تركز الهند تاريخيًا على سياسات خارجية تمتزج بين التعاون مع مختلف الأطراف الإقليمية والدولية، وهو ما يعكس تفاعلاتها مع التحديات الإقليمية والعالمية المتنوعة.
موقف الهند القديم مع فلسطين
كانت الهند أول دولة غير عربية تعترف بمنظمة التحرير الفلسطينية كالممثل الوحيد والشرعي للشعب الفلسطيني في عام 1974م، كما كانت من بين الدول الأولى التي اعترفت بدولة فلسطين في عام 1988م، وفي عام 1996م افتتحت الهند مكتبها الرسمي للسلطة الفلسطينية في غزة، قبل نقله إلى رام الله في عام 2003م.
وفي وقت سابق من الشهر الماضي، أعربت المندوبة الدائمة للهند في الأمم المتحدة السفيرة روشيرا كامبوج عن أملها في إعادة النظر في طلب فلسطين للانضمام إلى الأمم المتحدة على الرغم من «الفيتو» في مجلس الأمن، وأكدت أن الحقوق والامتيازات الإضافية لمشاركة دولة فلسطين ستدخل حيز التنفيذ اعتبارًا من دورة الجمعية العامة السابعة والسبعين في سبتمبر من هذا العام.
تعزيز العلاقة مع «إسرائيل»
هذا، وفي جانب آخر امتنعت الهند عن انتقاد «إسرائيل» بشكل مباشر بسبب أفعالها في غزة، وتعززت العلاقات الطويلة الأمد بين البلدين في ظل حكومة ناريندرا مودي، لكن وزارة الخارجية الهندية دعت إلى الاتفاق على وقف إطلاق النار، كما أعربت عن دعمها لحل الدولتين، وكانت الهند منفتحة بشأن شكل آخر من أشكال الدعم لـ«إسرائيل»، وهو تجنيد وإرسال آلاف العمال لتعزيز الاقتصاد «الإسرائيلي» بعد أن حظرت حكومة نتنياهو عشرات الآلاف من العمال الفلسطينيين.
وفي ظل التطورات الأخيرة في الصراع «الإسرائيلي» الفلسطيني، أثارت مواقف الهند تكهنات واسعة بين المحللين العالميين والمجتمع الدولي، في حين عبرت الهند عن دعمها لفلسطين وصوتت باستمرار لصالحها في المنظمات الدولية، ظهرت تقارير أيضًا تشير إلى دعم الهند عسكريًا لـ«إسرائيل»، مما أثار تساؤلات حول تناسق سياسة الهند الخارجية.
وتشير التقارير إلى أن الهند قدمت طائرات «هيرون تي بي» المتقدمة وأسلحة أخرى لـ«إسرائيل»، تم تصنيعها في حيدر أباد، كما ذكرت صحيفة «يديعوت أحرونوت» العبرية، أسس هذا المصنع، بشراكة بين شركة الدفاع «الإسرائيلية» «إلبيت سيستمز» ورجل الأعمال الهندي غوتام أداني، وتم تحويل 20 طائرة منها للاستخدام من قبل الجيش «الإسرائيلي» نظرًا للنقص الذي حدث خلال النزاع في فبراير.
يمثل هذا المصنع في حيدر أباد أول مصنع خارج «إسرائيل» لإنتاج هذه الطائرات، مما يبرز الصلات العسكرية العميقة بين البلدين التي قد تعزز التعاون الإستراتيجي والتجاري بينهما، ومع ذلك، تختلف هذه الخطوة عن السياسة التقليدية للهند في دعم قضية فلسطين والالتزام بالمبادئ الإنسانية والدولية.
من المهم أن نفهم أن موقف الهند ليس مجرد مسألة ثنائية بين «إسرائيل» وفلسطين، بل جزء من سياستها الخارجية الشاملة التي تتأثر بعوامل إستراتيجية واقتصادية متعددة، ومع ذلك، يمكن أن تثير هذه الازدواجية في الموقف قلقًا بين الجمهور العالمي والمحللين، خاصة في ظل تصاعد التوترات الجيوسياسية في المنطقة.
من المرجح أن يتم المصادقة على هذه القرارات على أعلى المستويات في الهند، نظرًا لدور «إسرائيل» البارز كمورد للأسلحة إلى الهند، تزامنت هذه الخطوة مع تقارير أخرى تشير إلى أن الهند قدمت قذائف مدفعية وأسلحة لـ«إسرائيل» منذ بداية النزاع، مما يعكس الفوائد الإستراتيجية للشراكة بين البلدين، وفقًا لمصادر «إسرائيلية».
