سُمي السحر بذلك؛ لأن أسبابه خفية من التخييل على الناس والتلبيس عليهم، والتزوير على عيونهم، وإدخال الضرر عليهم، بطرق خفية لا يفطن لها في الأغلب.
والسحر في اللغة صرف الشيء عن وجهه، وفي الشرع، عرفه ابن قدامة بأنه: «عزائم ورقى وعُقَد يؤثر في القلوب والأبدان، فيُمرض ويقتل، ويفرق بين المرء وزوجه، ويأخذ أحد الزوجين عن صاحبه»، بينما عرفه أبو بكر الرازي بأنه: «كل أمر خفي سببه، وتُخِيِّلَ على غير حقيقته، ويجري مجرى التمويه والخُدَع».
وقد أخبر الله عز وجل أن للسحر آثاراً محسوسة كالتفريق بين المرء وزوجه، وأن له ضرراً مباشراً، لا يحصل إلا بإذن الله، وهي آثار محسوسة لا يمكن إنكارها، فقال تعالى: (وَاتَّبَعُواْ مَا تَتْلُواْ الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَـكِنَّ الشَّيْاطِينَ كَفَرُواْ يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولاَ إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلاَ تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُم بِضَآرِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُواْ لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاَقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْاْ بِهِ أَنفُسَهُمْ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ) (البقرة: 102).
يقول العلامة الراحل ابن باز: لا شك في أن السحر قد يقع من بعض الناس، والساحر مشرك يجب قتله إذا عُرف، وقد أمر عمر بن الخطاب رضي الله عنه أمراءه أن يقتلوا السحرة، يُروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «حد الساحر ضربه بالسيف»؛ لأنه كافر، ويدعو إلى الكفر.
وللوقاية من السحر أسباب يجب الأخذ بها، هي بحسب الإمام ابن القيم، ما يلي:
1- استخراج السحر وإبطاله، كما صح أن النبي صلى الله عليه وسلم، عندما دله ربه سبحانه وتعالى على موضع سحره استخرجه، فلما استخرجه ذهب ما به، فهذا من أبلغ ما يعالج به المسحور.
2- الرقية الشرعية بقراءة آيات من القرآن الكريم، عن عائشة رضي الله عنها، في قصة سحر لبيد بن الأعصم للنبي صلى الله عليه وسلم وفيه: فأتاه جبريل بالمعوذتين فقال: يا محمد «قل أعوذ برب الفلق» وحلَّ عقدة «من شر ما خلق» وحلَّ عقدة حتى فرغ منها، ثم قال: «قل أعوذ برب الناس» وحلَّ عقدة حتى فرغ منها وحل العقد كلها.
ومن آيات الرقية الشرعية لحل السحر قراءة «آية الكرسي»، و«قل يا أيها الكافرون»، و«قل هو الله أحد»، و«قل أعوذ برب الفلق»، و«قل أعوذ برب الناس»، وآيات السحر في سورة «الأعراف»: (وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ {117} فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ {118} فَغُلِبُواْ هُنَالِكَ وَانقَلَبُواْ صَاغِرِينَ {119} وَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ {120} قَالُواْ آمَنَّا بِرِبِّ الْعَالَمِينَ {121} رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ) (الأعراف).
والآيات في سورة «يونس»: (وَقَالَ فِرْعَوْنُ ائْتُونِي بِكُلِّ سَاحِرٍ عَلِيمٍ {79} فَلَمَّا جَاء السَّحَرَةُ قَالَ لَهُم مُّوسَى أَلْقُواْ مَا أَنتُم مُّلْقُونَ {80} فَلَمَّا أَلْقَواْ قَالَ مُوسَى مَا جِئْتُم بِهِ السِّحْرُ إِنَّ اللّهَ سَيُبْطِلُهُ إِنَّ اللّهَ لاَ يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ {81} وَيُحِقُّ اللّهُ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ) (يونس)، وآيات سورة «طه»: (قَالُوا يَا مُوسَى إِمَّا أَن تُلْقِيَ وَإِمَّا أَن نَّكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقَى {65} قَالَ بَلْ أَلْقُوا فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِن سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى {66} فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُّوسَى {67} قُلْنَا لَا تَخَفْ إِنَّكَ أَنتَ الْأَعْلَى {68} وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى) (طه).
وكذلك قراءة سورة «البقرة»، عن أبي أمامة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «اقرؤوا سورة البقرة، فإن أخذها بركة، وتركها حسرة، ولا تستطيعها البَطَلَة» (رواه مسلم).
3- التداوي كما أوصى الرسول الكريم، بأكل 7 تمرات كل يوم، عن عامر بن سعد عن أبيه رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «من تصبح كل يوم سبع تمرات عجوة لم يضره في ذلك اليوم سم ولا سحر» (رواه البخاري).
4- العلاج بالحجامة في المحل الذي يصل إليه أذى السحر، قال ابن القيم: «الاستفراغ في المحل الذي يصل إليه أذى السحر؛ فإن للسحر تأثيراً في الطبيعة وهيجان أخلاطها وتشويش مزاجها، فإذا ظهر أثره في عضو وأمكن استفراغ المادة الرديئة من ذلك العضو نفع جداً».
5- استعمال ورق السدر مع الرقية: يقول القرطبي في تفسيره: روي عن ابن بطال قال: وفي كتاب وهب بن منبه أن يأخذ سبع ورقات من سدر أخضر فيدقه بين حجرين ثم يضربه بالماء ويقرأ عليه آية الكرسي ثم يحسو (يشرب) منه ثلاث حسوات (جرعات)، ويغتسل به فإنه يذهب عنه كل ما به إن شاء الله تعالى، وهو جيد للرجل إذا حبس عن أهله.