التطلع إلى المستقبل يتطلب التحرر من الأطر الضيقة والتفكير بآفاق أوسع، هذا النهج يقود إلى حلول حتمية، فليس هناك صراع دائم أو أوضاع ثابتة؛ فهكذا هي سُنة الحياة، وبالنظر إلى الصراع السوداني من منظور شامل، تتكشف لنا أسباب الصراع وأهدافه، إذا عرفنا الأسباب أدركنا حجم الصراع، ومن خلال البحث عن أهداف الصراع يمكننا أن نجد حلولاً، لا يوجد مستحيل إلا إذا استسلم الإنسان السوداني لأهداف من هم وراء الصراع وأصبح ضحية سهلة لتحقيق مصالح وكلاء الصراع.
نحن بحاجة إلى مكبر نرى من خلاله قضية الصراع في السودان بوضوح، فعند تكبير المشهد تتضح لنا خطة محكمة تدير الصراع، وحين نتتبع مساراتها وأزمنتها ومخرجاتها، يظهر الوكلاء الحقيقيون الذين ينفذون هذه الخطة بلا مبرر إلا لمصلحة الارتباط بالصهيونية والنظام العالمي الجديد، الذي يعد بديلاً عن الاستعمار القديم، هذا النظام يتخفى وراء مؤسسات وبرامج إنسانية وتعليمية واقتصادية، تجمعها مصلحة براغماتية تسعى لاستغلال موارد الدول الضحية ومنع شعوبها من النمو والتطور.
لذا، ليس بلدنا السودان استثناءً، طالما أرضه غنية بالموارد الثمينة كالذهب والمعادن الأخرى التي جعلت الغرب ووكلاءه يسعون لتحقيق مصالحهم في السودان، للأسف، بعض وكلاء هؤلاء هم من بني جلدتنا، وقد تركهم الاستعمار كتركة نواجه تحدياتها منذ فجر الاستقلال، هذه التركة تساهم في تنفيذ المخطط الموحد بين أصحاب المصالح الخارجية، سواء كان المستعمر أو اليهود الصهاينة، الذين يحلمون بالهيمنة على المنطقة بين النيل والفرات.
إذاً، الصراع في السودان سيستمر طالما أن خطة الاستعمار قائمة، والشعوب الغافلة عن هذه الخطط ستكون دائماً ضحية سهلة، حيث يجلب المستفيدون من الصراع وكلاء من دول عدة، منهم وكلاء اللوجستيك والتخابر والقتل والتشريد؛ مما يجعل السودان هدفاً سهلاً لهم، الصراع جعل الشعب السوداني غير قادر على تمييز الحق، وزادت حملات التشويه الإعلامي المدعومة بالتقنيات الحديثة من الضبابية.
بين الذي يجري وما نعمل عليه بجد كسودانيين أحرار، نرى أن الحل الوحيد في هذا المشهد القاتم هو النضال المستمر لتحرير السودان من المرتزقة؛ لأن التفاوض مع المستعمر أمر معقد، وقد لا يقبله العقل، سيفهم الشعب السوداني يوماً ما أسباب هذا المشهد المعقد، ويدرك الحلول بنفسه، فالإتيان بحلول تفرضها طاولة الحوار قد يأتي بـ«الدعم السريع» و«تقدُّم» إلى سدة الحكم، وهذا ما سيخلق صراعاً آخر، ووعي الشعب السوداني الجماعي يدرك ارتباط هذه المليشيا و«تقدُّم» بمصالح الخارج الداعم لهم؛ مما يجعل الشعب يرى ضرورة إزالة هذه الواجهة الاستعمارية.
نعود ونؤكد رغبتنا كسودانيين أن الحل الناجع يجب أن يأتي من داخل السودان، من بين أبنائه الأحرار، يجب أن يجلسوا معاً ويتفقوا على حلول داخلية، فأمامنا مثال في أفريقيا أرض النزاعات دولة رواندا وما حدث فيها من سلام داخلي بعد انتهاكات جسيمة لا مثيل لها، فيمكن أن يكون نموذجاً يحتذى به، بالإضافة إلى ذلك، يجب أن يتم التركيز على بناء مؤسسات قوية ومستقلة قادرة على مواجهة التحديات الداخلية والخارجية.
يجب أن يلتف السودانيون حول هوية وطنية جامعة تتيح لهم تجاوز الانقسامات العرقية والدينية والسياسية، يمكن أن يتم ذلك من خلال تنظيم حملات توعوية تهدف إلى تعزيز الشعور بالوحدة والانتماء الوطني، كما يجب العمل على تعزيز الحوار بين مختلف مكونات المجتمع السوداني لتحقيق التفاهم المتبادل وبناء الثقة.
لتحقيق السلام والاستقرار لا يمكن إغفال دور الشباب في عملية التغيير، يجب تمكين الشباب السوداني من المشاركة الفاعلة في الحياة السياسية والاجتماعية، وتوفير الفرص لهم للمساهمة في بناء مستقبل بلدهم، ويمكن تحقيق ذلك من خلال إطلاق برامج تدريبية وتأهيلية تهدف إلى تطوير مهارات الشباب وتمكينهم من قيادة عملية التغيير.
والتعليم هو الركيزة الأساسية لتحقيق التنمية المستدامة، بحيث يجب أن يتم التركيز على تحسين جودة التعليم وتوفير فرص التعليم للجميع، بمن في ذلك الأطفال في المناطق الريفية والنائية، كما يجب العمل على تطوير المناهج الدراسية لتشمل تعليم القيم الوطنية والمهارات الحياتية التي تساعد الأفراد على تحقيق التغيير الإيجابي في مجتمعهم.
إن مستقبل السودان يعتمد بشكل كبير على قدرة أبنائه على التكاتف والتعاون من أجل تحقيق السلام والاستقرار والتنمية، يجب أن يتم ذلك من خلال فهم الأسباب الحقيقية للصراع والعمل على حلها بطرق مبتكرة ومستدامة، حيث يمكن للسودان أن يكون نموذجاً يحتذى به في التغلب على الصراعات وتحقيق التنمية المستدامة إذا تم التركيز على الحلول الداخلية والوحدة الوطنية وتعزيز دور الشباب والتعليم.
وعلى الرغم من أهمية الحلول الداخلية، فإنه لا يمكن أيضاً تجاهل دور المجتمع الدولي في دعم جهود السلام والتنمية في السودان، فيجب على المجتمع الدولي تقديم الدعم اللازم للسودان في مجال الإغاثة الإنسانية وإعادة الإعمار، وكذلك في تعزيز الحوكمة الرشيدة وبناء المؤسسات الديمقراطية.