ذات يوم أوقف الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه ابنه عبدالله (وقيل جابر بن عبدالله) رضي الله عنهم وسأله: إلى أين أنت ذاهب؟ فقال عبدالله: للسوق، فقال الفاروق له: لماذا؟! فأجاب: لأشتري لحماً، وبرّر ذلك الشراء، بأنه اشتهى لحماً فخرج للسوق ليشتري بعضاً منه، فقال له الفاروق: أكلما اشتهيت شيئاً اشتريته.
إنها حكمة اقتصادية خالدة، وقاعدة استهلاكية رشيدة، خاصة ونحن نشهد في أيامنا هذه سباقاً محموماً يترافق معه أساليب تسويقية جديدة، وأساليب إعلانية مثيرة، ووسائل إعلامية جذابة، ودعايات كثيفة من أجل الشراء والمزيد منه.
وقد تبيّن من خلال تحقيقات عديدة أن شريحة واسعة من الناس تشتري ما لا تحتاج، وتستهلك من المنتجات والسلع أكثر من اللازم.
يقول وليام بنّ: إنّ ما ننفقه على أغراض الزينة الزائفة يكفي لكساء جميع العراة في العالم، وهكذا أصبحت حياتنا المترفة تملأ البطون بما لذّ وطاب وتغذي الأرواح بأشياء فارغة وفاسدة، فكم هو سخف الإنسان الذي يتظاهر دوماً بالذكاء والمعرفة! يقول سمايل: إنّ الحياة السهلة المترفة لا تدرّب الرجال على بذل الجهد أو مواجهة الصعاب ولا توقظ فيهم تلك المقدرة اللازمة للجهد الفعّال في الحياة.
بعض الرجال يعتبر اهتمام النساء الزائد بالموضات وبضرورة التجاوب معها بأنه انعكاس لعدم تحليّهن بقدر كاف من المعقولية في التفكير، يقول على غلوم: الشائع بيننا أن المرأة أكثر إسرافاً من الرجل، سواء في ملبسها أو إنفاقها، ولكن هناك من الرجال مَنْ هم أكثر إسرافاً في أموالهم وسلوكهم ومقتنياتهم، فالأمر نسبي ويرتبط بحجم ما يتوفر لدى الفرد من مغريات نحو الإسراف، وتقول صباح المالكي، في معرض حديثها عن الإسراف: من أسباب الإسراف حاجة المرأة لتملك بعض الأشياء التي ترى أنها في حاجة إليها لتجميل منزلها، أو لإضفاء البهجة على الأسرة والأبناء بوجه خاص من ألعاب وملابس واحتياجات.
وتؤدي الأنانية والنفعية الشخصية في كثير من الأسر والمجتمعات إلى الإسراف في استغلال مصادر الدخل، ومن ثم، ظهر على الساحة هوس تسوّقي غريب وإدمان شرائي كبير، وحمى استهلاكية عجيبة، يؤجّج ذلك كله إعلانات مثيرة ودعايات جذابة ومسابقات مغرية وحوافز مشجّعة.
وأكثر الإعلانات أثراً هي تلك التي يمكن إعادتها بصيغات متعددة، وفي أماكن يمكن رؤيتها من قبل أعداد كبيرة من الناس كبرامج التلفزيون المحبّبة للمشاهدين والصحف والأسواق المركزية.
تقول فوزية خليل، في معرض مشاركتها في تحقيق حول «هوس التسوق عند المرأة»: إن هوس التسوق عادة ما يكون انفعالياً، ويمثِّل عند المرأة طريقة تعويض عن معاناة عاطفية، أو نتيجة حرمان أو قلق أو تعاسة زوجية أو قلة حنان، وقد يكون هذا الهوس التسوقي عند النساء أكثر شيوعاً، وفي التحقيق نفسه تقول بدرية المطيري: هناك من النساء مَنْ يشترين أغراضاً ليست ضرورية ولا في حدود إمكانياتهن، ويدفعن بالرجال إلى دفع الكثير من أجل إرضاء رغباتهن الجنونية.
ومن أهم نتائج تحقيق أجري حول «الإعلانات التجارية والإسراف»: الإعلانات تدفع المرأة للشراء والمزيد منه، كما أن المرأة تشتري السلعة عادة على سبيل التجريب نتيجة الإعلان عنها، والمسابقات العديدة تغري الأطفال بالشراء بكثافة، ووصل التحقيق إلى نتيجة مهمة: الإعلانات التجارية مسؤولة إلى حد كبير في دفع الناس إلى الإسراف وخاصة المرأة، جرياً وراء التفاخر والمباهاة أو حباً للاستطلاع أو رغبة في التقليد.
