روى الإمام مسلم عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين ذهب مع أصحابه إلى غزوة «بدر» الكبرى، قال لهم: «قُومُوا إلى جَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأرْضُ»، قالَ: يقولُ عُمَيْرُ بنُ الحُمَامِ الأنْصَارِيُّ: يا رَسولَ اللهِ، جَنَّةٌ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأرْضُ؟! قالَ: «نَعَمْ»، قالَ: بَخٍ بَخٍ، فَقالَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ: «ما يَحْمِلُكَ علَى قَوْلِكَ بَخٍ بَخٍ؟»، قالَ: لا وَاللَّهِ يا رَسولَ اللهِ، إلَّا رَجَاءَ أَنْ أَكُونَ مِن أَهْلِهَا، قالَ: «فإنَّكَ مِن أَهْلِهَا»، فأخْرَجَ تَمَرَاتٍ مِن قَرَنِهِ، فَجَعَلَ يَأْكُلُ منهنَّ، ثُمَّ قالَ: لَئِنْ أَنَا حَيِيتُ حتَّى آكُلَ تَمَرَاتي هذِه إنَّهَا لَحَيَاةٌ طَوِيلَةٌ، قالَ: فَرَمَى بما كانَ معهُ مِنَ التَّمْرِ، ثُمَّ قَاتَلَهُمْ حتَّى قُتِلَ.
في هذا الموقف دليل على إقبال الصحابة الكرام على الجهاد في سبيل الله، وتفضيله على ما سواه، والتطلع إلى ما يترتب عليه من ثواب وجزاء، فما ثواب الجهاد في سبيل الله في الآخرة؟
أولاً: التحلي بالإيمان الحقيقي:
بيّن الله تعالى أن المجاهدين هم المؤمنون، والمؤمن الحقيقي هو الذي لا يتخلى عن الجهاد في سبيل الله بأي حال من الأحوال، حيث قال الله تعالى: (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ) (الأنفال: 74).
ثانياً: الفوز برحمة الله تعالى:
المجاهدون فائزون برحمة الله؛ لأن الله تعالى وعد بذلك في قوله عز وجل: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللَّهِ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (البقرة: 218)، وقال عز وجل: (وَلَئِنْ قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ مُتُّمْ لَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَحْمَةٌ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ) (آل عمران: 157).
ثالثاً: عدم الشعور بالألم عند الاستشهاد إلا شيئاً يسيراً:
أخرج الترمذي عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ما يجدُ الشَّهيدُ من مسِّ القتلِ إلَّا كما يجدُ أحدُكُم من مَسِّ القرصةِ»، فالمجاهد في سبيل الله لا يقلق من لحظة الموت أو يخاف من شدتها، بل هي يسيرة عليه، لأن الله هو الذي ييسرها لمن يشاء من عباده.
رابعاً: الحياة الطيبة في الآخرة والفرح والاستبشار بنعمة الله وفضله:
المجاهد في سبيل الله يوقن أن حياته الآخرة في سعادة وطمأنينة واستبشار بفضل الله تعالى، وإنه ليجد ذلك منذ لحظة الشهادة، حيث قال الله تعالى: (وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ {169} فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُواْ بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ {170} يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ {171} الَّذِينَ اسْتَجَابُواْ لِلّهِ وَالرَّسُولِ مِن بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُواْ مِنْهُمْ وَاتَّقَواْ أَجْرٌ عَظِيمٌ) (آل عمران).
خامساً: تكفير السيئات:
الله سبحانه وتعالى يكفر السيئات لمن يجاهد في سبيله، حيث قال عز وجل: (فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ثَوَابًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ) (آل عمران: 195).
سادساً: الأمن من فتنة القبر:
في سنن النسائي عَنْ رَاشِدِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، مَا بَالُ الْمُؤْمِنِينَ يُفْتَنُونَ فِي قُبُورِهِمْ إِلَّا الشَّهِيدَ؟ قَالَ: «كَفَى بِبَارِقَةِ السُّيُوفِ عَلَى رَأْسِهِ فِتْنَةً».
سابعاً: الأمن من الفزع يوم القيامة:
في سنن ابن ماجه عن أَبِي هُرَيْرَةَ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «مَنْ مَاتَ مُرَابِطًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَجْرَى عَلَيْهِ أَجْرَ عَمَلِهِ الصَّالِحِ الَّذِي كَانَ يَعْمَلُ، وَأَجْرَى عَلَيْهِ رِزْقَهُ، وَأَمِنَ مِنَ الْفَتَّانِ، وَبَعَثَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ آمِنًا مِنَ الْفَزَعِ».
ثامناً: النجاة من العذاب يوم القيامة:
من جاهد في سبيل الله فإن الله تعالى ينجيه من العذاب، حيث قال عز وجل: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنجِيكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ {10} تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ {11} يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) (الصف).
تاسعاً: الفوز برضوان الله تعالى:
المجاهدون يفوزون برضوان الله، وفي هذا يقول الله تعالى: (الَّذِينَ آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِندَ اللّهِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ {20} يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُم بِرَحْمَةٍ مِّنْهُ وَرِضْوَانٍ وَجَنَّاتٍ لَّهُمْ فِيهَا نَعِيمٌ مُّقِيمٌ) (التوبة).
عاشراً: دخول الجنة:
هذا أعظم الجزاء وأوفاه، وفيه قال الله تعالى: (أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ) (البقرة: 214)، وقال عز وجل: (أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ) (آل عمران: 142).
وقد أوضح الله تعالى أنه اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم وأعطاهم الجنة، فقال عز وجل: (إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) (التوبة: 111)، وإن الله عز وجل يهدي المجاهدين إلى جنته ويطيبها لهم، فقد قال عز وجل: (وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَن يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ {4} سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ {5} وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ) (محمد).