منذ سنوات، يتبنى المفكر الإسلامي وأستاذ النقد الأدبي بجامعة عين شمس د. حسام عقل مشروعاً فكرياً لمواجهة الإلحاد، وهو ما عبر عنه في كتابه «عالم بلا إلحاد»، ليضع لبنة في حصون المناعة ضد هذا المرض الخطير الذي يستهدف الشباب والمراهقين.
والإلحاد ليس ظاهرة جديدة، لكن أخطاره اليوم تزداد بظهور جيل يرفع لافتة «التنوير» ويبطن الإلحاد، وحول هذه التحديات يدور هذا الحوار:
ما الأسباب الحقيقية لانتشار الإلحاد في عالمنا المعاصر؟
– من ناحية الأدوات، هناك بالطبع مواقع التواصل الاجتماعي المتعددة؛ حيث وفرت لهؤلاء الشباب مساحات أكبر من حرية التعبير غير المسؤولة، وهذه المواقع تعتبر أكثر أماناً للتعبير عن آرائهم في رفض الدين والأعراف الاجتماعية.
الإحباط والتبعية والضعف المعرفي والعقيدي وراء تنامي الإلحاد
ولكنَّ هناك أسباباً أعمق لانتشار الإلحاد والمتمثلة في شيوع حالة من الإحباط لدى الشباب جراء الحروب والأزمات التي تشهدها بلدان المنطقة، في الوقت الذي تقوم فيه آلة الإعلام الغربي بإلصاق التكفير والإرهاب بالإسلام، وتصدر مشاهد الذبح والعنف التي تمارسها جماعات التطرف، كما أننا نعاني فكرة التبعية للغرب في حياتنا العامة، وانتشار الفلسفات الغربية المكرّسة للإلحاد الخفي، والضعف المعرفي والعقيدي المتراكم لدى شباب المسلمين، وظاهرة تضخيم نقائص المتدينين، وتحميل الدين تبعاتها، برغم من كونها ظواهر فردية مرتبطة بأصحابها من المصابين بالهوى والشره للمال وخلافه، ومن المصابين بالجهل والأفق الضيق أو المنحرف أو التأويل الخاطئ للنصوص الدينية بعيداً عن الاعتدال والوسطية.
وما علاقة الحركة الصهيونية بالإلحاد؟
– استغلت الحركة الصهيونية ضعف المسلمين فنشرت العلمانية لإفساد أمم الأرض بالإلحاد والمادية المفرطة كي تهدم هذه الأمم نفسها بنفسها.
ونشرت الصهيونية العالمية نظريات ماركس في الاقتصاد والتفسير المادي للتاريخ، ونشروا نظريات فرويد في علم النفس، وكذلك نشروا نظرية دارون في أصل الأنواع، ونشروا نظرية دور كايم في علم الاجتماع، وكل هذه النظريات من أسس الإلحاد في العالم، وبالتدريج حاولوا نقل هذه الأفكار للعالم العربي والإسلامي من أجل إفساد هويتهم وإضعافهم فوجدوا لهم مستمعين متلقين لما يتم ترويجه للأسف الشديد.
كيف ترى مواجهة الإلحاد في عالمنا العربي؟
– الملحد ليس منظّراً ولا فيلسوفاً، هو إنسان ارتبكت الأوراق عنده، ويحتاج لأن يفتح عقله وضميره، ومحاربة ومواجهة الإلحاد جزء من الأمن العالمي إذا أردنا الوصول للاستقرار النفسي والفكري للشعوب؛ فكثير من الملحدين انتهت حياتهم بشكل مأساوي، ولن نذهب بعيداً؛ فلدينا على سبيل المثال إسماعيل أدهم، الأب الروحي للملحدين العرب، صاحب كتاب «لماذا أنا ملحد؟»، وقد انتحر كراهية في الحياة بحسب الرسالة التي عُثر عليها إلى جواره.
هل ترى أننا أسرى التهويل أو التهوين من ظاهرة الإلحاد؟
– حين نرصد ظاهرة الإلحاد يجب أن نتجنب كلا الأمرين؛ الاستهانة والمبالغة، فالإلحاد ليس زوبعة في فنجان ستنتهي، ولا هو الظاهرة المهيمنة على الشباب في عالمنا العربي، فهذا نوع من تصدير مخاوف مبالغة سندفع فاتورته غالياً، في غزوة «حُنين» يعلمنا الله تعالى بقوله: (وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شَيْئاً وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُم مُّدْبِرِينَ) (التوبة: 25)؛ أي: هربتم! معنى هذا أن القرآن الكريم يدعونا لعدم الاستهانة بالعدو مهما بلغت قوتنا، فهناك معركة حتمية مع الإلحاد العربي والعالمي.
