تزامناً مع احتفالات دولة جنوب السودان بالذكرى الـ13 لاستقلال البلاد عن السودان في العام 2011م، تستعرض «المجتمع» أوضاع مسلمي جنوب السودان، وما تحقق لهم خلال السنوات الماضية من عُمر الدولة حديثة الولادة، فضلاً عن معلومات وحقائق حول تاريخ وحاضر مسلمي جنوب السودان، وإضاءات وإشارات عن الدولة نفسها وإنسانها وأبرز الإمكانات في عيدها السنوي الذي يصادف 9 يوليو من كل عام.
نستعرض في التقرير جنوب السودان الجغرافية والإنسان، لدولة تحتل موقعاً إستراتيجياً يقع بين خطي العرض 4-10 درجة شمالاً، تجاورها 6 دول أفريقية في مقدمتها السودان الدولة الأم، ثم أفريقيا الوسطى، والكونغو الديمقراطية، وأوغندا، وكينيا، وإثيوبيا، مشكلة تداخلاً سكانياً قبلياً مع هذه الدول.
ووفق إحصاء مجلس الكنائس العالمي لعام 1986م يمثل المسلمون في جنوب السودان 18%، والمسيحيون 17%، وأصحاب المعتقدات الأفريقية الأخرى 65%، بخلاف تقرير منظمات كنسية صادر عن اجتماع انعقد في أوغندا حول التعايش الديني، أشار الى أن نسبة المسلمين بجنوب السودان تصل الى 33%.
وتتكون دولة جنوب السودان من 3 مجموعات سلالية، هي: النيلية وأبرزها قبائل الدينكا، والنوير والشلك، ومجموعة الزنوج السودانيين وأبرزها قبائل الزاندي والمورو، ومجموعة النيليين الحاميين وأبرزها قبائل الباريا، اللاتوكا والتبوسا.
النشأة والتكوين
وفق نشرة تعريفية للمجلس الإسلامي لجنوب السودان، يعود دخول الإسلام إلى البلاد لأكثر من 500 عام عن طريق الجوار والتصاهر بين سكان جنوب السودان وسكان مملكتي الفونج والفور، عززته الكشوف الجغرافية والتجارة والتعليم.
وأشار المجلس في بطاقته التعريفية للمسلمين وتاريخهم إلى أن الإسلام في جنوب السودان وصل إلى أقصى نقطة له جنوباً عن طريق حملة اكتشاف منابع النيل التي قادها القبطان سليم بأمر من الخديوي محمد علي باشا بعد زيارته إلى السودان عام 1820م، ووصل سليم إلى منطقة غندكرو غرب مدينة جوبا الحالية في عام 1839م.
ولفت المجلس الى أن المسلمين في جنوب السودان يتركزون في المدن وزاد عددهم في العقود الثلاثة الأخيرة بصورة معتبرة نسبة لاعتناق أعداد كبيرة من أبناء الجنوب الإسلام بالتعليم والمعايشة والجهود الكبيرة التي بذلها بعض الدعاة الجنوبيين والمنظمات الإسلامية، مثل: منظمة الدعوة الإسلامية، والوكالة الإسلامية الأفريقية للإغاثة، وغيرهما من المنظمات.
مشاركة فاعلة بعيد الاستقلال
وبالعودة الى احتفالات البلاد بالذكرى الثالثة عشر للاستقلال، نجد أن مسلمي جنوب السودان شكلوا حضوراً مميزاً في هذه الاحتفالية، مؤكدين مكانتهم ووطنيتهم، وذكرت وحدة النشر الإلكتروني بإعلام الأمانة العامة للمجلس الإسلامي على موقعها بـ«فيسبوك»، أن الأمانة العامة للمجلس الإسلامي لجنوب السودان نظمت احتفالية اجتماعية تضامنية بمناسبة الذكرى الـ13 لاستقلال البلاد داخل سجن جوبا المركزي بتشريف بناسيو أموم دينق، النائب الأول للأمين العام للمجلس الإسلامي بجنوب السودان، وإشراف الجنرال الحاج أنطوني ليقي، نائب مدير عام السجن المركزي، بحضور مولانا خالد جمعة عبدالله، أمين الأوقاف الإسلامية.
وقدم وفد المجلس الإسلامي دعماً مقدراً لإطلاق سراح عدد 21 نزيلاً من ذوي الغرامات البسيطة والمتوسطة، بجانب جوائز تشجيعية للمباراة الختامية اشتملت على جوائز للفائزين والحكام واللجنة المنظمة.
