أيامٌ قليلة ويهلّ علينا عيد الأضحى المبارك، هذا العيد الذي ينتظره جميع المسلمين في العالم ليستمتعوا بطقوسه وأجوائهِ الرائعة، الذي يُصادف الأحد المقبل الـ10 من ذي الحجة، ونفرد هذه المساحة التقريرية لنتعرف وبشكلٍ مفصّل عن أهم التجهيزات وطرق الاستعداد لعيد الأضحى لدى مسلمي إثيوبيا (الحبشة).
ما أن تطل الأيام المباركات من شهر ذي الحجة، ويبدأ المسلمون في إثيوبيا الاستعدادات بتحضير جميع المستلزمات من الأضحية وشراء الملابس الجديدة وأنشطة أخرى من نظافة المنازل والشوارع العامة، كما هي الحال في جميع بلاد المسلمين، إظهاراً للبهجة والسرور بهذه المناسبة المباركة ضمن ترتيبات وعادات فريدة لدى مسلمي إثيوبيا، هكذا بدأ الصحفي والباحث الإثيوبي كمال سليمان حديثه لـ«المجتمع».
الأضحى.. العيد الأكبر
وقال سليمان: إن عيد الأضحى يعرف بـ«العيد الكبير» لدى مسلمي إثيوبيا، ويعني لهم الكثير، حيث يترقبه الجميع وتسبقه تحضيرات على مستوى الأسر والأفراد، وتشهد الأسواق حركة ونشاطاً، خاصة سوق المواشي والخراف والأسواق حول الأحياء الشعبية ذات الأغلبية المسلمة.
وأضاف أن مسلمي إثيوبيا كغيرهم من مسلمي العالم يستقبلون عيد الأضحى المبارك وسط أجواء احتفالية وحركة تسوق استثنائية مميّزة، ويترقبون حلول «يوم عرفة» بشوق كبير، وتكتظ الأسواق قبيل العيد وخصوصاً سوق «ماركاتو» الشهير الذي يرتاده الكثير من المسلمين بجانب أسواق الأحياء التي يكثر فيها المسلمون.
وسوق «ماركاتو» وسط العاصمة أديس أبابا أكبر تجمّع تجاري مفتوح في إثيوبيا وأفريقيا عموماً، إلى جانب أسواق الأحياء التي يقطنها الكثير من المسلمين كسوق بيتل، وقيرا، وألم قنا، وغيرها من الأحياء الشعبية بالعاصمة.
ولفت سليمان إلى أن مسلمي إثيوبيا يهتمون بالأيام العشر من ذي الحجة بالصيام والذكر والتقرب إلى الله، فيما يصوم أغلب مسلمي إثيوبيا الوقوف بعرفة، وأردف أن الإفطار بعد صيام يوم الوقوف بعرفة يتحول إلى كرنفال مسائي حيث حلقات الذكر الموشحة بالأناشيد والمدائح الدينية، تعرف محلياً بالمنظومة في مدح النبي صلى الله عليه وسلم، واستعراض القيم الإسلامية الفاضلة.
ويقدر سكان إثيوبيا بـ120 مليون نسمة، بينهم أكثر من 50 مليون مسلم يتوزعون في مختلف أقاليم البلاد الـ12، وبصورة أكبر في أقاليم أوروميا، والصومالي الإثيوبي، والعفر ومناطق واسعة من جنوب البلاد كقوميات سلطي وحلابا ذاتي الأغلبية المسلمة، إلى جانب قوراقي وهدية بنسب متفاوتة.
«عرفة» ملتقى جامع للأسر
«يمثل «عيد عرفة» الملتقى الأكبر الذي ننتظره ونترقبه بكل سعادة للقاء الأبناء والبنات المتزوجين الذين عادة ما يقضون معنا العيد في المنزل»، هكذا عبرت الحاجة حليمة خضر، مستعرضة كيف تستقبل الأيام المباركات لعيد الأضحى.
وأوضحت خضر (52 عاماً) لـ«المجتمع» أنه بمجرد اقتراب موعد عيد الأضحى المبارك تبدأ النساء في تنظيف المنزل وتزيين الشوارع قبل العيد، وذلك لإظهار الفرحة والاستعداد للعيد، وقالت: إن النساء يقمن بتنظف البيت بشكلٍ جيد استقبالاً لهذا العيد المبارك، وذلك عن طريق تنظيف الأثاث، بل وتغيره في أغلب الأحيان، وتوزيع الديكورات الأنيقة والزهور، مشيرة إلى أن نساء المسلمين يتباهين بمستوى استقبال عيد الأضحى.
