في عالم يعج بالصراع على لقمة العيش وانشغال الأبوين معاً في توفير حياة مادية مريحة للأطفال، وفي ظل غيابهما عن القيام بدورهما التربوي والتخلي عنه وإفراغ هذه المساحة لقنوات الأطفال العديدة في الفضائيات، هذا غير وسائل التواصل الاجتماعي التي ملأت فراغاً عاطفياً وعقلياً لهؤلاء الأبناء، أصبحت عقول أطفالنا نهبة لكل من أراد التلاعب في هويتهم ومبادئهم وعقائدهم وسلوكياتهم دون خوف من مراجعة أبوية، أو اهتمام المدرسة، أو رقابة أسرية، تشكل وعي الأطفال وتحدد توجهاتهم، وصارت القنوات التلفزيونية الخاصة بالأطفال التي تحمل طابع العنف في وقت لا يستطيع فيه الفصل بين الواقع والخيال، تسعد الأم بانشغال أبنائها بعيداً عنها لتستطيع القيام بمهامها (الثانوية) الأخرى، أو أن تنال قسطاً من الراحة وسط دوامة العمل التي ليس من بينها الاهتمام الكافي بأطفالها ومراعاة تشكيل وعيهم في تلك المرحلة الحرجة، وأصبح من الطبيعي أن تستمع لطفل يردد كلمات مثل الطبيعة التي خلقت كذا، والجن المسؤول عن حياة كذا، والآلهة التي تتنازع فيما بينها، والقدرات الخارقة للإنسان الذي يناطح السماء، والمعاني التي تعرض في أفلام مترجمة لمؤلفين غير مسلمين ولا يدينون بأي دين آخر، تترك الأبناء دون قلق طالما أنهم صامتون بعيداً عنها، لتفاجأ في النهاية بمشروع طفل ملحد لا يعي ما يسمع أو ينطق.
أفلام كرتون لمحاربة الدين والقيم
لم تنج فئة من فئات المجتمع من التعرض لتآمر أخلاقي عبر وسائل الإعلام العالمية وما يطلق عليها القوة الناعمة، وأوقفت هوليوود جانباً كبيراً من أفلامها الموجهة للشباب عامة والأطفال على وجه الخصوص للتلاعب بعقولهم واستغلال مساحات الفراغ في حياتهم الأسرية نتيجة غياب الأم العاملة، وأنتجت شركات الإنتاج الموجهة أفلاماً كرتونية تحارب الدين وتروج للانحطاط الأخلاقي والفساد المجتمعي، ومنه على سبيل المثال «المثلية» التي قدمت فنياً على استحياء في البداية، ثم تطور الأمر لتقدم بصورة سافرة للأطفال وتصور كيف يمكن أن يكون للطفل أبوان من الذكور دون وجود أُم، وهكذا ليلقى في روع الطفل دون أن يدرك طبيعية الشذوذ وتسميته بغير اسمه، وترسيخ تلك المشاهد في وعي الطفل فتبهت الصورة العقيدية في نفسه، ويختلط التوحيد بما يقدم له من أفكار فاسدة، فهو لا يميز في البداية، ثم يختلط عليه الأمر، ثم يصير أمر الإلحاد عادياً فيما بعد.
نماذج من أفلام تتعارض مع قيمنا
ومن أشهر الأفلام التي حققت أعلى نسب مشاهدة في العالم بين الأطفال وربما الكبار في حالة من الهوس السلوكي والتكالب على مثل تلك القصص سلسلة «هاري بوتر»(1)، التي تعرض لحياة مجموعة من السحرة وعلاقتهم بالعامة؛ أي غير السحرة الذين تعتبرهم فئة ثانية من البشر، وكيف أن السحر فيه حلول للكثير من المشكلات بمجرد إلقاء تعويذة ما.
وفي سلسلة الأفلام المرجع الأخلاقي الوحيد هو ضمير الساحر البطل هاري، فلا دين، ولا إله، ولا تربية أو أخلاق، ولا تراعي المجموعة قضية الإيمان لدى المشاهد! وفي دراسة نقدية لخالد الروشة(2) عن تلك السلسلة يقول فيها: القصة تقدِّم نموذجاً للقدوة عند أبنائنا، هو الساحر الشهير هاري بوتر، وهي هنا تهدم هذا الجدار الذي يبنيه النموذج الإسلامي بين أبناء الإسلام والسحر والسحرة، وقول الله تعالى: (وَإِن يَمْسَسْكَ اللّهُ بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِن يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدُيرٌ {17} وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ) (الأنعام).