ويرى الكاتب والصحفي إبراهيم أوول نيكير أن صورة الإسلام والمسلمين تغيرت في أذهان أهل جنوب السودان، نتيجة لبروز مجموعة من القيادات الإسلامية من الجنوب في ساحات العمل العام والسياسة والاجتماعية والعلمية، مؤكداً أن المسلمين حققوا الكثير من النجاحات في مسيرتهم خلال السنوات الماضية.
وأوول هو أيضاً سكرتير الإعلام والعلاقات العامة بالمجلس الإسلامي جنوب السودان، أوضح لـ«المجتمع» أن مسلمي جنوب السودان شأنهم شأن إخوانهم من مواطني البلاد أصبحت لهم مشاركات وحضور مميز، وأنهم اليوم في أفضل حالتهم وسط رعاية واهتمام من كافة مؤسسات الدولة ويمارسون عملهم بطريقة مستقلة وحرة، وفق تعبيره.
وأشار أوول إلى أن معظم التجار والعمل الاستثماري في جنوب السودان يتصدره المسلمين بجنوب السودان، وأن نحو 80% من الأسواق ومجال التجارة والسلع الإستراتيجية ومواد البناء والوقود يسيطر عليها أو يديرها مسلمون، إن كانوا مواطنين من جنوب السودان أو من دول الجوار، وقال: هذا جعل من المسلمين في جنوب السودان قوة اقتصادية يحسب لها حسابها، ولها دورها الطليعي في التنمية والاستقرار، وهو أمر معترف به ويشير إلى قوتهم وحضورهم.
وأكد أوول وجود انفتاح في المشاركة العامة للدولة، وقال: إن حكومة الوحدة الوطنية المنشطة في جنوب السودان تتكون من 5 أطراف رئيسة، وجد المسلمون فيها فرصة كبيرة في البرلمان بلغ 30 مقعداً في مجلس الولايات والتشريعي الانتقالي، معتبراً ذلك نجاحاً كبيراً إلى جانب المشاركة بوزيرين اتحاديين للمسلمين؛ وهما وزيرا الخارجية، والسياحة والحماية البرية، وقيادات في الحزب الحاكم الحركة الشعبية من حكام الولايات ومستشاري رئيس الجمهورية وغيرها من الفرص التنفيذية والقيادية.
مراحل تكوين المجلس الإسلامي
ويرجع ميلاد المجلس الإسلامي لجنوب السودان الذي مر بالعديد من المراحل، استجابة لمتطلبات اتفاقية السلام الشامل الذي وقع بين حكومة السودان والحركة الشعبية لتحرير السودان، في يناير 2005م، تطبيقاً للجزء «ج» الخاص بالعلاقة بين الدين والدولة الذي نصت بنوده على حرية الاعتقاد والتنظيم العقدي وحق كل اتباع الأديان والمعتقدات المختلفة في القيام برعاية شؤونها الدينية وإنشاء المؤسسات التي تحقق هذا الهدف.
وفي مايو 2007م، اتفق شريكا الحكم (حزب المؤتمر الوطني السوداني، والحركة الشعبية لتحرير السودان) على ضرورة قيام مؤتمر عام للمسلمين في جنوب السودان وإنشاء مؤسسة ترعى شؤونهم وتتحدث باسمهم، على مستوى محافظات وولايات جنوب السودان العشر.
وتمهيداً لقيام المؤتمر، دعت حكومة جنوب السودان مجموعة من قيادات المسلمين بجنوب السودان إلى اجتماع تداولي لتنظيم شؤونهم، عقد بمدينة جوبا في رمضان 2008م، ثم الاجتماع الأول لهيئة الشورى 2009م الذي وافق على خطة اللجنة العليا لتسيير شؤون المسلمين.
ومطلع مارس 2010م، انعقد المؤتمر التأسيسي الأول لمسلمي جنوب السودان بمدينة جوبا حاضرة جنوب السودان، برعاية الفريق أول سلفاكير ميارديت، النائب الأول لرئيس الجمهورية ورئيس حكومة جنوب السودان آنذاك، شرفه وخاطبه المشير عمر البشير، رئيس الجمهورية آنذاك.
وبعد أن نالت جنوب السودان استقلالها في 9 يوليو 2011م من جمهورية السودان، أصبح المجلس الإسلامي بجمهورية جنوب السودان الجهة الشرعية التي تدير شؤون المسلمين بالبلاد، وهو ما يتماشى مع أهداف المجلس العليا منذ تم تأسيسه في العام 2010م، والمتمثلة في ترقية وحماية المصالح والهوية الإسلامية، وأعطى سلطات واسعة للمسلمين لممارسة شأنهم الإسلامي في جمهورية جنوب السودان.