في مثل هذه الأيام المباركة كان حجاج غزة يستعدون لرحلة انتظروها أعواماً عديدة لتلبية نداء الله تعالى بالحج لقوله سبحانه: (وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَىٰ كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ) (الحج: 27).
فكانت الفرحة تغمر كل من كان لاسمه نصيب في القرعة التي كانت تُجرى سنوياً في حال كان معبر رفح البري مفتوحاً.
هذا العام قاسٍ جداً لأهالي قطاع غزة، حيث الحرب الصهيونية وسياسة التجويع وقصف البيوت على ساكنيها، وزاد الوجع بحرمانهم من الحج.
فلم يعد أحد منهم بحاجة إلى الحصول على تأشيرة الحج، فالحرب أنهت أحلامهم بالطواف حول الكعبة وزيارة قبر الرسول صلى الله عليه وسلم.
فرحة الحج والعيد
هذا العام سرق الاحتلال حق غزة في موسم الحج، سرقوا فرحة الأجواء الجميلة التي تغمر بيت الحجاج حيث يستعد أهل كل حاج عادة في تزيين المنزل وتجهيز الهدايا والحلويات ابتهاجاً باستقبال المهنئين في عودة الحاج.
والفرحة ذاتها سرقها الاحتلال من أطفال ونساء ورجال غزة في استقبال العيد، حيث ملابس الأطفال الجديدة والحلويات اللذيذة استقبال العيد، ففي هذه الفرحة تعظيم لشاعر الله تعالى حيث يقول في كتابه العزيز: (ذَٰلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ) (الحج: 32).
وصلاة العيد التي كانت ينتظرها الصغير والكبير، حيث يذكر بها الإمام أنه رغم الظروف لا بد من إشاعة الفرح والحرص على صلة الأرحام.
أضحية العيد
رغم الحصار بالأعوام السابقة، فإن الكثير من أهالي غزة كانوا يحرصون على الأضحية لما فيها من عبادة عظيمة طاعة لله عز وجل، وتطبيقاً لسُّنة الرسول صلى الله عليه وسلم؛ حيث يقول الله تعالى: (وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُم مِّن شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ ۖ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ ۖ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ ۚ كَذَٰلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) (الحج: 36).
لكن هذا الموسم اختلف الأمر كثيراً، فأسعار الأضاحي، إن وجدت أصلاً، غالية جداً، وبذلك حرم الكثير من الحصول على حصة من الأضحية.
لقد كان عيد الأضحى فرحة غامرة لفقراء غزة، فهم ينتظرون العيد ليتناولوا اللحم، إلا أن هذا العام أصبحت غزة بأكملها تشتهي اللحم وليس الفقراء فحسب!
دماء غزة
غزة إن لم تستطع أن تضحي وتطوف حول الكعبة وتقف في عرفة هذا العام، إلا أنها ضحت بأطفالها ونسائها ورجالها في سبيل الله تعالى، وهي لا تدافع عن أرضها فحسب؛ بل عن عقيدتها ودينها وعن المسلمين، فهي ما زالت في الميدان تقدم المزيد من الشهداء.