بعد يومين فقط من اندلاع الحرب الصهيونية الدائرة على قطاع غزة، بات الكيان في حاجة ماسة إلى الأسلحة الأمريكية، حيث طلبت حكومة نتنياهو، على عجل، مساعدة عسكرية من إدارة بايدن، إذ لم تبخل الإدارات الأمريكية السابقة على حليفتها التقليدية بالأسلحة منذ إنشاء دولة الاحتلال في العام 1948م.
وتؤكد التقديرات الصهيونية بجلب «إسرائيل» لما يزيد على 3 آلاف طن من الأسلحة، و100 طائرة، و5 سفن حربية أمريكية، حتى الأول من نوفمبر 2023م فقط؛ أي بعد مرور حوالي 3 أسابيع فقط من بدء عملية «طوفان الأقصى»، وهي الفترة التي شهدت زيارة بايدن لـ«تل أبيب»، للإعراب عن تضامنه الكامل مع الكيان الصهيوني، وهي الزيارة التي حلَّت في 18 أكتوبر 2023م، ليعلن الرئيس الأمريكي، وقتها، عن دعمه العسكري المطلق لـ«إسرائيل».
استغلال مخازن الأسلحة الأمريكية
مع مرور الأيام، أكدت وسائل الإعلام العبرية أن الجيش الصهيوني استغل ما تبقى من أسلحة أمريكية كانت مخزَّنة في القواعد العسكرية الأمريكية بالكيان لصالح الحرب على غزة، بعدما استنفد الجزء الأكبر من تلك الأسلحة الأمريكية في مساعدة أوكرانيا خلال حربها أمام روسيا.
الأربعاء الماضي (18 يونيو)، خرج نتنياهو في فيديو مصوَّر على صفحته الرسمية على «إكس»، واصفًا رفض واشنطن تزويد بلاده بالأسلحة والذخيرة خلال الشهرين الماضيين بـ«غير المعقول»، مقتبسًا تصريح ونستون تشرشل، رئيس الوزراء البريطاني خلال الحرب العالمية الثانية لواشنطن، آنذاك «أعطونا الأسلحة وسنقوم بالمهمة»، في إشارة إلى محاولة إنهاء حربه الفاشلة على غزة بشكل أسرع.
تصريحات «مهينة»
الغريب أن هذا التصريح لاقى استهجانًا ملحوظًا، داخل الكيان وخارجه، إذ رأى البيت الأبيض أن تلك التصريحات مهينة، ومخيبة للآمال الأمريكية، خاصة أن واشنطن لم تدخر جهدًا في مواصلة دعمها لـ«تل أبيب»؛ وهو الدعم الذي بسببه انتقده وزراء «إسرائيليون»، حينما أرادوا الحديث مع إدارة بايدن في الغرف المغلقة، وليس توجيه الانتقادات العلنية؛ حيث صبَّ يائير لابيد، وأفيغدرو ليبرمان جام غضبهما على نتنياهو لهذا الأمر، واعتبراه بمثابة «الإهانة» للإدارة الأمريكية التي لطالما ساعدت بلادهما في أحلك الظروف؛ ما أجبره على إرسال وزير دفاعه يوآف غالانت، إلى واشنطن لشرح خطورة الوضع العسكري الذي تمر به «إسرائيل»، ما بين حرب في الجنوب أمام غزة، ومناوشات مستمرة في الشمال أمام «حزب الله».
سرعة الرد الأمريكي
يتأكد ذلك حينما أفاد نتنياهو نفسه في الثالث والعشرين من الشهر الجاري، بأن بلاده تحارب في 7 جبهات كاملة، وهو ما يجعله في حاجة مُلحة إلى ترسانة أسلحة؛ ليعرب عن قلقه العميق بشأن الانخفاض الكبير في إمدادات الأسلحة الأمريكية، مشيرًا إلى أنه منذ حوالي 4 أشهر، كان هناك انخفاض كبير في توريد الأسلحة إلى بلاده، رغم الطلبات المتكررة لتسريع الشحنات، مؤكدًا خروجه العلني، للمرة الثانية خلال أيام قليلة، لضرورة اتخاذ هذه الخطوة لكسر الجمود ومحاولة إجبار واشنطن على إمداد بلاده بالسلاح والعتاد العسكري.
وجاء الرد سريعًا من مصادر أمريكية بشأن تأخير شحنات الأسلحة إلى «تل أبيب»، من أن واشنطن لن ترد في كل مرة يدلي فيها نتنياهو بتصريح سياسي، وهو ما نقلته عنهم صحيفة «معاريف» العبرية؛ لتزيد القناة الـ«12» العبرية على ذلك، بأن شحنات الأسلحة الأمريكية تراجعت خلال الأشهر الأربعة الماضية بنسبة 50% مقارنة بالأشهر الأربعة التي سبقتها، وأن إدارة بايدن أرسلت 240 شحنة أسلحة في الأشهر الأربعة الأولى من الحرب، مقابل 120 شحنة في الأشهر الأربعة الأخيرة.