وأضافت: يعتبر العيد لدى قوميات الجنوب الإثيوبي خاصة قوراقي وسلطي وحلابا فرصة كبيرة لتجمع البنات وأزواجهن بأضاحيهم إلى منزل البيت الكبير، مشيرة إلى أنهم عادة ما يشتركون في شراء ثور ويذبحونه في عيد الأضحى.
النساء يحتفلن عشية العيد
وعشية عيد الأضحى وبعد صيام يوم عرفة، يعتبر عيداً للنساء لدى ثقافة بعض القوميات المسلمة بإثيوبيا، حيث يفطرن النساء في مكان واحد ويحتفلن ليلاً بعد أن تناولن الإفطار المعد من الخضراوات الخالية من اللحوم.
وقالت خضر، تسكن حي بيتل غرب العاصمة أديس أبابا ذات الأغلبية المسلمة: إن جميع بناتها المتزوجات يحضرن لمنزلها مع أزواجهن لقضاء إجازة العيد وهن محملات بالهدايا التي تشتمل على السمن والعسل الذي يتم تحضيره قبل قدوم العيد.
وأكثر ما تعرف به ثقافة القوميات الإثيوبية المسلمة في الأعياد هو شرب القهوة التي تمثل سيدة الأطباق والموائد في المناسبات، وقالت خضر: إن القهوة أهم مشروب حيث تتحلق الأسرة يتوسطهم كبير البيت، والقهوة تكون حاضرة دائماً في مائدة العيد كأهم عنصر وبصورة دائمة في جميع المناسبات والأعياد الدينية.
وأردفت: هناك مشروبات مصنعة محلياً من الشعير تعرف بـ«قاريبو»، يتم تحضيرها للعيد، بجانب مشروبات أخرى تجهز من العسل والنباتات الطبيعية.
أبرز التقاليد
ولا تكتمل فرحة العيد إلّا بعد شراء الملابس الجديدة التي تساهم بإدخال البهجة والسرور إلى قلوب الكبار والصغار، لهذا يقوم الآباء بشراء ملابس الأطفال فضلاً عن تجهيز الأضاحي، وعادة ما تكون خياطة الملابس بطريقة تقليدية تتماشى مع موسم الأمطار التي تهطل بغزارة؛ لذلك يتم تفصيل الملابس في شكل سراويل قصيرة وقمصان قطنية تقي البرد، وفق ما هو متعارف في بلاد الحبشة.
وبدأ الباحث والأكاديمي الإثيوبي فتح الباري محمد نور، حديثه لـ«المجتمع»، عن ثقافة قوميتي حلابا وسلطي ذات الأغلبية المسلمة والأصول العربية قائلاً: الأعياد الدينية الفطر والأضحى والمولد النبوي الشريف لدى قوميتي حلابا وسلطي تاريخياً تعتبر من أهم الأعياد، ويمثل الاحتفال بعيد الأضحى لدى سلطي وحلابا بالإقليم الأوسط أحد أهم المهرجانات تسبقها استعدادات مبكرة.
وتابع: يحتفل بـ«عيد عرفة» بأبهة عظيمة وتسبقه استعدادات كبيرة في كل عائلة، حيث تبدأ النساء بتخزين الزبدة والسمن، وتحضير البهارات المختلفة، فيما يقوم الأبناء والبنات بطلاء جدران المنازل بألوان زخرفية متعددة بتصاميم مختلفة.
ولفت إلى أن المسلمين في إثيوبيا أغلبهم يفضل أن يقضوا فترة عيد الأضحى مع الأسرة الكبيرة (الوالدين)، فيعودون من المدينة خاصة العاصمة إلى قراهم وأقاليمهم الأصلية وهم يحملون الهدايا وتحضيرات الأضحى وما يحتاجونه أيام العيد الثلاث.
ولعل أبرز القوميات الإثيوبية ذات الأغلبية المسلمة في جنوب وغرب البلاد نجد قوميات حلابا وسلطي، إلى جانب قوراقي وهدية بمستويات أقل وغيرها من القوميات في إقليمي الأوسط والجنوب، وقوميات الأورومو والصومال وعفار وبني شنقول.