القراءة النقدية للإنتاج الثقافي العربي يجعلك تدرك أبعاد الأزمة التي تمر بها الأمة؛ حيث تم حرمانها قهراً من التعبير عن حلمها في الحرية والاستقلال الشامل؛ لذلك يجب دراسة الأسباب التي أدت إلى ضعف الإنتاج الثقافي.
والثقافة من أهم مصادر قوة الدول، لذلك تستخدم الكثير من الوسائل لزيادة جاذبية ثقافتها، وتشجيع الأدباء لإنتاج أفكار جديدة تشكل أساساً لبناء مجتمع المعرفة.
والحرية تطلق القدرات العقلية، وتفتح المجال لبناء نهضة علمية وأدبية؛ وكانت تلك هي القاعدة التي بني عليها الغرب نهضته الثقافية منذ نهاية القرن الثامن عشر، وقامت الصحافة بتقديم المثقفين للجمهور، والبحث عن الأفكار الجديدة.
ما الحرية التي يريدونها؟!
مراجعة ما يكتبه أنصاف الجهلاء من عملاء الاستعمار الثقافي الغربي توضح أنهم يريدون حرية محدودة تتيح لهم أن يهاجموا الإسلام، ومنع الأزهر من مواجهة ذلك الهجوم؛ لكنهم لا يريدون الحرية من القيود التي تفرضها السلطة، ولا يدافعون عن حرية المثقفين الإسلاميين الذين يمكن أن يقوموا بدورهم في نقد إنتاجهم، وتوضيح تهافت أفكارهم.
المتغربون الذين يدعون التنوير لا يريدون الحرية حتى بمعناها الغربي، ولكنهم يصرخون عندما يهاجم أحد أفكارهم، ويصفونه بالإرهاب والظلامية، والرغبة في تقييد حرية العقيدة والفكر.. لكن لم يكتب أحدهم يوماً كلمة دفاع عن حق مثقف إسلامي في الدفاع عن الإسلام.
مستنيرون ضد الإسلام فقط!
هم مستنيرون فقط في الدفاع عن الغرب، الذي يروجون لفكرة أن التقدم يعني تقليده دون تفكير بخيره وشره، والتخلي عن الإسلام الذي يدعون كذباً أنه سبب التخلف، وأن الحملة الفرنسية هي بداية النهضة والخروج من الظلمات إلى النور.
لكن هل يمكن أن يشرح لنا أحدهم معاني الحريات في الفكر الغربي، وتطبيقها في النظم السياسية الأمريكية والأوروبية.. أنا أتحداهم وأستطيع أن أبرهن على أنهم لم يقرؤوا هذا الفكر، وأن جهلهم به لا يقل عن ذلك الذي يظهر بوضوح عندما يتحدثون عن الإسلام واللغة العربية والشعر العربي.
وهم يحرصون على استخدام بعض الكلمات الإنجليزية؛ ليدلسوا على الجمهور ويخدعوه، لكن هل يستطيع أحدهم أن يقول لنا جملة مفيدة باللغة الإنجليزية أو العربية؟!
إنهم يتحدثون عن العلمانية باعتبارها الحل الوحيد لبناء الدولة الحديثة؛ لكن هل يستطيع أحدهم أن يشرح لنا معنى العلمانية؟ وكيف ظهرت وتطورت؟ وهل تطبقها أمريكا وأوروبا، وهم يتعاملون باستكبار وغرور مع المثقفين المسلمين؟ حسن، فهل يقبلون المناظرة في الفكر الغربي الذي يمجدونه، وباللغة الإنجليزية إن أرادوا؟
التبعية للسلطة.. لماذا؟!
لكن ليست تلك هي القضية التي أريد التركيز عليها في هذا المقال؛ ذلك أن السلطات فتحت لهم المجال، ونشرت إنتاجهم من أموال الشعب، ومنحتهم الشهرة والجوائز، في الوقت الذي قهرت فيه المثقفين الإسلاميين واضطهدتهم، وأغلقت في وجوههم أبواب النشر؛ فظهرت الثقافة العربية بتلك الصورة التي ترضي العدو ولا تسر الصديق.. لماذا؟!
هناك ما يشير إلى أن السلطات تحتقرهم وتدرك جهلهم ونفاقهم؛ فقد صرح وزير ثقافة سابق بأنه يشتري المثقف بمنصب، أو بوجبة عشاء؛ لذلك فهي تستخدمهم، وتقوم أجهزة الأمن بتوجيههم لإشعال معارك بهدف إلهاء الجماهير، وتغييب وعيها.
والسلطات تريد إشعال تلك المعارك عندما تواجه تحديات تهدد وجودها، وعندما يتزايد الفقر، وتفشل في تقديم حلول للمشكلات، فتحرك أنصاف الجهلاء للهجوم على الإسلام لينشغل الناس بالدفاع عن الدين بدلاً من الكفاح لفرض إرادة الأمة وتحقيق الديمقراطية والاستقلال الشامل.
ارتباط أهداف السلطة بالتبعية للغرب
وهكذا التقت أهداف السلطات الدكتاتورية مع أهداف الغرب؛ حيث تعاملت هذه السلطات مع الإسلاميين باعتبارهم العدو الذي يجب استخدام كل الوسائل لاستئصاله والقضاء عليه، في الوقت الذي يري فيه الغرب أن مشروع التنوير يفشل، وأن وجهه الاستعماري القبيح يظهر، وأن الإسلام يمكن أن يقود كفاح الشعوب للتحرر من كل أشكال الاستعمار، ومن النهب الرأسمالي لثروات الشعوب.
لم تجد السلطات سوى أولئك المنافقين الجهلاء التابعين للغرب لتستخدمهم، فتنشر إنتاجهم الغث، وتحول رواياتهم الرديئة إلى أفلام ومسلسلات تلفزيونية، ولتفرض سيطرتهم على وزارات الثقافة والهيئات التابعة لها.
أما دور النشر الخاصة، فإنها أصبحت تخاف من أن تنشر أي عمل علمي أو أدبي خوفاً من سلطات لا ترحم، ولا تهتم بالثقافة كمصدر للقوة.
النشر تحت الرقابة
هل يمكن أن تقارن عدد الكتب التي تنشر في العالم العربي كله بما ينشر في أفقر دولة أوروبية؛ ثم تسأل نفسك: هل هذا هو الإنتاج العلمي والأدبي العربي؟! بذلك يمكن أن تدرك أن الأمة تعيش مرحلة كئيبة في تاريخها تعاني فيها من الحرمان من المعرفة والثقافة، بعد أن تحكمت الأجهزة الأمنية في النشر؛ لكن هذه المرحلة ستنتهي حتماً، وسيكون مصير كل ما أنتجه المنافقون هو الإهمال والنسيان، بعد أن يتضح للجماهير أن هدفه هو الخداع والإلهاء، وأن المنتج الحقيقي هو أجهزة الأمن، وما أولئك الجهلاء سوى الوسيلة التي استخدمتها السلطات الدكتاتورية والدول الغربية لتزييف وعي الأمة.
السؤال الأخير: لماذا دفعت أجهزة الأمن المنافقين؛ لشن هجومهم على الإسلام في الوقت الذي يشن فيه جيش الاحتلال «الإسرائيلي» عدوانه على غزة، ويرتكب الجرائم ضد الإنسانية، بهدف تهجير السكان قسرياً، وإبادتهم جماعياً؟! ليت أحدهم يجيب عن السؤال!