في تطور غريب، قرر إمام علي رحمون، رئيس جمهورية طاجيكستان ذات الأغلبية المسلمة، التي كانت إحدى جمهوريات الاتحاد السوفييتي الشيوعية السابقة، منع الحجاب وحظر الاحتفال بعيدي الفطر والأضحى وتجريم الدعوة إلى إقامة الشريعة.
الرئيس الشيوعي السابق أصدر 35 قانوناً لمحو الهوية الإسلامية للشعب الطاجيكي، بدعوى تعزيز الهوية الوطنية ومنع الخرافات والتطرف، برغم أن 98% من السكان من المسلمين، وهي قرارات مشابهة لما تفعله الصين الشيوعية المجاورة مع المسلمين، وقد فرض قيوداً على ارتداء الحجاب أو غطاء الرأس في الأماكن العامة، ووصفه بأنه من الملابس الأجنبية أو الدخيلة الممنوع ارتداؤه في المدارس والمستشفيات الحكومية وحتى المؤسسات الدينية.
ومنذ استقلال طاجيكستان رسمياً عن الاتحاد السوفييتي، في 9 سبتمبر 1991م، وأعلنت جمهورية مستقلة، ظل رئيسها ونظامها يتبع نفس القوانين الشيوعية، ثم لاحقاً حول البلاد إلى جمهورية علمانية.
المكتب الصحفي للرئيس أكد أنه وقع على 35 قانوناً، تشمل بجانب منع الحجاب تتضمن منع الاحتفالات والطقوس الدينية في إشارة لعيدي الفطر والأضحى، وحظر احتفالات الأطفال في الأعياد الإسلامية.
وفي المقابل، شجع المواطنين على ارتداء ما أسماه الزي الوطني قائلاً: إنه يحافظ على هوية وثقافة الشعب الطاجيكي، رغم أن الزي الوطني عبارة عن جلباب طويل للنساء يشبه الحجاب ولكنه مزركش بعدة ألوان ومعه قبعة أو وشاح ولا يختلف كثيراً عن الحجاب واللباس المحافظ التقليدي.
وزعم رحمون أن الخروج عن آداب وطقوس اللباس يعد غربة ثقافية تقوض استقلال الفكر والهوية الوطنية والثقافية للأمة الطاجيكية، وقال: علينا تجنب تغلغل ما يسمى بالملابس الدينية التي لا تلبي احتياجاتنا الدينية، والغريبة عن عاداتنا وثقافتنا، من أجل حماية حقيقتنا وقيمنا الوطنية.
وأصدر رحمون تعليماته إلى لجنة شؤون المرأة والأسرة في الجمهورية، بالتعاون مع المصممين الطاجيك، لتطوير وتقديم تصميم الملابس الوطنية وفقاً للاحتياجات الدينية والأخلاقية للمرأة الطاجيكية.
ووفقاً للقوانين الجديدة سوف يتم تغريم المخالفين لقانون ارتداء الملابس والاحتفال بالأعياد، بمبالغ تتراوح بين 7920 سوموني طاجيكي (حوالي 700 يورو) للمواطنين العاديين، و54000 سوموني (4694 يورو) للمسؤولين الحكوميين، و57600 سوموني (5000 يورو) لرجال الدين!
وقد بدأ النظام في إطلاق فرق أمنية في الشوارع لمحاربة الحجاب في الشوارع، وتهديد النساء المحجبات بغرامة قدرها 65 ألف سوموني طاجيكي (5900 دولار أمريكي)، مع إجبارهن على كشف الرأس.
بيان رحمون تحدث أيضاً عن نسخة جديدة من تنظيم الاحتفالات والطقوس وتعليم وتنشئة الطفل، بدعوى حماية القيم الحقيقية للثقافة الوطنية، ومنع الخرافات والأحكام المسبقة والتجاوزات والإسراف في إقامة الاحتفالات والطقوس، مبرراً ذلك بتفسيرات هلامية مثل رفع المستوى الروحي والاجتماعي والاقتصادي لشعب طاجيكستان، وحماية حقوق الطفل وحرياته، وتعليم وتربية الأطفال في روح الإنسانية والفخر الوطني واحترام القيم الوطنية.
