تعد قضية رواتب الأئمة والمؤذنين في مساجد دلهي تحت إدارة مجلس الأوقاف واحدة من القضايا المثيرة للجدل التي تتطلب اهتمامًا عاجلًا من الجهات المعنية، ففي الوقت الذي يُفترض فيه أن يحظى الأئمة، الذين يؤدون دورًا حيويًا في توجيه المجتمع المسلم دينيًا وأخلاقيًا، بدعم مالي مناسب يكفل لهم حياة كريمة، نجد أن الواقع يحمل في طياته العديد من الصعوبات والتحديات.
يعاني الأئمة والمؤذنون في مساجد دلهي من تهميش مالي واضح، حيث تُظهر الأرقام أن المكافآت المالية التي يحصلون عليها تُعد ضئيلة مقارنة بالجهود الكبيرة التي يبذلونها، فعلى سبيل المثال؛ يحصل الأئمة على مكافأة شهرية تقدر بـ18 ألف روبية، بينما يحصل المؤذنون على 16 ألف روبية فقط.
هذه الأرقام تُعد متواضعة للغاية بالنظر إلى التكاليف المعيشية المتزايدة في العاصمة دلهي، هذا المبلغ يُعتبر أقل بكثير مما يتقاضاه السائق أو عامل النظافة أو الموظف في الدرجة الرابعة من الرواتب الحكومية، ورغم أن هذه الرواتب قليلة، فإن الأئمة والمؤذنين يواجهون صعوبات كبيرة في الحصول عليها بسهولة، حيث يتعرضون لتأخيرات متكررة في صرف مستحقاتهم المالية، تستمر هذه القضية منذ أكثر من سنتين دون اهتمام يُذكر من الحكومة، ولا يزال الحل بعيدًا عن الوصول.
بيانات الأئمة
عبر الأئمة عن غضبهم واستيائهم من الوضع الراهن، مطالبين بإصلاحات فورية تضمن لهم حياة كريمة تتناسب مع دورهم الديني والاجتماعي، كما ينبغي لإدارة الأوقاف تحسين إدارتها وزيادة الشفافية في استخدام الأموال المتاحة، لضمان دعم أفضل للأئمة والمؤذنين وتحقيق أقصى استفادة من الموارد المتاحة.
تحدث الإمام غيور حسن في وسائل الإعلام قائلاً: مطالبتنا تتعلق فقط بالأجرة التي هي حقنا بالكامل، وأكد أن التضخم صعَّب إدارة بيوتنا، لكنهم لا يشعرون بذلك، قد مر بنا شهر رمضان والعيد، وتمضي الأشهر دون تغيير، ومع ذلك، لا نرى أي أمل في المستقبل.
وعبر نفيس الدين، المؤذن في مسجد قاضي والي في منطقة بهاد گنج، قبل 8 شهور عن ألمه قائلاً: إننا تماماً نُحرم من رواتبنا، منذ 14 شهراً، في حين يتلقى موظفو الوقف رواتب كاملة، وقال: إن هذه معاملة تمييزية مع الأئمة.
وطالب الإمام مشرف علي من مسجد كلية طبية، شارع حكيم أجمل خان، كارول باخ، بإقالة رئيس الوقف، لأنه لا يستطيع أن يدفع رواتب الأئمة، ولا يحمي ممتلكات الوقف.
وقال الإمام محمد مرتضى من مسجد سرائے أحمد پائی فتحفوری، وهو إمام الجامع، وذكر وضعه قائلاً: لقد أصبحت مديوناً للناس والآن بدؤوا يطالبون بالمبلغ المستعار، نحن كأئمة نضطر أيضًا للاقتراض من الناس لشراء الطعام والشراب، في حين يجب على الإمام أن يكون قائدًا، وأضاف أنه كيف يمكن أن تكون حال الإنسان الذي لم يتلق أجرته لمدة 14 شهرًا، ولا يوجد أمل في الحصول على أي شيء في المستقبل؟! قد يتوقع ذلك حتى الشخص غير المتورط، لكن الحكومة تبقى صامتة.
