نهب للممتلكات وتخريب للأراضي وسرقة للبيوت، على مرأى ومسمع من جيش الاحتلال الصهيوني الذي يحرسهم ويدافع عنهم، هذا ما يفعله المستوطنون في الضفة الغربية، التي على ما يبدو أنها ستكون على صفيح ساخن خلال الأيام القادمة بما تحمله من تداعيات خطيرة، في ظل حكومة يمينية متطرفة يقودها المستوطنون والمتدينون وبدعم من حكومة، بنيامين نتنياهو الذي يجد نفسه مطوقاً بحبل حول رقبته خوفاً من انهيار ائتلافه الحكومي.
نوايا خطيرة
فبعد خطاب وزير المالية الصهيوني المتطرف بتسلئيل سموتريتش الذي تم كشف النقاب عن ملامحه، ويحمل نوايا خطيرة لضم الضفة الغربية، وتعزيز السيطرة الصهيونية عليها وإجهاض أي محاولة لأن تكون جزءاً من الدولة الفلسطينية، ضمن خطة تقوم على إخراج شؤون الاستيطان في الضفة الغربية من أيدي جنرالات الجيش الصهيوني وتسليمها إلى اليهود المدنيين العاملين تحت سلطته في وزارة الدفاع؛ ما يمنع قادة الجيش من عرقلة إنشاء المستوطنات الجديدة، وهي خطوة من شأنها تسهيل التوسع الاستيطاني في الضفة الغربية التي ينتشر فيها حوالي نصف مليون مستوطن صهيوني.
أرقام وإحصاءات
وبحسب معطيات هيئة مقاومة الجدار والاستيطان التابعة لمنظمة التحرير الفلسطينية، فإنه ونتيجة انحياز الإدارات الأمريكية المتعاقبة وغالبية الأنظمة الغربية للسياسات الصهيونية المتطرفة، بلغ عدد المستوطنين في مستوطنات الضفة الغربية بما فيها القدس 726427 مستوطناً، موزعين على 176 مستوطنة، و186 بؤرة استيطانية غير مرخصة، منها 86 بؤرة رعوية زراعية حتى بداية عام 2023م، وتسيطر دولة الكيان على 75% بمساحة تصل حوالي 5664 كيلومتراً مربعاً من الأراضي المصنفة «ج» حسب اتفاقية «أوسلو» الموقعة بين منظمة التحرير الفلسطينية ودولة الكيان.
تداعيات قانونية
النواحي القانونية للخطة تشمل إنشاء نظام مدني منفصل؛ ما يعني تحييد التدقيق الدولي فيما يتعلق بالمخططات الصهيونية التي ترمي إلى ضم الضفة الغربية بشكل غير معلن، وهي من شأنها إحكام السيطرة على الضفة الغربية بهدوء، لتمنع من عملية تحويلها إلى جزء من الدولة الفلسطينية، وهي خطوة سياسية مدعومة من حكومة نتنياهو من شأنها أن تؤدي إلى انهيار السلطة الفلسطينية، ومحاصرة آمال الفلسطينيين في إقامة دولتهم المنشودة.
لكن في مقابل ذلك، تعتبر هذه المستوطنات الصهيونية مناقضة لكل المبادئ والأعراف الدولية، وفي مقدمتها ميثاق جنيف الرابع حول قوانين الحرب 1949م، الذي يحظر على المحتل توطين سكانه في الأراضي المحتلة، وهو ما أعاد التأكيد عليه العديد من قرارات الشرعية الدولية، سواء قرارات مجلس الأمن الدولي، أو الجمعية العمومية، وبالتالي؛ فإن فرض الأمر الواقع بالقوة لا يمكن أن يتم شرعتنه ويصبح قانونياً.