بيان السفير السابق
أوضح السفير «الإسرائيلي» السابق لدى الهند، دانيال كارمون، أن دعم الهند لـ«إسرائيل» خلال نزاعها مع غزة قد يُنظر إليه كرد جميل لمساعدة «إسرائيل» خلال حرب كرجيل عام 1999م، وفي مقابلة مع «Ynetnews» «الإسرائيلية»، أكد كارمون دعم «إسرائيل» الفريد للهند خلال تلك النزاعات، التي لا تُنسى وقد يتم ردها من قبل الهند اليوم.
تأتي هذه التحركات الدبلوماسية في وقت تتزامن فيه تقارير أخرى بأن الهند قدمت طائرات «هيرمس 900» المصنعة في حيدر أباد لـ«إسرائيل»، ومع ذلك، لم تؤكد الهند هذه التقارير رسميًا حتى الآن أو تستجيب لتصريحات كارمون.
في مايو، منعت إسبانيا سفينة الشحن «Marianne Danica» من الرسو في ميناء كارتاخينا في طريقها إلى «إسرائيل»، وذكرت «Ynetnews» أن السفينة، التي كانت قادمة من تشيناي، كانت تحمل 27 طنًا من الإمدادات العسكرية.
هتاف «تحيا فلسطين» يثير جدلاً سياسيًا بالهند
أثار أسد الدين أويسي، رئيس حزب مجلس اتحاد المسلمين لعموم الهند (AIMIM)، عضو مجلس النواب الهندي عن حيدر أباد، جدلاً واسعًا بعدما أنهى خطابه أثناء أداء اليمين بكلمة «تحيا فلسطين»، جاءت هذه الكلمة بعد شعارات «تحيا للطبقة المنبوذة» و«تحيا لولاية تيلنغانا»؛ مما أثار ردود فعل متباينة في الأوساط السياسية والإعلامية.
في اليوم التالي لأداء اليمين، قُدمت شكويين ضده؛ الأولى من المحامي هاري شانكار جاين بسبب شعاراته في المجلس، والثانية من المحامي فينيت جندال الذي قدم شكوى بموجب المادة (103) من دستور الهند إلى رئيس الجمهورية، مطالبًا باستبعاد أويسي بموجب المادة (102 – 4) لاتهامه بالولاء لدولة أجنبية، وهي فلسطين.
رغم حذف تصريحاته من سجلات المجلس، دافع أويسي عن نفسه قائلاً: إنه لا يرى خطأ في قوله: «جاي بهيم، جاي ميم، جاي تيلانغانا، جاي فلسطين»، معتبرًا أن الأعضاء الآخرين يعبرون عن آراء متنوعة أيضًا، وأضاف أن الشعب الفلسطيني مضطهد، مستشهدًا بكلمات المهاتما غاندي عن فلسطين.
تأتي هذه الحادثة في سياق موقف متذبذب للحكومة الهندية تجاه القضية الفلسطينية، فرغم دعم الهند التاريخي لفلسطين، يظهر التناقض في السياسات الحالية؛ مما يثير تساؤلات حول موقف الهند الحقيقي وازدواجية مواقفها، وتأتي هذه السياقات الدبلوماسية في وقت يزداد فيه التوتر الجيوسياسي في الشرق الأوسط؛ ما يجعل توازن الهند بين الدعم لفلسطين ولـ«إسرائيل» أمرًا حساسًا ومعقدًا يتطلب منها إدارة مستقبلية حذرة لسياستها الخارجية.
في الختام، يجب على الهند أن تجد التوازن بين التعاون الدولي والالتزام بالمبادئ الأخلاقية وحقوق الإنسان في صياغة سياستها الخارجية، إن تجنب الازدواجية في المواقف أمر ضروري للحفاظ على مصداقيتها وتعزيز دورها كداعم للسلام والاستقرار في المنطقة، ينبغي للهند أن تركز على دعم الحلول السياسية المستدامة للنزاع الفلسطيني «الإسرائيلي»، والعمل بجدية نحو تحقيق تسوية عادلة تعكس تطلعات الشعبين وتحترم حقوق الإنسان، من خلال هذا النهج المتوازن والمسؤول، يمكن للهند أن تساهم بشكل فعّال في بناء مستقبل أكثر استقرارًا وأمانًا للجميع في المنطقة.