لمن هذه الرواتب؟ ومن أين؟
يعتقد الناس أن هذه الرواتب تم منحها من أموال الحكومة الضرائبية، ولكن هذا الخيال خاطئ؛ لأن هذه الرواتب للأئمة والمؤذنين تم منحها من خلال الأموال التي تحصلها الأوقاف من إيجارات الأراضي والممتلكات الأخرى التابعة لها، ومن الممكن أن تساهم إدارة الأوقاف بشكل فعال في زيادة دخل الأوقاف بشكل كبير، وفقًا للأنظمة المناسبة مما يعود بالفائدة على المجتمعات التي تخدمها الأوقاف.
ولا بد من الواضح لدى الجميع أنه ليس جميع أئمة المساجد ومؤذنوها يحصلون على رواتب من الحكومة، بل إن الأئمة والمؤذنين الذين يخدمون في المساجد التي تأتي تحت إدارة الأوقاف يحصلون على رواتب من الحكومة، وذلك لأن الحكومة تدير الأموال والإيجارات والأراضي التابعة للأوقاف، وتقدم جزءًا من هذه الأموال لدعم الخدمات الدينية في المساجد.
ملكية عقارات الأوقاف في الهند
يُعد مجلس الأوقاف ثالث أكبر مالك للأراضي في البلاد، بعد الجيش والسكك الحديدية، ووفقًا لتقرير، فإن هناك عشرة آلاف عقار وقفي في البلاد تحت سيطرة المؤسسات الحكومية، والمؤسسات الخاصة بدون أي إيجار رسمي.
وبحسب تقرير لجنة «ساشر»، فإن عدد عقارات الأوقاف يُقدر بحوالي 500 ألف عقار، لكن الوضع الحالي يشير إلى أن هناك نهباً وسلباً من أملاك الوقف البالغة مليارات في مختلف الولايات بشكل غير قانوني، ولا يوجد من يهتم بهذه القضية.
وفي ولاية أندرا براديش، تم الاستيلاء على 31 ألف فدان من أراضي الوقف بشكل غير قانوني، وفي ولاية كارناتاكا تم نهب نحو مليار روبية أو أكثر، وفي مثل هذه الحالة، تكون مسؤولية الحكومة توفير الحماية للأوقاف من خلال الإجراءات القانونية، وأيضًا تقع على عاتق المسلمين في البلاد مسؤولية أن يستيقظوا ويصبحوا جزءًا من حركة حماية الوقف.
وقد قام القاضي شاشفات كومار الذي رأس لجنة «شاشفات»، بإعداد تقرير حالة حول المسلمين في الهند في عام 2011م، وكانت نتيجة هذا التقرير أن ممتلكات الأوقاف في جميع أنحاء البلاد تشكل بنك أراضٍ يبلغ قيمته 10 آلاف مليار دولار (1.2 لاكه كرور)، وكان بإمكانها تحقيق عوائد سنوية قدرها 12 ألف كرو روبية (120 مليار دولار)، ولكن أنتجت فقط 163 كرو روبية (مليار و650 مليوناً)، ووجد أن هناك نقصًا شديدًا في عدد الضباط الحكوميين الكبار المسلمين لإدارة شؤون الوقف، وسيكون إنشاء كادر منفصل يعني وجود ضباط ليسوا فقط دائمين، بل أيضًا مؤهلين بما فيه الكفاية.
مطالب بتحسين الأوضاع
فنظراً للممتلكات الأوقاف والإيجارات والمكاسب، يجب على الحكومة والمجتمع المدني العمل معًا لتحسين الأوضاع المالية للأئمة والمؤذنين، يمكن تحقيق ذلك من خلال زيادة الدعم المالي الحكومي، وتخصيص جزء أكبر من الميزانية لدعم الأئمة والمؤذنين، بما يكفل لهم رواتب عادلة تتناسب مع جهودهم وأهمية دورهم في المجتمع، كما يجب القيام بتحسين إدارة الأوقاف، لتكون أكثر فعالية وشفافية لضمان استخدام الأموال المتاحة بشكل أمثل ولصالح الأئمة والمؤذنين.
إن الأئمة والمؤذنين يؤدون دورًا أساسيًا في المجتمع المسلم، وتقديم الدعم المالي المناسب لهم ليس مجرد واجب ديني، بل هو أيضًا واجب أخلاقي واجتماعي، يجب أن نتذكر دائمًا أن الاهتمام بأئمة المساجد وتقدير جهودهم يُعد خطوة أساسية نحو بناء مجتمع متماسك ومتوازن؛ ومن هنا، يجب على جميع الجهات المعنية العمل بجدية لتحقيق هذا الهدف النبيل.