قوانين قمعية
هذه القوانين الجديدة لا تختلف كثيراً عن قرارات أخرى قديمة اتخذها هذا الرئيس منذ الاستقلال عن الاتحاد السوفييتي، كلها قوانين وقرارات قمعية ضمن سعيه للتضييق على الحريات عموماً واضطهاد أي معارض لحكمه القمعي، فقد حظرت طاجيكستان عام 2007م ارتداء الأزياء الإسلامية على الطلاب، قبل أن يتوسع القرار ويشمل المؤسسات العامة، كما نشرت الحكومة في عام 2018م دليلاً مكتوباً بعنوان دليل الملابس الموصي بها في طاجيكستان.
أيضاً أصدر البرلمان الطاجيكي قانوناً يحظر لبس البرقع والنقاب على النساء، بذريعة دعم الثقافة والتقاليد الوطنية في مواجهة الثقافات الأجنبية ومكافحة التطرف الديني، ونص القانون الجديد على تغريم كل امرأة تلبس البرقع مبلغاً قدره 3500 سوموني (322 دولاراً أمريكيا).
أيضاً حظرت السلطات تقليداً يُدعى «إيدجارداك»؛ وهو جمع العيديات من المناول، حيث يجوب الأطفال المنازل لجمع العيديات خلال عيد الفطر كنوع من العادات القديمة الحميدة في الأعياد التي تسعد الأطفال، أيضاً حظر على الأطفال ممن هم دون سن 18 عاماً دخول أماكن العبادة دون إذن ذويهم! فمن مواد هذا القانون أنه يجب على الوالدين منع الأطفال أقل من 18 عاماً من الذهاب إلى المساجد وتعلم القرآن الكريم، وإلا فسيجرى رفع دعوى إدارية ضدهما!
ومنذ عام 2010م، نفذ الرئيس رحمون إجراءات قمعية ضد المسلمين لمواجهة ما أسماه ظاهرة التطرف الديني، وبلغ الأمر حد القبض على من يربي لحية كثيفة بحجة التشابه مع «تنظيم الدولة» (داعش)!
وفي 21 يناير 2016م، أقدمت حكومة طاجيكستان على حلق لحى 13 ألف رجل خلال عام 2015م بحجة التشبه بـ«داعش»!
وفي 10 مايو 2015م، أقر البرلمان مشروع قانون يحظر الأسماء العربية، ونصت ديباجته على أن مكاتب السجلات لن تسجل الأسماء التي تعد غريبة على الثقافة المحلية، بما فيها ذات الأصل العربي، وقد أشار تقرير لجنة الشؤون الدينية في طاجيكستان عام 2017م إلى إغلاق 1938 مسجداً خلال سنة واحدة فقط، وحُولت تلك الأماكن إلى مقاه ومراكز طبية!
وذلك رغم أن تاريخ طاجيكستان إسلامي سُني وبرز فيها علماء دين كبار، ويتميز أهلها بإخلاصهم للدين الإسلامي، واحترامهم للتقاليد الإسلامية، كما أنهم يحبون العلوم الشرعية، ويجلون ويبجلون رجال الدين والعلماء.. لكن الآن، وبحسب رواية موقع «آسيا بلس»، هناك حظر على تعلم الدين الإسلامي، فلا توجد دورات للعلوم الدينية في النظام التعليمي من المرحلة الابتدائية إلى الجامعة، وتمنع دراسة العلوم الإسلامية في الخارج أو ابتعاث الطلاب للأزهر مثلاً، وتمنع الحكومة الطاجيكية الأذان بالميكروفون في المساجد، بالإضافة إلى منع كثير من النساء من الصلاة فيها.
حزب النهضة الإسلامية
القمع والتضييق على المسلمين ومحاولة تذويب الهوية في طاجيكستان له علاقة بتاريخ طويل من الصراع بين الحكام الشيوعيين وحزب النهضة الإسلامية في طاجكستان الذي تأسس عام 1973م، هذا الحزب كان يقوم على أفكار وأهداف ومبادئ تنظيم جماعة الإخوان المسلمين، ويستوحي منهجه من كتب الإمام حسن البنا، والشيخ محمد الغزالي، والشيخ أبي الأعلى المودودي، وكان الحزب الثاني من حيث الأهمية في البلاد بعد الحزب الحاكم.