رغبة في البيت الأبيض بمواصلة تدفق الأسلحة إلى الكيان
لم يكتف التوضيح الأمريكي بذلك، بل لفت إلى أن أحد أسباب تراجع شحنات الأسلحة الأمريكية إلى الكيان الصهيوني تتمثل في اشتراط البيت الأبيض موافقة الكونغرس عليها، وهو ما لم يفعله الكونغرس نفسه في بداية الحرب الدائرة على قطاع غزة، بدعوى أن أسباب الطلبات الصهيونية في مطلع الحرب -ممثلة في «طوفان الأقصى» العملية العسكرية التي أعلنت عنها حركة «حماس» في السابع من أكتوبر الماضي- كانت الدافع الأساسي في إرسال شحنات الأسلحة دون مرورها على الكونغرس.
وتزامنت تصريحات نتنياهو مع موافقة البيت الأبيض، الأسبوع الماضي، على إرسال شحنة أسلحة تشمل 50 طائرة من طراز «إف 15» بتكلفة تبلغ حوالي 18 مليار دولار، بالإضافة إلى صواريخ متطورة وقنابل خارقة للتحصينات، وهي الصفقة التي مارس فيها بايدن ضغوطًا شديدة على الكونغرس للموافقة عليها؛ ما يعكس رغبة البيت الأبيض في مواصلة تدفق الأسلحة إلى الكيان وليس تراجعها، وهو ما أشارت إليه القناة الـ12 في تقريرها المطوَّل.
معاهدة دفاع بين الجانبين الأمريكي والصهيوني
تتوافق هذه الرؤية مع ما أورده مركز دراسات الأمن القومي «الإسرائيلي» من توصيات مهمة في بحث مطوَّل نشره في الثالث والعشرين من الشهر الجاري على موقعه الإلكتروني، طالب من خلاله بإبرام معاهدة دفاع بين الجانبين الأمريكي والصهيوني، وهي المعاهدة التي سعى إليها الأب المؤسس للكيان الصهيوني وأول رئيس وزراء لبلادها، ديفيد بن غوريون، باعتبارها وسيلة لزيادة أمن دولة الاحتلال؛ وهي المعاهدة التي أولى لها كل من إسحاق رابين، وإيهود باراك، الاهتمام الكافي، أيضًا، باعتبارها ركيزة أساسية لتأمين الكيان في منطقة الشرق الأوسط، ولتهدئة المخاوف العميقة والوجودية التي تولدت لدى المواطنين «الإسرائيليين» بعد اتفاق أوسلو في العام 1993م، ومن قبله اتفاق مدريد عام 1991م.
والواضح أن دراسة المركز التابع لجامعة «تل أبيب» قد أكدت أن مؤسسة الدفاع الصهيونية عارضت منذ فترة طويلة إبرام معاهدة دفاع رسمية مع الولايات المتحدة، بزعم أنها ستقيِّد من حرية عمل الجيش الصهيوني في المناطق المحتلة؛ بيد أن كاتبي الدراسة جاك فريليخ، وإلداد شافيط، يوصيان بإبرام هذه المعاهدة، بدعوى أن «إسرائيل» باتت في حاجة مُلحة إليها، في الوقت الراهن، نتيجة لما تواجهه بلادهما من حروب متعددة الجبهات، وما لاقته من حالات فشل عسكرية متكررة في قطاع غزة، ولكونها مقبلة على مواجهة جديدة مع «حزب الله» اللبناني.
ومن هنا، فإن ترسانة الأسلحة والذخيرة الأمريكية لم ولن تتوقف عن حليفتها «إسرائيل»، ولن تدخر واشنطن جهدًا في إرسالها إلى «تل أبيب»، وإنما تتأخر لظروف داخلية، مثل إرسال جزء من تلك الأسلحة إلى أوكرانيا في حربها الموسَّعة أمام روسيا، أو في حرب «الاستنزاف» الدائرة بين الطرفين هناك، أو لأسباب تعزى للدعاية الانتخابية لإدارة بايدن، أو لأسباب أخلاقية بزعم عدم استخدام تلك الأسلحة في حروب الإبادة الدائرة ضد الأهالي الفلسطينيين في قطاع غزة؛ غير أن إنقاذ الكيان الصهيوني من «الوحل» في غزة سيكون له كلمة السر في استمرار إرسال ترسانة الأسلحة الأمريكية إلى «تل أبيب».
______________________________________________