الشاعر الإسباني بيدور ساليناس الذي ولد في 27 نوفمبر 1891، وعاش حتى عام 1951م، وهو شاعر وكاتب مسرحي وأديب إسباني، ويعد من أحد كبار مؤسسي الحركة الشعرية الإسبانية في ذلك الوقت، كتب مقالًا أسماه «الأميون الجدد»، حذر فيه ممن أسماهم بهذا الاسم.
فقال: ثمة أيضاً نوع من الأميين الجدد جزئياً الذي يمكن رؤية أصحابه يحومون حول أكشاك بيع الصحف كنحلات طنانة تحوم حول زهرة نضرة، بحثًا عن المقادير التي ستصنع بها عسل حياتها الفكرية.. إنهم لا يقرؤون الكتب، ولكنهم مفتونون بتكاثر المجلات وبمواضيع أغلفتها؛ أي أن هؤلاء الأميين بعيدون كل البعد عن القراءة وليس لهم منها إلا مشاهدة أغلفة المجلات، هؤلاء أهل للشفقة لأنهم بعيداً عن إعفاء أنفسهم مشقة العناء كقُراء، فهم في غاية السخاء والكرم حين يتعلق الأمر بها، يقرؤون الأعمال الضعيفة بشراهة، ويعودون لمنازلهم محملين بالمجلات التي يحرثون فيها بعيونهم لساعات، دون أن يحصلوا بالنهاية على أكثر مما يحصل عليه طفل يلهو بأحجية بانورامية لا يبدو أنها ستنتهي، عاجزين عن رؤية الصورة الكبرى التي يبدو فيها كل شيء في مكانه الصحيح.
إن هذه المجموعة الجديدة تنمو ببطء، وقد حان الوقت لتسميتها ولإعطاء المنتمين لها وضعاً اجتماعياً، إنهم «الأميون الجدد».
وهم على درجة من التأثير والخطورة تتجاوز كثيراً الأميين أميّة بحتة؛ فهم يرفضون البقاء في الدرك الأسفل مع الشيطان في ظلمات الجهل، إلا أنهم لا يطمحون للوصول إلى ضوء المعرفة المقدس، إنهم قادرون على كل شيء، ولا يجازفون بشيء.
إن تعليم الناس كيف يقرؤون ليس كافياً في أغلب الأحيان لينتزعهم من فقرهم الروحي الأساسي أو، وكما قال «ت . س. إليوت»: إن التعليم لا ينتج الثقافة إلا في أضيق الحدود!
إن هؤلاء الصغار يبدؤون حياتهم مسلحين بمهارات القراءة والكتابة الأولى فقط، واثقين من أنهم قد تمكنوا من السيطرة على جهلهم الأوّلي، ثم يفاجَؤون لاحقاً بأن غريماً قوياً ينتظرهم عند الزاوية.
إن هذه القوى الشريرة سوف تجذبهم إليها فتحولها إلى مخلوقات بسيطة؛ أميّين جدد يعيشون راضين، محكومين بحكم مؤبّد للعيش مدى الحياة في شكل مختلف من تخمة الجهل.
ومن عاش في تخمة الجهل عاش خارج النطاق الحقيقي للمعرفة.
وهذا الاختيار الطوعي للأمية الجديدة المتحور الجديد الذي يعيشه الأميون الجدد في عصر الإنترنت والفضائيات المسطحة للعقل والمفسدة للذوق السمعي والبصري، ومنصات التواصل الاجتماعي التي أصبحت بديلاً عن الصحافة والصحف التي كان يأخذ عنها الأميون الجدد الذين ذكرهم ووصف حالهم الشاعر الإسباني ساليناس، وحال أميي الوسائل العصرية البديلة للصحافة من سطحية وجهالة لا تقارن بحالة أميي الصحافة الذين وصفهم ساليناس، وما تعاني منه حالة الخطاب الإعلامي المعاصر الذي تعج به منصات التواصل الاجتماع لخير دليل على القاع العميق الذي وصلت إليه الثقافة المنتشرة بين الشباب العربي، وما انحدرت إليه الذائقة البصرية والسمعية من انحطاط غير مسبوق!
فما تقدمه هذه الوسائل من السطحية يجعلها عامل هدم لا وسيلة بناء مع ضعف معرفي عند المتلقين خاصة من الفئة التي استبعدت من حياتها القراءة العميقة من مصادر أصلية، فنشأ جيل أشد أمية من الأمية الجزئية التي ذكرها ساليناس، ولو عاصرهم لأطلق عليهم وبكل جدارة اسم «جيل ما بعد الأمية المطلقة».