أخرج الإمام أحمد والترمذي بسند صحيح عن عمرَ بنِ الخطاب قَالَ: اسْتَأْذَنْتُ النَّبِيَّ ﷺ في العُمْرَةِ، فَأَذِنَ لِي وَقالَ: «لا تَنْسَانَا يَا أُخَيَّ مِنْ دُعَائِكَ»، فَقَالَ كَلِمَةً مَا يَسُرُّني أَنَّ لِي بِهَا الدُّنْيَا، وفي روايةٍ قَالَ: «أَشْرِكْنَا يَا أُخَيَّ في دُعَائِكَ».
في هذا الحديث دليل على جواز طلب الدعاء من الحجاج واستحبابه، فالحجاج ضيوف الله، وهم في أقدس الأماكن ويؤدون أقدس العبادات، وحالهم في العبادة والاجتهاد يوحي بالقرب من الله تعالى، ومن كان هذا حاله فإنه أقرب إلى إجابة الدعاء.
ضوابط طلب الدعاء من الصالحين
قد يفتح طلب الدعاء من الصالحين باباً من أبواب الملل والتعب لهؤلاء الصالحين من كثرة ما يطلب الناس الدعاء منهم، كما قد يتخذ البعض من ذلك وسيلة إلى الاستهزاء بهم، كما قد يظن البعض أنهم يملكون الضر والنفع، فيكون ذريعة إلى الشرك –والعياذ بالله- ولهذا كان لا بد من ضوابط لطلب الدعاء من الصالحين، ومنها:
1- الانتفاع بالدعاء للطالب والمطلوب منه؛ وفي هذا يقول الإمام ابن تيمية في «مجموع الفتاوى»: «وَمَنْ قَالَ لِغَيْرِهِ مِنْ النَّاسِ: اُدْعُ لِي -أَوْ لَنَا- وَقَصَدَ أَنْ يَنْتَفِعَ ذَلِكَ الْمَأْمُورُ بِالدُّعَاءِ وَيَنْتَفِعَ هُوَ أَيْضًا بِأَمْرِهِ وَيَفْعَلَ ذَلِكَ الْمَأْمُورُ بِهِ كَمَا يَأْمُرُهُ بِسَائِرِ فِعْلِ الْخَيْرِ فَهُوَ مُقْتَدٍ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُؤْتَمٌّ بِهِ».
2- عدم الوقوع في المحذور؛ فإن طلب الدعاء من الرجل الذي ترجى إجابته إما لصلاحه وإما لكونه يذهب إلى أماكن ترجى فيها إجابة الدعاء كالسفر والحج والعمرة وما أشبه ذلك هو في الأصل لا بأس به، لكن إذا كان يخشى منه محذور، كما لو خشي من اتكال الطالب على دعاء المطلوب، وأن يكون دائماً متكلاً على غيره فيما يدعو به ربه، أو يخشى منه أن يُعجَب المطلوب بنفسه، ويظن أنه وصل إلى حد يطلب منه الدعاء فيلحقه الغرور، فهذا ممنوع.
استحباب طلب الدعاء من الحجاج
لقد أكد النبي صلى الله عليه وسلم أن دعوة المسلم لأخيه بظهر الغيب مستجابة، ففي صحيح مسلم عَنْ صَفْوَانَ قَالَ: «قَدِمْتُ الشَّامَ فَأَتَيْتُ أَبَا الدَّرْدَاءِ فِي مَنْزِلِهِ فَلَمْ أَجِدْهُ، وَوَجَدْتُ أُمَّ الدَّرْدَاءِ فَقَالَتْ: أَتُرِيدُ الْحَجَّ الْعَامَ؟ فَقُلْتُ: نَعَمْ قَالَتْ: فَادْعُ اللهَ لَنَا بِخَيْرٍ فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ: «دَعْوَةُ الْمَرْءِ الْمُسْلِمِ لِأَخِيهِ بِظَهْرِ الْغَيْبِ مُسْتَجَابَةٌ، عِنْدَ رَأْسِهِ مَلَكٌ مُوَكَّلٌ كُلَّمَا دَعَا لِأَخِيهِ بِخَيْرٍ قَالَ الْمَلَكُ الْمُوَكَّلُ بِهِ: آمِينَ وَلَكَ بِمِثْلٍ».
كما يدل على استحباب طلب الدعاء من الصالحين، وخاصة من كان بينه وبين الله حال، ما رواه الإمام مسلم في صحيحه عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «يَأْتِي عَلَيْكُمْ أُوَيْسُ بْنُ عَامِرٍ مَعَ أَمْدَادِ أَهْلِ الْيَمَنِ، مِنْ مُرَادٍ ثُمَّ مِنْ قَرَنٍ، كَانَ بِهِ بَرَصٌ فَبَرَأَ مِنْهُ إِلَّا مَوْضِعَ دِرْهَمٍ، لَهُ وَالِدَةٌ هُوَ بِهَا بَرٌّ، لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللهِ لَأَبَرَّهُ، فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ يَسْتَغْفِرَ لَكَ فَافْعَلْ».
على المسلم أن يحرص على حسن اللجوء إلى الله تعالى والإقبال عليه من كل باب من أبواب الخير، فيدعو بنفسه ويطلب من الصالحين والحجاج والعمار والمسافرين والمرضى وكل من كان حاله مظنة الإجابة أن يدعو الله له من غير إثقال أو خروج عن المشروع.