في الكويت القديمة، كان أهلها يبتكرون أساليب تربوية جميلة تتماشى مع بساطة مجتمعهم. من بين هذه الدروس التربوية المليئة بالعبر، تبرز مواقف الطواش جاسم بن محمد المباركي، رحمه الله، والتي رواها حفيده السفير جاسم مبارك المباركي.
درس في التواضع
يروي السفير جاسم: “أخبرنا الوالد مبارك جاسم المباركي عن جدي جاسم بن محمد المباركي، أنه في يوم من الأيام رأى ابنه الأكبر، محمد، متأنقاً في السوق بالدشداشة والغترة والعقال، ويلبس السديري ومعلق الساعة ذات السلسلة بالجيب. ناداه وأمره أن يحمل بنفسه ما اشتراه من أغراض ويذهب بها إلى البيت. كان محمد يشعر بالفخر كونه ابن التاجر الغني، ويرى أن حمل المشتريات ليس من اللائق به، خاصة بوجود العديد من العاملين والحمالين في السوق. ولكن والده كان يرى ضرورة غرس روح التواضع والاعتماد على النفس فيه”.
المسؤولية والأناقة
في ذلك الوقت، كان محمد مسؤولاً عن الأراضي الزراعية التي يمتلكها والده في جنوبي العراق ومنطقة أبو الخصيب، مما يجعله يظهر بشكل مترف ومهندم. لكن والده، التاجر جاسم المباركي، كان له رأي آخر، ورأى أن الأناقة لا تتماشى مع صفات الابن المثالي الذي يأمل أن يكونه.
درس آخر مع الابن الأصغر
لم يقتصر التوجيه التربوي لجاسم المباركي على ابنه الأكبر فقط، بل شمل أيضاً ابنه الأصغر، مبارك. في إحدى المرات، عاد مبارك من السوق حاملاً كيساً مملوءاً بالروبيات ووضعه بين يدي والده في الديوان. فوجئ بأمر والده أن يذهب فوراً لجلب الماء من الشامية، وهي مورد مياه مشهور بالآبار في تلك الفترة. رغم تعجبه، نفذ مبارك الأمر على الفور. شعر بالحرج الشديد عندما شاهده بعض رفاقه وهو يشتري الماء ويحمله بنفسه إلى البيت، وهو ابن التاجر الكبير المعروف، جاسم المباركي، الذي لديه العديد من العاملين القادرين على أداء هذه المهمة.
حكمة تربوية
لم تكن هذه المواقف التربوية غريبة على التاجر جاسم المباركي. في حديثه مع صديقيه، جاسم الجبر وفهد الفوزان، كانوا يصفون الصورة المثالية للأبناء بقولهم: “حلاة الرجال أملح ناقع نصه بالماي يشيل ويحط، مو الولد اللي يكشخ بالساعة والسديري”.
ختاماً
بهذه المواقف، قدم جاسم بن محمد المباركي نموذجاً رائعاً في التربية، معتمداً على غرس قيم التواضع والاعتماد على النفس في أبنائه. رحم الله جاسم بن محمد المباركي وأسكنه فسيح جناته، وجزاه خيراً على ما قدمه من دروس وحكم لأبناء الكويت.