أكد الخبير العسكري السوداني العميد نجم الدين عبد المحمود أن السودان بحاجة ماسة إلى وفاق سياسي يرافقه استقرار مجتمعي، ويصاحبه ازدهار اقتصادي لإخراج البلاد مما هي فيه الآن، وقال: إن الشعب السوداني من أكثر شعوب الأرض معاداة لـ«إسرائيل»، وأن هناك أصابع صهيونية ودولية وإقليمية وراء إشعال الحرب في السودان من أجل تنفيذ مشروع تمزيق وحدة السودان.
وواصل الحديث عن آفاق مستقبل السودان وكل ما يتعلق به في هذا الحوار مع «المجتمع».
ما مستقبل السودان في ظل الصراع المتواصل اليوم؟
– لا شك أن السودان في ظل هذه الصراعات بحاجة ماسة إلى وفاق سياسي أولاً، يرافقه وفاق اجتماعي، ومن ثم ظهور أحزاب سياسية لها برنامج واضح وتحظى بإجماع من قبل الشعب السوداني، ومن ثم يحدث هذا الاستقرار السياسي المنشود، ويتبعه استقرار اقتصادي.
هذا الصراع أصبح تاريخياً منذ الاستقلال التي كانت كلها فترة صراعات، وقبيل خروج الاحتلال من بلادنا بعام واحد دارت الحرب في جنوب السودان، وظلت مستمرة حتى انفصل الجنوب، وأصبح دولة مسيحية، وهناك عدة أسباب أدت إلى هذا الصراع وإلى حالة عدم الاستقرار، منها أن السودان كان متمرداً على الاستعمار، وكان به ممالك قديمة جداً تتمتع بالحكم الذاتي؛ مثل علوة وسوبا وسنار والفور، وغيرها، والدليل على ذلك مقتل جوردن باشا في الخرطوم، القائد الذي كان يعتز به الإنجليز في بريطانيا، وهو الذي أذاق الهنود الأمرين، هذا القائد قُتل في الخرطوم ولن ينساه البريطانيون والغربيون بسهولة.
السودان بحاجة إلى وفاق سياسي واستقرار مجتمعي ليعود سلة غذاء العالم الإسلامي
كما أن أطماع الغرب في الموارد الطبيعية المتوفرة في السودان من البترول والغاز والحديد والذهب واليورانيوم، والأراضي الزراعية الخصبة الشاسعة، ووفرة المياه الجوفية ومياه الأنهار والأمطار والثروة الحيوانية، علاوة على موقع السودان الإستراتيجي الممتاز في قلب العالم الذي يربط بين العالم العربي والأفريقي ووسط أفريقيا والقرن الإفريقي بما له من أهمية من أسباب استهداف السودان.
كذلك من أسباب الصراع في السودان التعدد الإثني والقبلي الذي حاول الاستعمار أن يخلق فجوة بين مكونات النسيج الاجتماعي للبلاد، سواء كان في الجنوب أو الشمال باختلاق سياسة المناطق المقفولة لفترات طويلة، وجعل جنوب السودان يدين بالديانة المسيحية، وشمال السودان بالإسلام، وكل هذه المسائل أسباب للصراع المستمر، والحال التي وصلت ذروتها في هذه الفترة الأخيرة.
ما إمكانية التوصل إلى حل لوقف الاقتتال في البلاد؟
– بالطبع هناك إمكانية لوقف الاقتتال، ولا بد من إيقافه، حيث إن هناك مخططاً دولياً إقليمياً مشبوهاً ضد وحدة السودان ويسعى لتفتيته، ومتى ما يرى أصحاب هذا المشروع بأنه قد فشل ستتوقف هذه الحرب سواء كان بهزيمة التمرد أو باتفاقية سلام تنتهي باستسلام قوات التمرد، وهذا ممكن ومتاح، وليس هناك تعقيدات؛ لأنه حتى الآن لم تنحُ هذه الحرب نحو الحرب الأهلية.
ما دور الإسلاميين فيما يحدث الآن في السودان؟
– لا شك أنه بعد الإطاحة بالحكومة الإسلامية عام 2019م، نأى الإسلاميون بأنفسهم عن السلطة وعن المشاركة في النشاط السياسي؛ إلا أنهم الآن في هذه الظروف الأمنية التي فرضت عليهم المشاركة في هذه الحرب هم موجودون بقوة شأنهم شأن غيرهم من الطوائف السياسية الأخرى؛ لأن هذه الحرب صارت بين الشعب السوداني ككل بقواته المسلحة وأحزابه السياسية وقواه الوطنية من جهة، ومليشيا «الدعم السريع» وأصحاب مشروع تمزيق السودان من جهة أخرى.