ومن النماذج الأخرى الكرتون الشهير «تنة ورنة»، وفيه يعيد فيه إدارة الكون للجنيات، فتلك جنية للربيع، وهذه للصيف، وأخرى للزهور.. وهكذا، وهناك الكثير من أفلام الكرتون التي تعرض لتعدد الآلهة بوضوح في تحد كبير لدين التوحيد دون انتباه منا لخطورة الأمر على عقيدة أبنائنا مثل فيلم «حفلة النقانق»، وهو من أكبر الأفلام الداعية للإلحاد صراحة.
خطورة التعرض لأفلام الكرتون دون رقابة
لا يتوقف تأثير أفلام الكرتون عند العقيدة والهوية والثقافة، وإنما يمتد لأن يكون لها تأثير على عقل الطفل وقدراته، فتقول د. رانيا صابر(3): إن مشاهدة التلفزيون للأطفال أقل من 6 سنوات تؤثر عليهم بشكل سلبي، خاصة القنوات التي تعرض محتوى مدبلجاً أو غير واقعي؛ كوجود أشباح أو صور مخيفة، أو قنوات أغاني الأطفال، والأفلام الكرتونية، وتوضح أنها تسبب تأخراً لغوياً واضطرابات في النطق والكلام، فضلًا عن أنها تفصلهم عن الواقع، وبالتالي تسبب حالة من العزل بين الطفل والواقع المحيط به.
وتشدد على أهمية مراقبة المحتوى الذي يشاهده الطفل، وتشتيت انتباهه في حالة وجود بعض المشاهد غير اللائقة.
ويقول الطبيب النفسي ستيفن بانا، الأستاذ بجامعة كولومبيا: إذا كان السجن هو جامعة الجريمة، فإن التلفزيون هو المدرسة الإعدادية لانحراف الأحداث(4).
الطريق إلى الحل
إن المشكلات الكبرى التي ينبني عليها مستقبل أبنائنا ومن ثم مستقبل أمتنا، يجب أن تكون الحلول فيها آنية وجذرية وعاجلة، منها ما يتعلق بالأسرة التي يقع على عاتقها الدور الأكبر تربوياً، ومنها ما يتعلق بالمجتمع والأنظمة والمؤسسات التربوية والمدارس.
أولاً: حلول تتعلق بدور الأسرة:
1- يتوقف الأمر عند استجابة الوالدين واعترافهما بخطورة المشكلة، واتفاق كافة الأطراف على أهمية وجود الأم خاصة في السنوات الأولى لابنها، وهي سنوات تكوينه معرفياً وإدراكياً وتكوين قناعاته وسلوكياته.
2- تحديد وقت معين لمشاهدة أفلام الكرتون، ولا يشاهدها الطفل منفرداً، وإنما تحت رقابة الأم، ويكون لها حق الاختيار وتصحيح الأخطاء البينة.
3- تحديد سن معينة للتعرض لأفلام الكرتون، سن يستطيع الطفل فيها التمييز إذا تم توجيه وتصويب الأخطاء الظاهرة والرسائل الخفية، وقد أكدت الأكاديمية الأمريكية لطب الأطفال أنها لا تشجع على مشاهدة الأطفال للبرامج التلفزيونية عندما يكونون دون السنة والنصف أو السنتين من العمر، وبين سنتين إلى خمس سنوات، فإنّ مشاهدة الأطفال تقتصر على ساعة واحدة يوميًا من البرامج عالية الجودة والفائدة وليس أي برامج كرتونية(5).
ثانياً: ما يتعلق بالمؤسسات العامة:
على الدولة والمؤسسات المعنية صناعة البديل العربي والإسلامي بما يتوافق مع القيم والموروثات الدينية، بل ويعمل على ترسيخها، والاستفادة من المبدعين من الشباب لصناعة تلك المحتويات وتشجيعهم عليها، فمستقبل أبنائنا وأمتنا يستحق البذل والاهتمام.
_____________________
(1) سلسلة أفلام شهيرة تتحدث عن السحر وقدرته الخارقة في حل المشكلات بالاستعانة بالجن والقوى الخفية الأخرى.
(2) كاتب وباحث ومفكر تربوي واجتماعي، دكتوراة في علم الاجتماع التربوي.
(3) استشاري الأمراض النفسية للأطفال والمراهقين والإرشاد الأسري.
(4) وسائل الإعلام (التلفزيون)، د. فهمي قطب الدين النجار، موقع الألوكة.
(5) مقالة: وقت الشاشة، كيف ترشد طفلك، موقع مايو كلينك (باللغة الإنجليزية) Screen time and children: How to guide your child.