من هو الأب الروحي للملحدين في العصر الحديث؟
– سام هاريس، رمز الملحدين العرب، وقد صنعنا أصناماً في الفراغ والجهل، وقد سأل هاريس في محاضرة له منشورة باسم «where is Allah’s compassion» أو «أين رحمة الله بنا؟»، وللأسف الشديد لم ينطق أحد رغم أن رحمة الله في كل خلية من جسدنا، وبدونها لم يكن لسان هاريس نفسه سيتحرك ليسأل، وهو الرجل الذي تجاهل الحقيقة الكبرى عمن خلقه وخلق الكون من عدم؟
البعض يحاول تضخيم نقائص المتدينين للنيل من الدين
لهذا أنا أرى أن الإلحاد يقوم ليس على العلم، وإنما التشكيك والاستعلاء وغض الطرف عمداً عن الحقائق الظاهرة كالشمس.
وليس هاريس وحده، فقد جاء من قبله ستيفن هوكينج وغيره، وهنا يجب أن أحذر الشباب من أفكار قادة الرأي الغربيين خاصة الذين تطفو من خطبهم فكرة التشكيك في وجود الله تعالى.
ولماذا قلت: إن الإلحاد تحول لـ«بيزنس» و«شو»؟
– سأضرب مثلاً بستيفن هوكينج، وهو من أيقونات الإلحاد، له كتاب «A brief history of time» لما طرح فكرة احتمالية وجود الله قال عبارته الشهيرة: «that may be so»، قد يكون هذا صحيحاً، قد يكون للعالم إله! أرأيت يا ملحد كيف باعوك في نصف الطريق؟! أرأيت يا ملحد كيف تلاعبوا بك؟! أرأيت يا أيها الشاب المغرر بك أن هناك ما يسمى بـ«بيزنس الإلحاد»، وأن هؤلاء -أو الكثيرين منهم- يسعون للفت الأنظار والبحث عن «الشو» الإعلامي الرخيص؟! لقد باعوك في منتصف الطريق، وضع هذه العبارة نصب عينيك، الإلحاد ليس أفقاً للقادم.
هل اختلفت حجج الملاحدة عبر التاريخ؟
– أرى أن حججهم ثابتة وإن اختلفت الأدوات والشواهد بحسب التقنيات المتاحة؛ وما كان يقوله ابن الرواندي في زمن الحضارة الإسلامية –وقد كان ملحداً مجاهراً- لا يختلف كثيراً عما قاله إسماعيل أدهم في العصر الحديث، وما يقوله هوكينج عالم الفيزياء وغيره من الملاحدة غرباً وعرباً.
وما علاقة حركات العلمانية بالإلحاد في عالمنا العربي؟
– إن أخطر من الملحد الصريح الذي يجاهر بإلحاده ذلك الشخص الذي يتقنع بقناع المؤمنين، ويندس بين أظهرنا ويزعم أنه صديق للإسلام؛ قرآناً وسُنة وتاريخاً، وهو في الواقع يدس السم في العسل، ويضرب البيت من أساسه، هذا النوع من الإلحاد أخطر أنواع الإلحاد، وهو الملحد المنظّر، وهو جرثومة خطيرة في حياة المسلمين.
وبالتالي اقتضى هذا أن نراجع تاريخ الفكر العربي ونرى أسماء منها خليل عبدالكريم الذي رحل عن الحياة عام 2002م وعاش بالتقية وإظهار عكس ما يبطن، والتظاهر بصداقته للقرآن والسُّنة، وهو يكتب في 3 مجلدات هجوماً على الصحابة بلا سند، وهو الملقب بـ«الشيخ الأحمر» لانتمائه اليساري.
من أشهر العائدين من عالم الإلحاد مؤخرًا؟
– كما ذكرنا من قبل، يعد ستيفن هوكينج أشهر ملاحدة العصر، وقد عاش حياته حتى مات ينكر وجود إله يدير الكون، لكن على العكس ظهر كتاب آخر لأنتوني فلو باسم «هناك إله» (There is a god)، وأكد فيه أن رحلته كانت رحلة عقل وليست إيمان، وأنه كان يتبع البرهان إلى حيث يقوده.
هناك من يبحث عن بيزنس الإلحاد و«الشو» الإعلامي الرخيص
وقال فلو في نهاية كتابه: «أؤمن بأن هناك إلهاً واحداً أحداً، واجب الوجود غير مادي لا يطرأ عليه التغيّر، مطلق القدرة مطلق العلم»، يعلن بذلك وفاة الإلحاد بشكله الفلسفي الذي عاش لينظّر له طوال حياته.
وقد شوهد فلو قبل ذلك وهو في إحدى نوبات السكر راقداً على الأرض، يصرخ ويقول: إني أكره أبي! إني أكره أبي! دلالة على أن ما مر به من ظروف تربوية قاسية وتعنيف من والده، ظل محفوراً في ذهنه وأثّر سلباً على حياته، فكان الإلحاد المخرج ربما للتنفيس والانتقام.
وهذا ما حدث مع آخرين من رواد الإلحاد، كنيتشه، وبرتراند راسل، وستالين، وحتى سيجموند فرويد، وهو ما تؤكده دراسة بعنوان «النمط النفسي للملحد» أجريت على 320 عضواً من أعضاء الاتحاد الأمريكي لتقدم الإلحاد، ذكرت أن نصف مَن تبنوا الإلحاد قبل سن العشرين فقدوا أحد والديهم قبل هذه السن.