يُعرف المسجد في بلدننا العربية وفي مناطق كثيرة بالعالم باسمه المشهور «مسجد»، لكن الأمر في الصين مختلف، فقد مرت تسمية المسجد في الصين بمراحل عديدة، حمل خلالها أسماء مختلفة، منها «لي تانغ»، «لي باي»، «لي باي سي»، «تشينغ جين»، وأخيراً «تشينغ جين سي» وهو الاسم المتعارف عليه الآن الذي ينتشر على ألسنة الناس ويكتب في الوثائق الرسمية.
وفيما يلي إطلالة سريعة على رحلة تسمية المساجد في الصين، ووقفة مع كل اسم من هذه الأسماء:
1- «لي تانغ» (Li Tang – 礼堂):
معنى هذه الكلمة قاعة الاجتماع أو الاجتماعات، وتستخدم أحيانا بمعنى قاعة المحاضرات، وكلمة «لي» معناها طقوس أو شعائر أو مراسم أو تشريفات، و«لي باي» معناها طقوس دينية أو كنسية، وهناك أيضا كلمة «لي فو» معناها صلى أو أقام الصلاة.
وقد وردت تسمية المسجد بـ«لي باي» في كتاب الرحالة الصيني دو هوان والمسمى باسم «جينغ شينغ جي» (مذكرات في ديار الغربة)، حيث قال: في بلاد الداشي –يقصد العرب- «لي تانغ» وهو يستوعب 10 آلاف شخص، ومن عادة الملك (الخليفة) أن يتوجه إليه حيث يصلي ويعتلي المنبر لشرح الأحكام على الملأ.
2- «لي باي سي» (Li Bai Si- 礼拜寺):
ذكرنا أن كلمة «لي باي» معناها طقوس أو شعائر دينية، ومن معانيها أيضاً الصلاة، أما كلمة «سي» فتعني معبداً أو مكان العبادة، وهي كلمة خاصة بالثقافة الصينية، فيقال عن المعابد البوذية والطاوية «سي»، ومن أشهر الأماكن التي تحمل هذا الاسم «معبد شاولين» الذي يقع أعلى جبل سونغ في مقاطعة خنان بوسط الصين، وهو مهد رياضات فنون القتال وخاصة «الكونغ فو»، ويتوافد إليه هواة هذا الفن من أرجاء الدنيا.
وقد ظهرت هذه التسمية في عام 1474م في عهد أسرة مينغ عندما تم إعادة بناء مسجد نيوجيه ببكين فمنح الإمبراطور المسجد اسم «لي باي سي»، ومنذ ذلك الحين عُرف المسجد بهذا الاسم، ورغم تغير اسم المساجد في الصين، فإنه ما زالت إلى اليوم هناك مساجد تحتفظ باسم «لي باي سي»، أهمها وأشهرها مسجد نيوجيه في بكين، حيث يمكن لمن يريد زيارة المسجد أن يستدل عليه بسهولة من الخرائط أو حتى من الحافلات العامة التي تمر به، فهناك محطة باسم «نيوجيه لي باي سي» على شريط لاصق داخل هذه الحافلات.
وليس مسجد نيوجيه وحده هو من يحمل هذا الاسم فحسب، بل هناك «لي باي سي» في دينغتشو بمقاطعة خبي شمال شرق الصين، و«لي باي سي» في شارع سانشان بنانجينغ جنوب شرق الصين، و«لي باي سي» بالناحية الشرقية في محافظة هوي شان بمقاطعة قانسو في الشمال الغربي.
وما زال المسلمون الصينيون يطلقون على الصلاة اسم «لي باي»، وعلى أداء الصلاة اسم «تسوا لي باي».
3- «تشنغ جين سي» (清真寺 -Qing Zhen Si):
كلمة «清 -Qing» تعني نقي صاف طاهر نظيف، أما كلمة «Zhen- 真» فتأتي بمعنى حق أو حقيقة، والكلمتان معاً تعنيان الصفاء والحق، أو النقاء والحق، وكان الصينيون قديماً يستخدمون كلمة «تشنغ جين» بمعنى النظافة والحق، أو النقاوة والإخلاص، وكان هناك عدد من الشعراء في عهد أسرتي تانغ، وسونغ، الحاكمتين يستخدمون هذا التعبير في أعمالهم، من ذلك أن الشاعر الشهير لي باي (701-762م) في عهد أسرة تانغ وصف الصالحين في أشعاره بـ«تشنغ جين» أكثر من مرة، بينما كان الشاعر تشو بان يان (989-1052م) أحد كبار الشعراء في عهد أسرة سونغ يمدح أزهار البرقوق بـ«تشنغ جين»، كذلك فإن عدداً كبير من المعابد الطاوية كانت تحمل هذا الاسم أيضاً.
وقد استفاد المسلمون الصينيون من هذه الكلمة واستخدموها ووضعوا لها شروحاً كثيرة لا يسع المقام لذكرها، وقد ظل المسجد يسمى «لي باي سي» حتى أهدى الإمبراطور الصيني تشو تشي يوي لأسرة مينغ سنة 1405م مسجد «دونغسي» في بكين لوحاً خطَّ فيه بيده كلمة «تشينغ تشن سي»؛ وتعني معبداً أو متعبد الصفاء والحق، وقد كان لهذا اللوح تأثير كبير بين المسلمين، فلم يكتفوا باتخاذ اسم «تشينغ جين سي» للمسجد، بل أطلقوها على كل مساجد الصين.