وتشتبك السلطة الفلسطينية في مواجهة مريرة مع حكومة نتنياهو التي يقودها اليمين المتطرف، التي تحاربها بشتى السبل، ومنها الاقتحامات المتكررة لمناطق السلطة الفلسطينية، وإقامة الحواجز، وتغول المستوطنين، ورفض صرف عوائد الضرائب الفلسطينية (المقاصة).
مطامع ومصالح
سموتريتش، الذي يوظف مسؤوليته المباشرة عن مؤسسة الإدارة المدنية المسؤولة عن منح تراخيص البناء في الضفة ومراقبة «البناء غير القانوني» في الضفة الغربية، إلى جانب وزارة المالية يعتمد تكتيكين أساسيين في تحقيق مخططه، وهما: تشريع البؤر الاستيطانية «غير القانونية» التي دشنها المستوطنون بدون الحصول على إذن من حكومة وجيش الاحتلال، إلى جانب التوسع في هدم المنازل والمرافق الإنشائية الفلسطينية بحجة أنها «غير مرخصة».
ويحظى في ذلك بدعم حكومة نتنياهو وتوجهاته المتطرفة بإطلاق العنان له لتنفيذ مخططه، من خلال إضفاء الشرعية على 63 بؤرة استيطانية جديدة «غير قانونية» في الضفة الغربية، وتمرير قرارات حكومية تقضي بتحويل ملايين الشواكل كموازنات لتحسين الأوضاع الأمنية، وتطوير البنى التحتية في مستوطنات الضفة الغربية، بما يتماشى مع توجهات نتنياهو وحكومته، التي يسعى من خلالها إلى مقايضة سموتريتش، وبن غفير للقبول بصفقة تبادل توقف الحرب على غزة دون الانسحاب من حكومته ومنع انهيارها مقابل إطلاق يدهم في الضفة الغربية.
وفي ضوء خطته، سيقوم سموتريتش بهدم منشآت ومبانٍ وممتلكات فلسطينية، ومنع البناء الفلسطيني في مواقع متعددة في الضفة، بحجة تهديدها الأمن القومي لدولته؛ الأمر الذي يعني عملياً إلغاء ما تبقى من اتفاقية «أوسلو»، وضم الضفة الغربية دون إعلان رسمي حول ذلك؛ ما يعني أن عملية الضم، والمسؤولية المدنية لسموتريتش على الضفة الغربية، سيقودانه إلى تشكيل سلطة استيطانية شبه مستقلة، سيوفر لها الدعم والميزانيات من وزارة المالية التي يَرأسها، ويقوم بتطوير البنية التحتية وتخصيص الموارد والمشاريع والأراضي وإنشاء المباني، كما سيطلق يد المستوطنين الطويلة في الاعتداء على الفلسطينيين وقراهم وممتلكاتهم ودفعهم إلى الرحيل عنها، وتوطين المستوطنين الجدد فيها، بعد أن يصل عددهم إلى نحو مليون، بحسب خطته.
مواجهة وتصدٍّ
في هذه الحالة المتشابكة والصعبة في ظل الظروف الدولية الداعمة لدولة الكيان، لن يكون أمام الفلسطينيين سوى الوقوف في وجهها، ومناهضتها بكل الأثمان، وتفعيل المقاومة بكل أشكالها، بهدف إفشال مخططها القائم على محاولة تركيع الشعب الفلسطيني، وقتل حلمه وتطلعاته بالحرية والانعتاق من الاحتلال، وضرورة التوحد لمواجهة هذه الإجراءات، ومقارعة هذا العدو المتغطرس، ومعالجة الانقسام وتوحيد الموقف الفلسطيني، ليكون المنطلق في الصمود والقدرة على التصدي لمثل هذه المخططات، ووضع خطة موازية للتصدي بقوة لها ومواجهة إخضاع الشعب الفلسطيني الذي يعيش القتل والقهر بالقوة والإرهاب، والوقوف في وجه تهديد الأمن القومي العربي في حال المضي في تنفيذ هذه الخطة.