتراءات والشبهات»؛ للرد على 1200 شبهة وجهت للإسلام.
ويشير داود إلى أنه يتم رصد مبالغ طائلة لرعاية وتشجيع الملحدين الجدد ومثيري الفتنة عبر الفضائيات، ووسائل الاتصال والتواصل عبر الإنترنت والكتب للترويج عن الإساءات المقصودة المتكررة للنبي صلى الله عليه وسلم، وصحابته الكرام والخلفاء الراشدين ورواة الأحاديث والتابعين وتابعي التابعين الذين وثقوا السُّنة والسيرة النبوية بشكل علمي غير مسبوق من خلال علوم التفسير والحديث.
أجندة ممنهجة
ويقول د. حسن كمال، أستاذ الحديث بجامعة الأزهر: إن السُّنة النبوية تعد المصدر الثاني للتشريع الإسلامي بعد القرآن الكريم، ولهذا فهي تتعرض لهجمات منذ زمن بعيد، ومحاولات النيل منها ليست وليدة اليوم، وإنما تمتد إلى العصر النبوي وصدر الإسلام والقرون الأولى، حيث مارس المنافقون دوراً كبيراً في الانتقاص منها، بالتعاون مع خصوم الإسلام من أهل الكتاب، وخاصة أحبار اليهود، وقساوسة النصارى، ثم مارس الاحتلال الصليبي دوره في تجنيد المبشرين والمستشرقين لتحقيق أهدافه الشيطانية الخبيثة في هدم الإسلام ومحاربة المسلمين في عقيدتهم.
ويضيف أن أعداء الإسلام في كل العصور وجدوا ضالتهم بالطعن في السُّنة، ويدعون أنهم «قرآنيون»؛ لأنهم يعلمون أن الهجوم على القرآن الذي يؤمن المسلمون به كنص مقدس تكفل الله بحفظه حين قال: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) (الحجر: 9)، وبالتالي لا سبيل للنيل منه صراحة، ولهذا وجهوا سهامهم إلى السُّنة والسيرة النبوية، متسائلاً عن السر في اختيار هذا التوقيت التي تباد فيه غزة على أبدى الصهاينة لإعلان هذا المركز المشبوه.
مبالغ طائلة لرعاية الملحدين الجدد ومثيري الفتن
ويرى كمال أن من يرتدون عباءة «باحث» و«مجدد» من أمثال هؤلاء هم في الحقيقة عملاء ينفذون أجندة ممنهجة وليس أمراً عشوائياً، ومن يراجع التاريخ الأسود لقادة هذا الكيان السرطاني ومجلس أمنائه وممن حضروا مؤتمره سيجدهم ذوي أفكار سطحية، ومنهم من قالت: إنها لا تمانع أن تتزوج ابنتها بغير المسلمين، ومن قالت بحق كل إنسان في تغيير دينه.
أدعياء التنوير
ويشدد د. عبدالمنعم فؤاد، أستاذ العقيدة والمشرف على رواق الأزهر، أن ما يترد عن وصف هؤلاء بـ«التنويريين» حق يراد بها باطل؛ لأن كل من يهاجمون الإسلام في كل العصور ذهبوا إلى مزبلة التاريخ، وبقي الإسلام شامخاً قوياً، بل يزداد الإقبال عليه حتى في البلاد التي ناصبته العداء التاريخي، فهو الدين الأسرع انتشاراً في العالم وخاصة في الغرب الذي يعبده التنويريون في بلادنا ومنهم قادة «تكوين» الذين تحولوا إلى معاول هدم في سفينة أمتنا.
ويوضح أن الهجوم على السُّنة النبوية ليس بغريب عن مشروعات فاشلة سابقة، ومنها مثلاً ما كتبه محمد أبو رية في كتابه «أضواء على السُّنة المحمدية» الذي صنفه العلماء كمشروع لهدم السُّنة النبوية والتهجم على علماء الحديث وأئمة الفقه وأصوله والصحابة، وأطلق عليه «مشروع تبصير الأمة بحقيقة السُّنة»، ووصف السلف الصالح بالجهل والغفلة، والكذب والخيانة، وقال بالنص: «إن الأصل في رواية الحديث الكذب والخيانة، والاستثناء كان الصدق والأمانة».
موسوعة علمية للرد على 1200 شبهة وجهت للإسلام
ووصل به الحقد على السُّنة إلى المطالبة بحرق كتب الحديث كلها بزعم أنها كتبت بغير إذن من الشرع، والذين كتبوها كذبوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، واستخفوا عقول الأمة، كما أن أحد قادة «تكوين» زعم أنه لا وجود للجنة والنار في الآخرة، وأن رحلة الإسراء والمعراج وهمية، وما كتبته «ن. أ» بعنوان «الإله يقدم استقالته»! وفيه أساءت لله تعالى وملائكته وكتبه ورسله والأديان السماوية، ووصفت فيها العبادات بأنها وثنية والزواج مؤسسة عبودية ونسبة الأولاد لأمهم، وقد هلكت وماتت أفكارها معها، وظل المسلمون على دينهم.
ويؤكد فؤاد أن العلماء المخلصين عبر التاريخ غربلوا جميع الأحاديث، وقدموا الكتب الصحيحة كلها، وبينوا درجات الأحاديث الصحيحة والضعيف منها، ورصدوا الأحاديث الموضوعة والمكذوبة بالأدلة العلمية، فإذا طعن أحد في الإسلام، فأهل العلم وعلماء الأمة قادرون على ردعه بالحجة والبرهان.