العيد: ما يعاود مرة بعد أخرى، وأصل العيد كل يوم فيه جمع، ثم قيّد بالسرور. وخص في الشريعة بيوم الفطر ويوم النحر، ولما كان ذلك اليوم مجعولا للسرور في الشريعة كما نبّه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: “أيام التشريق أيام أكل وشرب وذكر لله“[1] صار يستعمل في كل يوم فيه مسرة، وعلى ذلك قوله تعالى: (أنزل علينا مائدة من السماء تكون لنا عيدا) [سورة المائدة: 114] أي: نعود إليها مرة بعد مرة سرورا بها[2].
والأعياد في الإسلام تأتي عقب مواسم طاعات عظيمة، فعيد الفطر يأتي بعد أداء أحد أركان الإسلام الخمسة وهو الصيام، وكذا يأتي عيد الأضحى بعد أداء ركن الحج، وبعد صيام عرفة لغير الحاج وما فيه من تكفير لذنوب سنتين سابقة ولاحقة، فأي سرور أعظم من ذلك، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “صيام يوم عرفة أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله والسنة التي بعده“[3]، وحُق لمن وُفق لأداء هذه الطاعات العظيمة أن يظهر الفرح والسرور، ولا ينبغي لقائل أن يقول: وكيف نفرح ونسر بالعيد ودماء إخواننا في فلسطين أو في أي مكان في العالم تنزف بشكل يومي؟ ذلك أن فرحنا وسرورنا هو استجابة لأمر الله تعالى، والمؤمن يعظم شعائر الله تعالى، على أن ندرك تماما أن الذي شرع لنا العيد أوجب علينا نصرة المستضعفين ولو كانوا غير مسلمين، فكيف إن كانوا مؤمنين يذودون عن حمى الإسلام والمسلمين، ويجاهدون لاسترداد مسرى نبينا الأمين صلى الله عليه وسلم.
إن المؤمن لا يعيش في انفصام عن هموم المسلمين، بل يهمه ما يهمهم، ويسعى لرفع الظلم عنهم، وهو في هذا الطريق يجاهد نفسه وهواه، تسره حسنته، وتحزنه سيئته، يفرح لأداء الطاعة، ويندم لارتكاب المعصية، وهو يدرك أن عمود الدين الصلاة، وأن ذروة سنامه الجهاد، وغاية سعادته أن يمتثل أوامر ربه فيحرص أن يلقاه حيث يحب أن يكون، ويحرص ألا يكون حيث نهاه.
وكما أننا نتألم لفقد عزيز أو لظهور عدو، فإننا نفرح لطاعة ربنا ونسر، وإن رجاءنا في الله لا ينقطع مهما قويت أسباب اليأس، لعلمنا أن الله الحكيم -القادر على كل شيء- أعلم بالمصالح، ولعل الله يريد منا صدق التسليم بقضائه، وجميل الصبر على ابتلائه، وكثرة اللجوء إليه، والإلحاح في الدعاء له، قال تعالى: (أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ . وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ ۖ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ) [سورة العنكبوت: 2-3] وكما أننا نفرح بنصر الله تعالى، نفرح بأداء الطاعة والعبادة، ونفرح بنصرة المستضعفين في فلسطين وفي كل مكان، ونحزن لمصابهم ونهتم لأمرهم.
وأحسب أن أهلنا في غزة أكثر الناس فهما لهذه المعادلة، فهم على شدة البلاء يقهرون العدو بثباتهم وبإظهار رضاهم بقضاء الله وقدره، وسنجدهم صباح العيد مهللين مكبرين يهنئ بعضهم بعضا بمقدم العيد، بل وإنهم يستعدون لعقد عرس جماعي في أيام العيد، ولعمر الله إن فعل ما يغيظ العدو عبادة، اللهم ألبسهم لباس الصحة العافية وتقبل شهداءهم واشف مرضاهم وفك أسراهم، واقهر عدوهم.
ونختم بوصية نفيسة من وصايا ابن الجوزي: “إياك إياك أن تستطيل زمان البلاء، وتضجر من كثرة الدعاء، فإنك مبتلى بالبلاء، متعبد بالصبر والدعاء،، ولا تيأس من روح الله وإن طال البلاء”[4].
اللهم استعملنا ولا تسبدلنا.
__________________
[1] رواه مسلم (ح1141).
[2] انظر: الراغب الأصفهاني، المفردات، مادة (عود). والبقاعي، نظم الدرر 6/375.
[3] رواه مسلم (ح1162).
[4] ابن الجوزي، صيد الخاطر، ص431.