الإسلاميون جزء لا يتجزأ من حسم المعركة الدائرة الآن لصالح استقرار ووحدة البلاد
ولذلك، الإسلاميون هم الآن جزء لا يتجزأ من حسم تلك المعركة الدائرة الآن في السودان، حيث إنهم الأكثر تنظيماً وشعبية، وهم بالتأكيد متوقع أن يكون لهم دور في أي انتخابات قادمة على برنامج واضح، ووجود بقوة في رسم مستقبل السودان السياسي.
كيف يمكن مواجهة المؤامرات الإقليمية على السودان؟
– يأتي هذا من خلال الاستقرار السياسي وتوحيد الجبهة الداخلية، وإعادة النظام السياسي المستقر؛ مما سيفشل هذه المؤامرات الدولية على السودان.
ما واقع الوضع الإنساني في السودان بعد أكثر من عام على الاقتتال الداخلي؟
– الوضع الإنساني في بعض المناطق التي تسيطر عليها مليشيا «الدعم السريع» معقد وسيئ للغاية، وهناك حالة نزوح ولجوء جماعي لبعض الدول المجاورة، ولكن هناك في غالب ولايات السودان الخالية من الحرب الحالة الإنسانية مستقرة فيما يخص المواد الغذائية والنواحي الصحية، وإن كانت سيئة، ولكنها متوفرة.
ومن المعلوم أن السودان دولة منتجة خاصة للمواد الغذائية؛ وبالتالي فكثير من ولايات السودان لم تتأثر بهذه الحرب، خاصة أن لديها وفرة من الإنتاج للمواد الغذائية؛ نظراً لعدم وجود تصدير بسبب الأحداث الحالية، فأصبحت أسعار هذه المنتجات رخيصة جداً ومتوفرة بكميات كبيرة تفوق طاقة الاستهلاك المحلي بسبب زيادة العرض.
ولكن تظل هناك حالة إنسانية وإهمال ولا مبالاة دولية وإقليمية لما يتعرض له الشعب السوداني فيما يخص المساعدات الإنسانية، وهذا موضوع طويل، ولا يوجد من يريد أن يوقف هذه الحرب المستمرة منذ 15 شهراً.
من الذي يقف خلف مليشيا «الدعم السريع»؟ وما الهدف من ذلك؟
– جهات كثيرة جداً تقف خلف «الدعم السريع»، منها من هو أصيل في هذا المشروع، ومن هو عبارة عن جسر لأعداء السودان، وفيما يبدو ظاهراً للعيان وقدمت به الحكومة السودانية شكوى إلى مجلس الأمن دولة خليجية وبعض دول الجوار، حيث إن الدعم اللوجستي يأتي عبر تلك الدولة، وهي معبر لمن يسعون لتمزيق وحدة السودان يمر من خلاله «إسرائيل» والولايات المتحدة الأمريكية وبعض دول أوروبا.
الوضع الإنساني سيئ للغاية في مناطق سيطرة مليشيا «الدعم السريع» منذ أكثر من عام
وهذا مشروع قديم منذ ثمانينيات القرن الماضي لتقسيم وتفتيت السودان، وهذا الدعم سواء كان لوجستياً أو بجحافل المرتزقة أو بمختلف التقنيات، حتى إن هذه القوات المتمردة تتحرك بمعلومات عبر الأقمار الصناعية من بعض الدول التي ترعى هذا المشروع؛ فكل هذا الدعم مرصود.
ما ملامح الحصاد المر لتطبيع السودان مع «إسرائيل»؟
– التطبيع مع «إسرائيل» لم يكتمل، وهناك بعض اللقاءات التي لم تأت بشيء، وليس هناك مستفيد من علاقته بـ«إسرائيل» إطلاقاً، وإن هذه اللقاءات التي تمت سواء مع عبدالفتاح البرهان، أو محمد حمدان دقلو (حميدتي)، وقادة مليشيا التمرد، يعلم اليهود أنهم لا يمثلون الشعب السوداني الذي يعد من أكثر شعوب الأرض معاداة لـ«إسرائيل» وكيانها.
كما أن جواز السفر السوداني هو الوحيد في العالم الذي يكتب داخله عبارة «يسمح به لكل الدول ما عدا إسرائيل»، وكذلك العالم الإسلامي يتذكر للشعب السوداني قمة «اللاءات الثلاث» المشهورة في الخرطوم عام 1967م (لا اعتراف، لا تفاوض، لا تطبيع)؛ لذلك الصهاينة يعلمون أن هذه اللقاءات التي تمت يستحيل أن يحدث بها تطبيع من الشعب السوداني لا سيما في ظل حكومة مستقرة.
والأصابع «الإسرائيلية» ظاهره بقوة في هذه الحرب بالتسليح وأجهزة الاتصالات والتقنية الحديثة فيما يخص معلومات الأقمار الصناعية وتوجيه قوات التمرد ودعمها بالأسلحة.