إن عادة التقليد بين الناس لا تقتصر على قُطر من الأقطار أو جنس من الأجناس، بل إنها عادة عالمية يصعب تغييرها، إنّ النفس البشرية نفس لا تشبع، وفي الوقت نفسه لا تقنع، فهي طُلعة لكل نوع، متشوّفة لكل شكل، فضولية لكل لون، نعوذ بالله من عين لا تدمع، ومن قلب لا يخشع، ومن نفس لا تقنع، ومن بطن لا يشبع، ومن دعاء لا يستجاب له.
والتخمة، السُّمنة، السرف، التبذير، الترف، التبديد، الاستنزاف، تلال النفايات والقمامة، الثنائيات الاجتماعية، الترهل، اللامبالاة، كفر النعمـــة ما هــذه إلا بعض آثـار، لا شك أنها تتولد من السلوك الشرائي غير المنضبط، ومن الإدمان الاستهلاكي غير المتزن، ومن الإنفاق البذخي غير الرشيد.
إن صناديق القمامة تشهد أكياساً من الزبالة وألواناً من النفايات المنزلية أشبه بالتلال نتيجة الاستهلاك المنزلي الشره، وصدق مَنْ قال: إن الاستهلاك هو طوفان التلوث القادم.
فإذا أضفنا إلى ما سبق شيوع أخلاقيات الأنا والحسد والجشع والمباهاة والتقليد وكسر قلوب الفقراء والمساكين والمحتاجين واختلال الميزانيات الأسرية والاستدانة.. فإن هذا كله يستلزم أن نقف في وجه الوحش الاستهلاكي والغول الشرائي والإدمان الإنفاقي والهوس التسوقي من أجل أن نغلق وبشكل نهائي الملف الأسود للاستهلاك في كل بيت، وعند كل أسرة، وداخل كل مجتمع، وفي أي دولة، إننا لو جمعنا كل ما ينفق على الأمور التافهة في صندوق موحّد، ثم أنفق هذا على إزالة أسباب المأساة من حياة الكثيرين، لصلحت الأرض وطاب العيش فيها، وإذا تمثلت أعمالنا بالتدبير وحسن التصرف فإننا نستطيع التخلص من النقيضين وهما الإفراط في الإنفاق والاستهلاك، وحالات العوز والفقر، إذ يمكن للأول سدّ حاجات الثاني، بحيث يقترب النقيضان إلى معدل معقول.
عندما نذهب للسوق لشراء بعض الحاجيات، فإننا وللأسف، في الغالب، ندفع أثماناً لسلع ما كنا نرغب شراءها، فهذه رخيصة وتلك رائعة وهنا عرض خاص، وفي النهاية فالمطلوب دفع مبالغ كثيرة، أضعاف ما كنا ننوي دفعها.
ومن ثم، وحتى لا نقع فريسة سهلة في فخ الأسواق ونبدِّد أموالنا بأيدينا، فإني أقدِّم لنفسي ولإخواني وأخواتي 10 نقاط مهمة تساعدنا على الإبحار في الأسواق بأمان وتسهِّل علينا الإفلات من دوامات التسوّق وأعاصيره، بشرط أن نطبق هذه النصائح الذهبية بدقة وجدية.
أولاً: ينبغي أن نحدِّد الأشياء المرغوب في شرائها قبل الذهاب إلى السوق ونسجّلها في ورقة صغيرة، بدءاً بالضروريات ثم الكماليات، بحيث لا نترك لأنفسنا العنان في شراء كل ما نريد ونحتاج ونشتهي، إذ القاعدة تقول: ليس كل ما يُشتهى يُشترى.
ثانياً: يفضل تخصيص مبلغ معين للتسوّق يتناسب مع ميزانية الأسرة والكميات المطلوب شراؤها، مع تحديد وقت مناسب للتسوق، مع الحرص على شراء المطلوب دفعة واحدة دون الاضطرار للذهاب إلى السوق مرة تلو أخرى.
