أصبح الزواج في بلاد العرب والمسلمين إشكالية كبيرة ما بين حاجة الشباب فطرياً واجتماعياً ذكوراً وإناثاً لتكوين أسرة، والتكاليف الضخمة التي يتحملها أحدهم في سبيل الارتباط بزوجة بالرغم من التشديد النبوي الكبير في سبيل تيسير الزواج.
والزواج هو السبيل الوحيد لتلبية حاجة الإنسان وتحقيق متطلبات الفطرة السوية في الإسلام، ولا سبيل آخر من علاقات خارج حدود الشرع التي تلزم كل طرف بمسؤوليته تجاه الآخر، مسؤولية مستقاة من شريعة الإسلام وأوامر رب العالمين وتوجيهات نبي الأمة، كما في الحديث النبوي الشريف عن عبدالله بن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أَلَا كُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ، وَهُوَ مَسْؤولٌ عَنْهُمْ، وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ عَلَى بَيْتِ بَعْلِهَا وَوَلَدِهِ، وَهِيَ مَسْؤولَةٌ عَنْهُمْ..» (متفق عليه).
وقد رغب الإسلام في الزواج وبناء الأسر، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا معشر الشباب، من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر، وأحصن للفرج»» (متفق عليه)، وبالرغم من ذلك، فإن التقاليد والموروثات وضعت العديد من التحديات والعراقيل في طريق الشباب، نذكر منها:
1- ارتفاع المهور خاصة في الخليج:
تعاني دول الخليج بصورة كبيرة من ظاهرة العنوسة، وتشهد النسب المئوية على خطورة تلك الظاهرة، وبالبحث عن أسبابها كان منها الغلاء في المهور، وفي موقع «سعودي صح» كشفت الإحصاءات في المملكة العربية السعودية أن تكاليف الزواج ترتفع إلى مبلغ 100 ألف ريال سعودي وخاصة في مدينة الإحساء، وأكدت الإحصاءات أن مدينة الإحساء تعتبر الأكبر في تكاليف الزواج.
وأما في الكويت، فقد وثقت الجهات الرسمية الكويتية مهراً غير اعتيادي بلغ نحو مليون دينار كويتي قدمه عريس كويتي في شيك بنكي لعروسه، وأوضحت الجهات الرسمية أن قيمة المهر في الكويت متباينة ومتغيرة وتتراوح بين دينار وربع مليون دينار وفقاً للحالة الاجتماعية للعروسين أو رغبتهما في تسجيل المهر في عقد الزواج من عدمه حسب ما نشرته صحيفة «الراي» الكويتية(1).
ويقول عميد كلية الآداب والعلوم الاجتماعية في جامعة الشارقة د. أحمد العموش: إن «المهر في الماضي كان يشكل قيمة ومدلولاً معنوياً، بينما اليوم يحمل في طياته التفاخر والتباهي، إذ يطلب الكثير من الأسر المهور العالية، الأمر الذي يؤدي إلى تأخير سن الزواج، أو حتى لجوء الشباب إلى الزيجات المستحدثة، ومنها الزواج سراً، على الرغم من أن شروط الزواج هو الإشهار والإعلان».
ولفت إلى أنه «لا بد من تنبيه الأهل إلى أن المهر لا يشكل ضمانة على الإطلاق، فالمرأة حين تريد التوقيع على الانفصال قد تتخلى عن كامل حقوقها المادية، لأن الزواج في النهاية يجب ألا يكون مصلحة مادية»(2).
