شكلت نهايات القرن الثامن عشر وبدايات القرن التاسع عشر ذروة التوسع والنضج الاستعماري الإنجليزي، في ذلك الوقت كانت شركة الهند الشرقية الإنجليزية قد تضخمت وامتد نفوذها وتشعب وتوسع في جنوب آسيا، وتطلعت للسيطرة على كل من إيران وأفغانستان بعد أن أحكمت سيطرتها على الهند، درة التاج البريطاني.
والسيطرة على الدول على الطريقة البريطانية لا تأتي عن طريق الغزو الخارجي فقط، ولكن الاستعمار يبدأ غالباً بتفجير البلد من الداخل، تفجيراً تستعين به بريطانيا بجيش من الجواسيس يعينهم جيش من الخونة يشعلون الداخل ومن ثم يأتي الغزو من الخارج في مرحلة لاحقة ليحقق أهدافه بسهولة في مجتمع متناحر.
ثورة فاشلة بإيران
بحثت بريطانية عن مغامر طموح يحقق لها أهدافها بالسيطرة على إيران، ووجدت ضالتها في رجل يدعى حسن علي شاه، زوج ابنة لملك القاجاري، حاكم فارس آنذاك، وقد كان حاكمًا على مدينة «قم» المقدسة لدى الشيعة.
قام علي شاه بالثورة ضد الشاه القاجاري بعد أن وعده الإنجليز بحكم فارس، لكن الثورة لم يكتب لها النجاح، حيث قبض عليه الشاه وسجنه، وهنا تدخل الإنجليز للإفراج عن رجلهم، فتحقق لهم ذلك على أن ينفى خارج إيران.
استعماله في أفغانستان
رحل علي شاه حسب رغبة الإنجليز إلى أفغانستان، عام 1838م، حيث تعاون مع المستعمرين الإنجليز هناك، وساعدهم على الخروج من قندهار التي كانت تشهد ثورة في أواخر الحرب الأنجلو أفغانية الأولى (1838 – 1842م).
وفي أفغانستان، حاول حسب توجيهات الإنجليز أن يجمع حوله أكبر عدد من الأفغان، ولكن الأفغان كشفوه واضطروه للهروب إلى السند.
فرض الإقطاع الديني
وضعت بريطانيا عينها على طائفتين هنديتين شبه معزولتين، وقررت أن تكونا مصدر ومناطق نفوذ رجلها الذي تعده لممارسة أدوار كبيرة في تهيئة الأرض وترويض الجماهير لهيمنها، هاتان الطائفتان هما الخوجات، والهونزا.
استغلت بريطانيا الجهل والفقر وفرضت رجلها الأغاخان الأول كرئيس للطائفتين الخوجات، والهونزا، وفرض زعيم ديني موالٍ للإنجليز، وخصوصاً على مذهب الشيعة الإسماعيلية يعني الكثير، فهو يعني أولاً أن يتحول إلى ملياردير من الأموال التي يفرض المذهب على كل متبعيه أن يدفعها، وثانياً يخرج أعداداً كبيرة من الجماهير من دائرة مقاومة الاستعمار، في وقت كانت الهند والعالم أجمع يموج بثورات التحرر من الاستعمار الإنجليزي.
حاولت نخبة من طائفة الخوجات التصدي لهذه المؤامرة، بعد أن مكن الاحتلال الإنجليزي للأغاخان السيطرة على مقدرات الطائفة، ورفعت قضية تدفع بأنهم ليسوا من الطائفة الشيعية أصلاً، ولكن قاضياً إنجليزياً قضى بأحقية حسن شاه، الأغاخان الأول، في رئاسة الطائفة، وفشلت محاولتهم في إنقاذ أبناء طائفتهم من ذلك المصير المهلك.
وهكذا تمكنت بريطانيا من خلق واقع ديني مفبرك بالكامل لملايين من المسلمين وصناعة رجل يقودهم ومن بعده أولاده، ينتمي هو وهم من بعده شكلاً للمسلمين، ولكنهم لا ولاء لهم إلا لأسيادهم الذين صنعوهم.
يقول د. أحمد شلبي، في موسوعة التاريخ الإسلامي: في العصر الحديث جهد الاستعمار الأوروبي ليجد أسلحة يهدم بها الإسلام، ويسيطر على المسلمين، ويبدو أن الإسماعيلية كانوا أحد هذه الأسلحة، فإذا بإمام إسماعيلي يظهر من جديد يساعد الإنجليز ويساعده الإنجليز، يتيح له الإنجليز أن ينشر مذهبه بين مسلمي مستعمراتهم، ويضمن لهم هو أن يخضع أتباعه لهم.
