يقف رب الأسرة أمام تحدٍّ كبير لترشيد الاستهلاك، ومواجهة الغلاء دون التضييق على أهل بيته، ومراعاة التوازن بين الضرورات والكماليات بما لا يخل بموازنة الأسرة المالية.
وقد يتسبب الإسراف والتبذير من جانب الأبناء، أو أحد الزوجين، في إثارة المشكلات بين جنبات البيت، وتحويل الحياة الأسرية إلى غم ونكد وحزن؛ ما يؤدي في النهاية إلى مشكلات اجتماعية بين المرء وزوجه.
هذه السطور تضع بين يدي أفراد الأسرة، وخاصة الزوجة، عدداً من الضوابط الشرعية للإنفاق والاستهلاك، وهذه الضوابط تشمل ما يلي:
1- إنفاق المال في الحلال:
يجب أولاً أن يكون إنفاق المال في طاعة الله تعالى؛ أي يشتري المرء ما يرضي خالقه، لا أن يشتري ما يغضبه من خمور ومسكرات وغيره، يقول الله تعالى: (آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُم مُّسْتَخْلَفِينَ فِيهِ فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَأَنفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ) (الحديد: 7).
ويقول النبي ﷺ: «إِذَا هَمَمْتَ بِأَمْرٍ فَتَدَبَّر عاقِبَتَه، فَإنْ كانَ خَيْرًا فامْضِه، وَإِنْ كان غيًّا فانْتَهِ عَنْه»، وقوله: «لَنْ تَزُولَ قَدَمَا عَبْدٍ يَومَ القيامة حتى يُسألَ عن أَرْبَع..»، منها: «عَنْ مَالِه مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وَفِيْمَ أَنْفَقَه؟» (رواه الترمذي).
2- الاعتدال وعدم الإسراف:
حث القرآنُ الكريم المسلمَ على الإنفاق باعتدال، دون تقتير أو إسراف، فيخاطبه ربه جل في علاه، قائلاً: (وَلاَ تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلاَ تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَّحْسُورًا) (الإسراء: 29)، ويقول سبحانه وتعالى في وصف عباده المؤمنين: (وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا) (الفرقان: 67)، وقوله: (كُلُواْ مِن ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُواْ حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ) (الأنعام: 141).
3- ترتيب الأولويات:
من الحكمة وضع أولويات في الإنفاق، والالتزام بها، على أن يبدأ رب الأسرة بشراء الضروريات، كالمأكل والمشرب والملبس والعلاج، ثم ما يحتاجه من أشياء يراها ضرورية، على أن تكون التحسينات والكماليات في ذيل جدول أولوياته، وهو ما يتعلق بتحسين حياته وجعلها رغدة هنيئة، بحسب أستاذ الاقتصاد الراحل د. حسين شحاتة.
4- التوازن بين الكسب والإنفاق:
ليس على المسلم أن يكلف نفسه ما لا يطيق، بل يوازن بين ما يتحصل عليه من كسب، وبين ما ينفقه، حتى لا يقع تحت طائلة الديون والقروض، يقول الله تعالى: (لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا، لَهَا مَا كَسَبَتْ، وَعَلَيْها مَا اكْتَسَبَتْ) (البقرة: 286)، ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: «لقد أفلح من أَسْلَمَ، وكان رِزْقُهُ كَفَافًا، وَقَنَّعَهُ اللهُ بِمَا آتاه» (رواه الترمذي).
5- عدم التقليد:
من صور التقليد مسايرة الموضة، وشراء الماركات العالمية وما يعرف بـ«البراندات»، وتقليد الغرب في أعياد الميلاد والحب وشم النسيم وغير ذلك، وإقامة الأعراس على النمط الغربي، بدعوى الموضة و«البرستيج»، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «لَتَتَّبِعَنَّ سُنَنَ مَنْ قَبْلَكُمْ شِبْرًا بِشِبْرٍ وَذِراعًا بِذِراعٍ.. حَتَّى وَلَو دَخَلُوا جُحْرَ ضَبٍّ خَرِبٍ لَدَخَلْتُمُوْه» (رواه البخاري، ومسلم).
6- تجنب الترف:
من الضروري للقضاء على الشراهة الاستهلاكية وقف النفقات الترفيهية، قال الله تعالى: (وَإِذَا أَرَدْنَا أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُواْ فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيراً) (الإسراء: 16)، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «كُلْ ما شئت، والْبَسْ ما شئت، ما أخطأتك خِصْلتان سَرَفٌ ومَخْيِلَة» (رواه البخاري).
7- مقاطعة منتجات العدو:
من الواجب على المسلم مقاطعة السلع والبضائع التي ينتجها أعداء الأمة، لا أن يروج بضاعتهم، ويمدهم بالمال، ويدعم اقتصادهم، على غرار من يفتنون بشراء المنتجات الأمريكية، دون النظر إلى ما يتعرض له إخوانهم في غزة من حرب إبادة، يقول الله عز وجل: (إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَن تَوَلَّوْهُمْ وَمَن يَتَوَلَّهُمْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ» (الممتحنة: 9).
8- التقشف والزهد:
وفي هذا يوصينا رسول الله صلى الله عليه وسلم، قائلاً: «اخْشَوْشِنُوا فإن النعمة لا تدوم»، والأصل أن المسلم يتقشف عند وقوع الأزمات، ويدخر من قوته لغده، ومن ماله لليوم التالي.
ولقد قدم لنا سيدنا يوسف عليه السلام نموذجاً في ذلك، في تفسير رؤيا الملك، يقول القرآن الكريم على لسان سيدنا يوسف: (قَالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَباً فَمَا حَصَدتُّمْ فَذَرُوهُ فِي سُنبُلِهِ إِلاَّ قَلِيلاً مِّمَّا تَأْكُلُونَ {47} ثُمَّ يَأْتِي مِن بَعْدِ ذَلِكَ سَبْعٌ شِدَادٌ يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ إِلاَّ قَلِيلاً مِّمَّا تُحْصِنُونَ {48} ثُمَّ يَأْتِي مِن بَعْدِ ذَلِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ) (يوسف).
9- وقف هدر الطعام:
من الحكمة أن تقوم الأسرة بحصر احتياجاتها الضرورية، وشراء ما تحتاجه فقط، بكميات معقولة، دون إهدار الطعام، وإلقاء الفائض في سلال القمامة، وعدم اللجوء إلى التخزين بكميات كبيرة حتى لا تتعرض للتلف، أو تنتهي مدة صلاحيتها، بل الشراء باعتدال، والطهي على دفعات، وممارسة الأكل الواعي من خلال تقديم وجبات أصغر وزيادتها إذا لزم الأمر.
10- تدوير بقايا الطعام:
من المهم الإبداع في استخدام بقايا الطعام لتجنب هدر الطعام، على سبيل المثال يمكن تحويل بقايا الدجاج المشوي إلى سلطة أو استخدام بقايا الخضار لإعداد مرق لذيذ، أو تعليب ما تبقى من أطعمة وتقديمها للمحتاجين وبنوك الطعام وجمعيات حفظ النعمة.