2- القائمة ومؤخر الصداق:
انتشرت في المجتمع المصري خاصة عادة غريبة أثرت بشكل مباشر على إقبال الشباب على الزواج نظراً للنتائج الكارثية التي ترتبت عليها من تعرضهم للسجن في أحيان كثيرة، وهذه العادة هي اضطرار الشاب على توقيع قائمة بمقتنيات شقة الزوجية، تبارى الناس في تعلية سقفها بمبالغ ضخمة تتجاوز الملايين في بعض الحالات، يوقعها الرجل بمجرد توقيع عقد الزواج تسجل بها كافة ما يحتويه بيت الزوجية ليكون باسم الزوجة دون مراعاة الدقة في أسعاره الحقيقية، ومما أدى لاشتراط القائمة هو مشاركة أهل الفتاة في تجهيز البيت بما يتجاوز قيمة ما يشتريه الزوج ويؤسس شقته به في معظم الأحيان، ويتنافس الناس في شراء الأجهزة الأحدث والأعلى سعراً بالرغم من ضيق الحال، فيستدين الأب ويستدين الزوج ويقضي العروسان سنواتهما الأولى في قضاء الديون لتنتهي الزيجة في السنوات الأولى لتعود لبيت أهلها بطفل أو اثنين وعدد هائل من المشكلات.
ومن هنا يعرض معظم الشباب؛ عجزاً وخوفاً، عن الزواج، لتتفشى ظاهرة العنوسة وتصبح ظاهرة بلا حل قريب، وتزول البركة من البيوت الناشئة، وتتفشى الرذيلة في المجتمع بعد تحريم الحلال وتيسير الحرام.
وأما الإسلام فقد أمر الزوج بأن يقدم مهراً لزوجته إكراماً لها وإعلاءً لشأنها، وبالرغم أنه لم يحدد قيمة المهر وجعله حسب قدرة الزوج، فإنه لم يجعله عقبة في سبيل الزواج وعائقاً أمام الشباب في تكوين أسرة يبتغي بها مرضاة الله عز وجل، فعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «أَعْظَمُ النِّسَاءِ بَرَكَةً أَيْسَرُهُنَّ مَؤونَةً» (أخرجه أحمد)، وضمان حق المرأة لا يكون بتكبيل الزوج بالقوائم والمهور ومؤخر الصداق، وإنما بحسن الاختيار واستعادة الثقة بين الشباب وإيجاد فرص عمل حقيقية تقوم بها الدول.
3- المبالغة في تكوين المسكن:
ترفض الكثير من الأسر والفتيات أن يعشن في شقق متواضعة كبداية للزواج، وتشترط مسكناً خاصاً مجهزاً بكافة التجهيزات دون مراعاة قدرة الشباب في بدايات حياتهم على توفير مساكن خاصة ومملوكة لارتفاع كلفة مثل هذه البيوت، يرفضن العيش مع أسرة الزوج، ويرفضن العيش بشقة مستأجرة، بينما يضطر الشباب لإفناء جانب كبير من أعمارهم لتوفير تلك الشقة التي تقف حائلاً دون قدرته على الزواج، والمبالغة في توفير المسكن الخاص، كالمبالغة في المهور والمبالغة في كلفة تجهيز البيوت كلها مرفوضة في الإسلام لتعجيزها للشباب على الإقدام على قرار الزواج وتأسيس بيت.
4- رفض التعدد بصورة مطلقة:
في بعض المجتمعات العربية خاصة في مصر والمغرب العربي، ترفض تلك المجتمعات مسألة التعدد إلا في حدود ضيقة ومستثناة، وتواجه تلك الحالات باستنكار شديد وغالباً ما تنتهي الزيجة الثانية بالفشل نتيجة ضغوط المجتمع ورفضه للمسألة برمتها دون مراعاة الحاجة الإنسانية، لكن في معظمها يكون نتيجة التضييق الكبير والاستهجان مما يضطر المعدد لإخفاء زواجه الثاني وهو ما ينتج عنه نوع من الظلم والتعسف مع الزوجة الثانية وأحياناً الأولى.