في بدايته، ترأس حزب النهضة الإسلامية الشيخ عبدالله نوري الذي توفي عام 2006م، وعقب تحلل الاتحاد السوفييتي، انعقد المؤتمر التأسيسي لحزب النهضة الإسلامي في إحدى قاعات مبنى الحزب الشيوعي المنحل عام 1991م.
وجاءت نشأته، بعد أن بدأ الرئيس الروسي الأسبق غورباتشوف سياسته الانفتاحية نهاية ثمانينيات القرن الماضي، حينئذ تجمعت قيادات إسلامية من جميع الجمهوريات التابعة للاتحاد السوفييتي حينذاك في يونيو 1990م في مدينة إستراخان الروسية بدعوة من مسلمي تتارستان وأنشؤوا حزباً سموه حزب النهضة الإسلامي للتعريف بالإسلام في الجمهوريات السوفييتية، وتم تسجيل الحزب رسمياً لدى السلطات في الاتحاد السوفييتي، وقررت الجمعية التأسيسية أن ينشئ مسلمو كل جمهورية فرعاً خاصاً بهم للحزب الذي تركز في طاجيكستان.
وخلال الفترة ما بين عامي 1992 وعام 1997م دخلت طاجيكستان في صراعات داخلية بعدما زور الرئيس السابق رحمن ناييف الذي كان عضوًا في الحزب الشيوعي السوفييتي الانتخابات في عام 1992م، وحين احتجت المعارضة أعلن حالة الطوارئ في البلاد لرفضه الانتخابات الحرة.
وجعل هذا حزب النهضة المعارض الإسلامي يقوم مع قوى حزبية ليبرالية أخرى بحشد أنصارهم أمام البرلمان في اعتصام مفتوح واستولى الشعب على الإذاعة والتلفزيون وحاصر مبنى الاستخبارات، وحين هرب ناييف وطلب اللجوء إلى موسكو، سارعت موسكو إلى تعزيز قواتها في طاجيكستان بوحدة من 800 جندي سيطروا على المطار ومعها أوزبكستان.
وفي نوفمبر عام 1992م، نصبت المجموعات الشيوعية كبير قادتها إمام علي رحمون رئيساً للحكومة، ودعمه تدخل روسيا وأوزبكستان عسكرياً؛ فرفضه الإسلاميون، لكن انتهى الأمر بسيطرة الشيوعيين بعد تدخل الجيش الروسي لدعمهم، حيث تدخل الجيش الروسي لدعم قوات طاجيكستان الشيوعية ضد تشكيلات المعارضة من الإسلاميين الذي خرجوا للتظاهر وتم قمعهم بالرصاص فجرت اشتباكات، واضطر المعارضون الإسلاميون إلى الهروب نحو الجبال وبعضهم نحو أفغانستان.
ومنذ تولي رحمون منصب الرئيس رسمياً في نوفمبر 1994م، زاد من اضطهاد المسلمين عموماً ومنع أي دور سياسي، أو نفوذ اجتماعي لأي قوة أو أحزاب إسلامية تدعو للنهضة الإسلامية في البلاد، ودخلت السلطات الشيوعية في حملة تستهدف استئصال حزب النهضة الإسلامي، وأغلقت المقر الرئيس للحزب في العاصمة دوشنبه، ودار النشر التابعة للحزب، وأوقفت نشرة «نجات» التي كان الحزب يصدرها.
وفي مقابلة مع شبكة «بي بي سي» البريطانية، في 30 مايو 2024م، قال زعيم حزب النهضة الإسلامية المحظور في البلاد محيي الدين كبيري: شعب طاجيكستان يحكمه شخص واحد (إمام علي رحمون) وأسرة واحدة منذ 30 سنة، وأكد أن بلاده تنعدم فيها الحريات السياسية؛ فالأحزاب محظورة، ومصير الناشطين السياسيين والإعلاميين السجن أو الهجرة من البلاد، كما يجري تقييد الحريات الدينية وزيادة الفساد؛ ما ترك الساحة للفكر العلماني أو المتطرف بين الشباب الذين يرون أنه لا مستقبل لهم.