تعاني بعض الأسر من لجوء أطفالها إلى الكذب المتكرر، وقد تخشى تحول ذلك السلوك البغيض إلى عادة ذميمة ملاصقة له في الكبر، ما سيكلفه فقدان ثقة الآخرين، وقد يجلب له الكثير من المشكلات.
يقول خبراء التربية: إن عمر الطفل عامل رئيس في تحديد ظروف وأسباب الكذب، مثلاً الطفل الأقل من عمر 6 سنوات قد يلجأ للكذب كنوع من الخيال، حيث لم يميز بعد بشكل واضح بين الخيال والواقع.
وقد يلجأ إلى الكذب عمداً حتى يتجنب الوقوع في مشكلة ما، أو يتلافى غضب والديه، أو قد يرغب في الحصول على شيء يريده، وقد يكثر من الكذب إذا عاش في بيئة صارمة أو مليئة بالتهديد والعقوبة، وفق موقع «فري ويل فاميلي».
ومن الأسباب الأخرى المسببة للكذب لدى الطفل تجنب القيام بمهام لا يرغب في القيام بها، مثل ترتيب غرفته أو أداء الواجبات المدرسية، كذلك الشعور بعدم الرضا عن شيء ما في حياته، أو الرغبة في الحصول على شيء ما، أو لفت الانتباه، أو عدم إحباط الوالدين، كذلك قد يكذب طفلك من أجل التفاخر أمام الأصدقاء، ونيل مكانة غير مستحقة بين أقرانه.
ومن المهم بعد معرفة أسباب الكذب لدى الطفل استكشاف علامات ذلك، ومنها تجنب التواصل البصري معك، وظهور ردود الفعل الدفاعية مثل حركات اليد، أو لمس الوجه، أو حك الأنف، أو حك الأذن، كذلك عندما يتجنب المحادثة حول أمر ما، أو يقدم إجابات مقتضبة، أو تغيير الموضوع عند التحدث عن أمر ما، والتشتت وكثرة الكلام علامة تدل أن الطفل يحاول جعل القصة أكثر تصديقاً.
من العلامات الأخرى على الكذب التناقض في الحديث، والتلعثم، وارتجاف اليدين والقدمين، واختلاف نبرة الصوت، كذلك عندما يتأخر الطفل في الإجابة عن سؤال تم توجيهه إليه، وعندما تبدو روايته غير متسقة، أو تظهر على وجهه علامات الخوف والتردد، أو إذا حافظ على مسافة بينك وبينه، ووضع حاجز ما، ربما يخشى هنا رد فعلك إذا تبينت كذبه.
ومن أجل تجاوز ذلك، والتخلص من مشكلة الكذب، على الوالدين، تفهم أن ذلك أمر طبيعي يحدث عند كل الأطفال في سن ما، لكن المهم ألا يطول معهم أو يصبح ملازماً لهم، وللتخلص من هذا الخلق الذميم، يجب الآتي:
1- تشجيع الطفل على التحلي بالصدق، وغرس ثقافة الصدق في نفسه من خلال قصص تظهر الأثر الإيجابي للصدق، وبيان فضله عند الله، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «عَلَيْكُمْ بِالصِّدْقِ، فَإِنَّ الصِّدْقَ يَهْدِي إِلَى الْبِرِّ، وإِنَّ الْبِرَّ يَهْدِي إِلَى الْجَنَّةِ، ومَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَصْدُقُ ويَتَحَرَّى الصِّدْقَ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ صِدِّيقًا، وإِيَّاكُمْ والْكَذِبَ، فَإِنَّ الْكَذِبَ يَهْدِي إِلَى الْفُجُورِ، وإِنَّ الْفُجُورَ يَهْدِي إِلَى النَّارِ، ومَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَكْذِبُ ويَتَحَرَّى الْكَذِبَ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ كَذَّابًا» (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ).
2- على الوالدين أن يكونا قدوة للطفل، وألا يكذبا أمامه، فمثلاً من الأخطاء الشائعة في البيوت، عند ورود اتصال ما، أو قدوم زائر للبيت، أن يطلب الأب من الطفل، أن يخبر المتصل أو الزائر، بأن والده غير موجود، فكيف يطلب منه الصدق بعد ذلك؟!
3- تجنب استدراج الطفل للاعتراف بكذبته، أو جعله في موقف محرج، بل من الأفضل أن تقول له قبل سؤالك: «عِدني بأنّك ستقول الحقيقة»، والتأكيد له بأن هذا لا ينقص من قدره لديك، حيث يزيد قطع هذا الوعد من ميل الطفل إلى الصدق.
4- تجنب الضغط والتحقيق والصراخ والمبالغة في العقاب؛ لأن ذلك سيعقد المسألة، حيث تفيد دراسات تربوية بأن نشأة الطفل في بيئة تستخدم العقاب كوسيلة للإصلاح، لا تحقق هدفها في معظم الأحيان، بل سيقود إلى التمرد والغضب حين يكبر الطفل ويصبح مراهقاً ثم شاباً قادراً على تحدي والديه.
5- إدارة حوار في أجواء من التفاهم مع الطفل، وعدم تهديده بالعقوبة القاسية عند الكذب، بل منحه قدراً من الثقة، وأنك ستحترم فيه صدقه مع نفسه، ومع الله، ومع أسرته، والتحدث معه حول أن الكذب سلوك خاطئ وبغيض ومرفوض، وسيسبب له الكثير من المشكلات في حياته الشخصية والوظيفية، وستكون له عاقبة وخيمة في الآخرة.
6- مدح الطفل عند قول الصدق، ومكافأته عند قول الحقيقة، وتعزيز ذلك في نفسه بصرف النظر عن الخطأ الذي ارتكبه، حتى يداوم على الصدق في القول والفعل، ويتحول من إنسان كاذب إلى إنسان صادق، يبتغي الأجر والثواب عند الله عز وجل، كما قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ) (التوبة: 119)، وقال تعالى: (هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا) (المائدة: 119).