موالاة الاستعمار في كل مكان
فقد قدم أغا خان الأول مساعدات كبيرة للبريطانيين في توسعهم العسكري والإمبراطوري شمالاً وغرباً من البنجاب، وقام هو وفرسانه بمساعدة البريطانيين في المراحل الأخيرة من الحرب الأفغانية الأولى في عامي 1841 – 1842م، حيث قام أغاخان الأول وفرسانه بمساعدة الجنرال نوت في كارداهار.
كما قام بتقديم مساعدات للبريطانيين أثناء غزوهم لبلاد السند في عامي 1843 – 1844م، عندما تقدم من السند للانضمام إلى قوات الجنرال نوت؛ ما جعل الحكومة البريطانية تقدم له معاشاً تقاعدياً تقديراً لمساعداته.
وقام الأغاخان الثالث بنفس الدور في مساعدة المحتل والدفاع عنه وتقديم العون له للاستمرار في استغلاله وإذلاله للشعوب.
فقد كان للطائفة الإسماعيلية الأغاخانية دور في تسهيل احتلال أفغانستان من قبل السوفييت، حيث كانوا ينتشرون في 3 أماكن: ولاية بغلان، ولسان واخان، وفي ولاية بروان قرب كابل.
وقد هجر أهالي لسان واخان مدينتهم أثناء الغزو السوفييتي ولم يدافعوا عنها، كما حاول السوفييت كسب تأييد سكان بغلان التي صرح زعيم الإسماعيلية فيها سيد منصور في شريط فيديو «أن هذه الحرب في مصلحتنا 100%»، كما أنه اعترف أن له صداقة حميمة مع روسيا، ومع حكومة كابل العميلة، واعترف كذلك بتلقي مساعدات وإمدادات عسكرية من السوفييت.
وكان للأغاخان الثالث موقف معروف من استقلال باكستان، إذ إنه كان يرفض قيام دولة للمسلمين في القارة الهندية، وكان يعتبر وجودها إضعافاً لشأن المسلمين في الهند وباكستان معاً!
أما موقفه من الجامعة العربية وتصوره للوحدة الإسلامية فيرويه د. محمد كامل حسين في كتاب «طائفة الإسماعيلية» إذ يقول: «وأذكر أني كنت أتحدث إليه (أغاخان الثالث) بفندق مينا هاوس عقب إنشاء الجامعة العربية، فأبدى لي أسفه من عدم تفكير المسؤولين في إنشاء جامعة إسلامية تضم جميع البلاد الإسلامية، للنهوض بالمستوى الثقافي والاجتماعي والاقتصادي بين شعوب المسلمين، وكان من رأيه ضرورة إنشاء الجامعة الإسلامية على شرط ألا تتدخل هذه الجامعة في الشؤون السياسية، وكان على استعداد للقيام بالدعوة لهذه الجامعة، وأن يدفع وحده عن طائفة الإسماعيلية مبلغاً يساوي جميع ما يدفعه المسلمون في كل العالم، إذا تحققت هذه الوحدة بين المسلمين، وتركته وأنا أفكر في أقواله عن الوحدة الإسلامية وجامعة الأمم (الدول) العربية، وتوهمت يومئذ أن الرجل ربما كان مدفوعاً من قبل الإنجليز لتحطيم الجامعة العربية».
ولما وقعت الحرب العالمية الأولى (1914 – 1918م) أوصى أغاخان أتباعه، بل جميع المسلمين، بالوقوف إلى جانب الحلفاء ونصرتهم.
وفي كينيا تحالف الإسماعيليون الأغاخانيون مع الإنجليز، وناهضوا حركات التحرير هناك، وساعدوا الإنجليز في قمع ثورة ماو ماو التي قامت ضدهم.
فلا عجب، والحالة هذه أن تقرر السلطات البريطانية منحه 11 طلقة مدفع عام 1916م، ومنحه كذلك رتبة فارس من الدرجة الأولى، ولقب «سير»، وأن يعتبر ضيف الأمة في حفلة تتويج الملك إدوارد عام 1902م.
______________________
1- الموسوعة الميسرة للأديان والمذاهب المعاصرة.
2- الشيعة الإسماعيلية: رؤية من الداخل، علوي طه الجبل.
3- الشيعة – المهدي – الدروز: تاريخ ووثائق، د. عبدالمنعم النمر.
4- أحمد شلبي، في موسوعة التاريخ الإسلامي.