ثالثاً: ينبغي تركيز الاهتمام على السلع ذات النوعية الجيدة وليس غالية الثمن، فليس صحيحاً على الإطلاق ما يقال: إن الغالي منه وفيه، مع محاولة اختيار الأسواق التي يكون بها تخفيضات حقيقية، على أنه ينبغي الحذر من شراء ما فوق الحاجة ولو كان الثمن رخيصاً.
رابعاً: يجب ألاّ نلتفت كثيراً إلى الإعلانات المغرية من أجل حصر الاهتمام وتركيز الوقت التسوّقي فيما هو مدوّن في الورقة الصغيرة، حذراً من أن نجعل جيوبنا فريسة لأصحاب الإعلانات الجذابة.
خامساً: ينبغي ألاّ ننسى أدعية دخول الأسواق، إذ إن الأسواق غالباً يكثر فيها المعاصي، ولذا ينبغي الحذر من ألاّ نخسر في السوق شيئاً من قيمنا الدينية وأخلاقنا الاجتماعية فوق ما نخسره من جيوبنا!
سادساً: لنحذر من أن نجعل أنفسنا ميداناً للتجريب لكل ما يعلن عنه من المنتجات الجديدة أو تعرضه الدعايات بأشكال مغرية سواء أكان مأكولات أو ملبوسات أو أدوات تجميل.
سابعاً: ينبغي أن نلاحظ الأسعار، فكلما كانت مرتفعة فيمكن استبدال منتجات أخرى بتلك المنتجات عالية القيمة، ولو كانت أقل جودة، ما دام أنه يفي بالغرض.
ثامناً: لنعلــم أن السوق ليست بـمنتزه ولا مكاناً للترفيه.
تاسعاً: ليكن تسوقنا حين الحاجة وفي أوقات محددة، دون تحديد أيام معينة للتسوق أو إلزام أنفسنا بالتسوق في ساعات معينة.
عاشراً: ينبغي أن نحذر من الذهاب إلى الأسواق ونحن جياع، فإن العواقب غير حميدة.
ومن النصائح التي يمكن توجيهها لمن ابتلي بحمى الشراء:
1- تخلص من القيم الاستهلاكية السيئة الضارة، حتى لا يتسبب الاستهلاك الترفي في وجود الفقر وسط الرخاء، إذ باستمراره قد تضيع موارد الأسرة ويُفقد معها التوازن الأسري والنفسي والاجتماعي.
2- قدِّر الكميات المطلوبة والجودة والنوعية والفترة الزمنية لاستهلاك السلع والخدمات.
3- اكبح جماح انفعالاتك العاطفية المتعلقة بالكميات المطلوب شراؤها واستهلاكها سواء على مستوى الأطفال أو النساء أو الأسرة.
4- راقب الاستهلاك بصفة مستمرة وتحكم فيه عن طريق التوعية المستمرة والقرارات الرشيدة، ونبِّه أفراد الأسرة على خطورة الاستهلاك المرتفع.
5- شجِّع أفراد أسرتك ومجتمعك أطفالاً وشباناً ونساءً على الادخار الإيجابي وضرورة تيسير قنوات فعالة وأوعية مناسبة لاستثمار مدخراتهم.
6- احذر تأثير وسائل الإعلان وفنون الدعاية التي تدعو إلى الشراهة الاستهلاكية ونهم الإنفاق وحمى الشراء والتسوق.
7- ابتعد عن تقليد المجتمعات المترفة ذات النمط الاستهلاكي الشره المتلاف المترف.
كما أن هناك بعض الخطوات المهمة التي ينبغي للمرأة عندما تشعر بأن حافز الإنفاق يدفعها إلى مزيد من الإسراف والتبذير والتسوق والشراء أن تتعامل معها بعناية واهتمام:
أولاً: تمهلي قليلاً قبل أن تخرجي نقودك، واسألي نفسكِ إن كان هذا الشعور حقيقياً أم انفعالياً.
ثانياً: احرصي على ألا تشتري محبة الآخرين بالهدايا والإنفاق المفرط.
ثالثاً: اسألي نفسكِ قبل الشراء إذا كان بالإمكان شراء ما هو أفضل إذا أتيحت فرصة عرض سعري أفضل.
رابعاً: اسألي نفسكِ عن الحاجة الضرورية للشراء هذا اليوم.
خامساً: حدِّدي جوانب النقص العاطفي عندكِ؛ لمعرفة إن كان هذا الشراء المفرط يعوِّض هذا النقص.
_____________________
للتواصل: zrommany3@gmail.com.