وتنعكس عملية رفض التعدد على المجتمع بآثار سلبية جمة تحصد تلك البلاد آثارها السيئة اليوم في زيادة نسب العنوسة، غير عدد هائل من المطلقات والأرامل في سن مبكرة بغير عوائل لهن مما اضطر معظمهن للنزول للشارع للتكسب بأي وسيلة قد لا تتوافق مع أنوثتها لإطعام نفسها أو صغارها إن وجدوا، وبعضهن قد تلجأ لوسائل غير شرعية لسد حاجاتها الطبيعية بعد التشديد في الحلال وغلق أبوابه، أو تأبى نفسها ذلك فتظل عالة على أسرتها التي قد تئن بها فتدفع الثمن من كرامتها وأعصابها، فأيها أكرم للمرأة والفتاة، أن تعيش مع رجل يكون مسؤولاً عنها ويأتيها نصف الوقت، أم تكون في مسؤولية نفسها تدفع من عمرها وكرامتها بلا شفقة؟
والتعدد في الإسلام ليس مطلقاً لكل من يريد أو تحدثه نفسه بالتعدد، فهو مباح بشروط مشددة، منها العدل، فيقول تعالى: (فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَاحِدَةً) (النساء: 3)، والعدل يكون في النفقة والكسوة والمبيت وكافة الأمور المادية، أما الميل القلبي فلا قدرة لإنسان حتى الأب بين أبنائه، وذلك لاختلاف سلوك البشر، فمنهم من يستحق الحب ومنهم من لا يستحقه، لكن الشرط هنا ألا يؤثر الميل القلبي على السلوك الإنساني في تحقيق العدل.
وأما الشرط الثاني فهو القدرة المادية على الإنفاق على بيتين أو أكثر، فليس مطلوباً من الرجل الزواج بأخرى بينما هو لا يستطيع إطعام الأولى، وهناك حاجات مجتمعية للتعدد ليس منها فقط حاجة الرجل وقدرته، فهناك امرأة بغير عائل، وهناك فتاة تقدم بها السن، وهناك زوجة لا تنجب فما الأكرم لها أن يتزوج زوجها ويحافظ عليها عزيزة في بيتها كزوجة أولى تتمتع بكافة الحقوق؟ أم تتعنت معه وتمنعه حقه فيلقي بها في أتون الوحدة ويتزوج على أية حال؟ وهناك تربية أطفال أيتام أو لأب وأم منفصلين، والكثير من الصور التي تحتم إباحة الإسلام للتعدد وتيسير المسألة مجتمعياً والبعد عن قيم الأنانية.
5- المناهج التعليمية المختلطة بين الأولاد والبنات وعدم مراعاة احتياجات كل جنس على حدة:
بالرغم من أهمية العلم والتعلم وأمر الإسلام لأبنائه بسلوك كل طريق للحصول على العلم، بل جعل السير في طريق العلم عبادة من أهم العبادات التي يؤجر صاحبها، فإن نظام التعليم في البلاد العربية لم يراعِ الفروق الإنسانية والجسدية والمستقبلية في نوعية المناهج المقدمة للجنسين لتكون واحدة في كافة المراحل.
وقد خلقت المرأة لوظيفة غير تلك التي خلق لها الرجال، وبناء على تلك المهمات المختلفة كان يجب على واضعي المناهج الدراسية مراعاة ذلك، ووضع مناهج تخدم المهمة وتراعي الفروق الفردية الخلقية بين الجنسين لتؤهل كل طرف لمهمته التي تنتظره مستقبلاً، فبالنسبة للمناهج الخاصة بالفتيات يجب أن تشمل ما يخص تربية الأطفال وحسن تبعل الزوج وما إلى ذلك من أمور إلى جانب تعليمها المواد العلمية الأخرى، فلا خير في امرأة تبلغ أعلى درجات العلم ولا تستطيع أن تربي طفلاً صغيراً فتتخلى عنه لدور الحضانة، وتتخلى عن رعاية زوجها فتهمله.
وأخيراً، فتلك ليست وحدها المعوقات والتحديات التي تقابل الراغبين في الزواج في بلادنا، فما زال هناك الكثير الذي يجب أن تتضافر له الجهود ويتعاون عليه أولو الأمر من المسؤولين والمعنيين قبل أن تنفلت منا الأمور وتحدث فوضى أخلاقية لا يمكن لملمتها أو إيجاد حلول لها.
______________________________
(1) صحيفة الخليج، 13 نوفمبر 2022م.
(2) صحيفة الإمارات اليوم، 25 يناير 2011م.