الأخلاق ركنٌ مهم في حياة الفرد والمجتمع، وهي مقوِّم أساس في الحضارة الإنسانية، باعتبارها تدخل ضمن البنية الاجتماعية، وأخلاق الفرد تتبادل التأثر والتأثير مع أخلاق المجتمع.
وقد جعل الرسول صلى الله عليه وسلم الهدف الأعظم من رسالته وبعثته إتمام مكارم الأخلاق فقال: «إنما بعثت لأُتمم حُسْن الأخلاق»، وعدّ البرّ مجمع الفضائل كلها، فقد سأله صلى الله عليه وسلم النوّاس بن سمعان رضي الله عنه عن البرّ، فقال، «البِّر حُسْن الخلق»، وأحكم الصِّلة القويمة التي ينبغي أن تربط بين الأفراد بعضهم مع بعض، والعلاقة الفاضلة التي تصل بين الفرد والآخرين، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «وخالق الناس بخلق حسن».
الأخلاق والعقيدة صنوان في الإسلام، فقد ربط القرآن بينهما، قال تعالى: (أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ {1} قُمْ فَأَنذِرْ {2} وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ {3} وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ {4} وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ {5} وَلَا تَمْنُن تَسْتَكْثِرُ {6} وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ) (المدثر)، وأُمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن يكون ليناً، رفيقاً بأمته، قال تعالى: (وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) (الشعراء: 215)؛ ولذا كانت دعوته صلى الله عليه وسلم إلى فضائل الأخلاق دعوة زاكية، فقد سُئل رسول الله: من أحبّ عباد الله تعالى؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أحسنهم خلقاً».
والغاية التي يرشد إليها الإسلام من الالتزام بالسلوك الأخلاقي كما في نصوص القرآن الكريم والسُّنة المطهرة تقوم على عنصرين:
الأول: اكتساب مرضاة الله عزّ وجلّ وابتغاء ثوابه وعطائه حبّاً ورضاً، قال تعالى: (وَمَا تُنفِقُونَ إِلاَّ ابْتِغَاء وَجْهِ اللّهِ) (البقرة: 272)، وقال صلى الله عليه وسلم: «إن الله لا يقبل من العمل إلا ما كان خالصاً وابتُغي به وجهه».
الثاني: تحقيق السعادة في الدارين؛ الدنيا والآخرة، والنجاة من الشقاء، قال تعالى: (إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ) (الانفطار: 13).
وإليك أخي الطالب بعض أخلاق رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي كان خلقه القرآن، والذي كان يقول: «خياركم أحاسنكم أخلاقاً»، وعن أنس رضي الله عنه قال: خدمت النبي عشر سنين، والله ما قال لي: أفٍ قط، ولا قال لشيء لمَ فعلت كذا؟ وهلاّ فعلت كذا؟ وتقول عائشة رضي الله عنها: «ما خُيِّر رسول الله بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثماً، وما ضرب رسول الله شيئاً قط بيده، ولا امرأة ولا خادماً»؛ ولذلك أمر الله المسلمين بأن يقتدوا به صلى الله عليه وسلم: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ) (الأحزاب: 21).
إن من العسير أن يحيط إنسان بالقيم الأخلاقية الإسلامية في القرآن والسُّنة وتاريخ الفكر الإسلامي؛ ذلك أن الأخلاق في الإسلام تقوم على قاعدة الإيثار وترفض الأثرة، وتحضّ على الجماعية في الغايات، وتحارب الأنانية، وتدعو إلى تزكية النفس بالفضائل، والسلوك الحسن، وتنذر من تشويه النفوس بالهوى والشهوة.
وعلى قاعدة التآخي أسّس النبي صلى الله عليه وسلم روابط جماعته الأولى في المدينة المنورة، يوم اقتسم الأنصار والمهاجرون كل ما يملك الأنصار وتآخوا في الله أخوين أخوين، روى البخاري في صحيحه عن أنس رضي الله عنه، عند مؤاخاة عبدالرحمن بن عوف، سعد بن الربيع الأنصاري، رضي الله عنهما، وكان ذا غنى، قول ابن الربيع، لعبدالرحمن: أقاسمك مالي نصفين وأزوجك، قال عبدالرحمن: بارك الله لك في أهلك ومالك، دلوني على السوق.
لقد عرفهم الله تعالى أن الأخوة نعمة من الله جاءت تشد أواصر الصلة بين المسلمين بعد طول عهد التنازع والاقتتال، ولقد جاء الخطاب الإلهي لهم: (وَاذْكُرُواْ نِعْمَتَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً) (آل عمران: 103).
إن للأخلاق قيمة لا يدانيها شيء آخر في التشريع الإسلامي، لأنها تحقِّق الصلاح والرحمة والتآخي والمحبة وشتى أنواع الفضائل، وتلغي الفساد والظلم والتباغض والكراهية وشتى أنواع الرذائل.
___________________
للتواصل: zrommany3@gmail.com.