من الأسئلة المتكررة، حكم حلق الشعر وتقليم الأظافر لمن أراد أن يضحي، وقد تعددت الآراء في ذلك، وأوجزها فضيلة الشيخ عبدالله بن زيد آل محمود رحمه الله في الآتي (باختصار):
إن الأصل في ذلك ما ثبت من حديث أم سلمة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله ﷺ: “من كان له ذبح يذبحه، فإذا أهل هلال ذي الحجة، فلا يأخذ من شعره ولا من أظفاره شيئاً حتى يضحي” (مسلم).
وقد ورد هذا الحديث من طريق أم سلمة وحدها، ولم يروه أحد من الصحابة غيرها، وقد أنكرت عائشة رضي الله عنها على أم سلمة (فهم) هذا الحديث، مبينة أن الرسول ﷺ قال هذا في حق من أحرموا بالحج، وذلك لكون أهل المدينة يهلون بالحج عند طلوع هلال ذي الحجة.
وقالت: ولقد فتلت قلائد هدي النبي ﷺ، فلم يمتنع من شيء كان مباحاً. أي لا من الطيب، ولا من النساء، ولا غير ذلك من شعره وأظفاره (المغني).
ولقد مكث ﷺ في المدينة عشر سنين؛ وهو يضحي عن نفسه وعن أهل بيته، ولم يثبت عنهم هذا النهي.
ومن المعلوم أن السيدة عائشة هي أعلم بأحوال رسول الله ﷺ، وأعرف من أم سلمة بحديثه، ولو كان هناك نهي للمضحي عن أخذ الشعر وقلم الظفر؛ لما خفي عليها أبداً،
ولكان من لوازم هذا النهي أن يشتهر بين الصحابة، ولم نعلم أن أحداً قال به، ما عدا انفراد أم سلمة بحديثه، وقد عللوا هذا النهي بأنه تشبه بالمحرِم (المغني).
وقول عائشة هو المعقول المطابق للحكمة، إذ لا يمكن أن ينهى رسول الله ﷺ عن أخذ الشعر وقلم الظفر، ويبيح ملامسة النساء والطيب، ولو كان هذا التشبه صحيحاً، لوجب الكف عن الطيب والنساء، ولم يقل بذلك أحد.
وقد اختلف الأئمة في هذه المسألة:
– فقال أبو حنيفة بجواز أخذ الشعر وقلم الظفر للمضحي بلا كراهة،
– وذهب الإمام مالك والشافعي إلى أنه مكروه كراهة تنزيهية،
– وذهب الإمام أحمد في الرواية الراجحة في مذهبه إلى أنه حرام، اعتماداً منه على حديث أم سلمة.
– وقال في الإنصاف 4/109: الراجح الكراهة لا التحريم، اختاره القاضي وجماعة.
وعلى كلا القولين، فإن الرجل والمرأة لو أخذ كل منهما من شعره أو قلم أظفاره وأراد أن يضحي، فإن أضحيته صحيحة بلا خلاف، (المغني بإجماع أهل العلم).
وقول الأئمة بكراهة أخذ الشعر؛ هو تمشياًً منهم مع حديث أم سلمة.
وقد جرى من عادة الفقهاء أن ينقل بعضهم عن بعض، فتتابعوا على القول بالكراهة ما عدا أبا حنيفة، فقد قال: لا كراهة ولا تحريم في ذلك.
وبمقتضى الترجيح، يتبين أن قول عائشة هو أصح وأصرح، حيث بيَّنت السبب المقتضي للنهي، وكون أخذ الشعر وقلم الظفر هما من محظورات الإحرام، والأدلة إذا تعارضت يقدم منها ما هو أقوى وأصح.
وأرى الصحيح أنه لا تحريم ولا كراهة في حلق الشعر وقلم الظفر لمن أراد أن يضحي، كما لا تحريم في ملامسة النساء والطيب.
وقد قالوا: إنَّ النهي محمول على الكراهة، فإن هذه الكراهة تزول بأدنى حاجة، إذ هي كراهة تنزيه؛ يثاب الإنسان على تركها، ولا يعاقب على فعلها، عكس المستحب الذي يثاب الإنسان على فعله، ولا يعاقب على تركه، وأبعد الأقوال عن الصواب قول من يدَّعي التحريم.
وما شاع في بعض البلدان على ألسنة العامة من قولهم: أن من أراد أن يضحي، وَجَب عليه أن يُحرم، فهذا مما لا صحة له إطلاقاً، إذ لا إحرام إلا لمن أراد الحج أو العمرة، وليس على أحد في غيرها إحرام.
لهذا يجوز في عشر ذي الحجة لمن أراد أن يضحي أن يفعل سائر المباحات من الطيب والنساء، وإن احتاج إلى حلق شعره أو قلم ظفره فعل ذلك ولا فدية عليه ولا كراهة فيه، وكذلك المرأة إذا احتاجت إلى نقض شعرها فتساقط منه شيء، فإنه لا كراهة في ذلك، وأضحيتها صحيحة.
هذا وإن الذي جعل الناس يتورعون عن أخذ شعرهم وقلم أظفارهم ويرونه أمراًَ كبيراً في أنفسهم، هو كون الخطباء يخطبون الناس في عشر ذي الحجة بالتحريم، ولم يجدوا من يبين لهم طريق التيسير، وكون الأمر سهلاً وليس عسيراً، وغاية الأمر أنه مكروه كراهة تنزيه، والكراهة تزول بأدنى حاجة.
والله أعلم. انتهى.
وتقبل الله طاعتكم، وعساكم من عواده
د.عصام عبداللطيف الفليج