لا يمكن بحال من الأحوال غض الطرف عن علاقة الإلحاد بالسحر، في ظل تقارب الأهداف والطقوس، وانتهاء بالمآلات الناجمة عن ذلك الخطر السرطاني، الذي يتمدد في مجتمعات عدة، تحت مسميات مختلفة، وضمن جماعات شاذة، تنتهي بأصحابها إلى عبادة الشيطان، وقتل الأطفال، والانتحار الجماعي.
يوضح د. عبدالمنعم سلطان، رئيس قسم الشريعة بحقوق المنوفية، أن من يتأمل التعريف اللغوي لكلمة الإلحاد كما جاءت في معجم «لسان العرب»، سيجد تماساً بين الإلحاد والسحر، الأول يعني «المَيْلُ عن القصْد»، ولحَدَ إِليه بلسانه: مال، والأَصل في الإلحاد «المَيْلُ والعُدول عن الشيء»، قال تعالى: (وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ) (النحل: 103)، وأما أصل السحر لغة فهو «صرف وتخييل الشيء عن حقيقته إلى غيره بالمخادعة والعزائم والطقوس الكفرية»، قال تعالى: (قَالَ أَلۡقُواْۖ فَلَمَّآ أَلۡقَوۡاْ سَحَرُوٓاْ أَعۡيُنَ ٱلنَّاسِ وَٱسۡتَرۡهَبُوهُمۡ وَجَآءُو بِسِحۡرٍ عَظِيمٖ) (الأعراف: 116).
رموز وطلاسم السحر تقود أصحابها إلى «عالم النور الشيطاني»
ويشير سلطان إلى أن الإلحاد له أكثر من معنى، أهمها: عدم الإيمان بوجود آلهة خالقة للكون وما فيه، والإلحاد بهذا المعنى مفهوم قديم جداً، وقد ذكرت الكتب السماوية وخاصة القرآن الكريم الكثير من قصص الملحدين الذين كذبوا الرسل والأنبياء.
وعن تاريخ الملحدين في الوطن العربي، يؤكد د. سلطان أن البعض يؤكد أن بدايته كانت قبل الإسلام وهم ما يطلق عليهم «الدهريين»، وجاء ذكرهم في القرآن الكريم في: (وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ وَمَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ) (الجاثية: 24)، أما بعد ظهور الإسلام فتراجع وجودهم كثيراً، ولم يظهروا في تاريخ الأمة إلا من خلال الفلاسفة المشككين في الإسلام والذين تأثروا بالفلسفات اليونانية والإغريقية الوافدة وتخفوا تحت شعار «اللاأدريين»، ومنهم ابن الراوندي، وأبو عيسى الوراق، وغيرهما.
عبدة الشيطان
ويلفت د. محمود الصاوي، أستاذ الثقافة الإسلامية بكلية الدعوة- جامعة الأزهر، الانتباه إلى طقوس عبدة الشيطان باعتبارها جماعة تجمع بين الإلحاد والسحر، قائلاً: إن علم تاريخ الأديان يؤكد أن أتباع الشيطان موجودون منذ القدم، ومنهم عبدة السحرة في الحضارة الفرعونية الذين كانوا يعبدون الفرعون الذي أقنعهم بأنه ربهم الأعلى، وكانت لديهم طقوس كفرية حتى يتم تسخير الجن لأغراضهم في إيذاء الناس.
ويضيف أن الشيطان زيَّن لمن يعبدونه أعمالهم حتى ظنوا أنه الأقوى الذي سينتصر على كل العالم الذي يؤمن بوجود إله، ويقومون بطقوس عجيبة منها «القداس الأسود» الذي من خلاله يتم استحضار الشيطان في غرفة مظلمة ذات جدران عليها رموز وطلاسم شيطانية، ومذبح أسود عليه كؤوس عظام بشرية وخمور وخنجر لذبح الضحايا، وتتم مباركة ذلك بنجمة الأجنحة الخمسة، وديك لون ريشه أسود، وصليب، ثم يقود الكاهن القداس بعصاه وخنجر يذبح به الديك الأسود ثم يقوم بشرب دمه هو وجميع الحضور، الأغرب ما يتم في «القداس الأحمر» الذي فيه استبدال طفل صغير بالديك وذبحه وشرب دمه بل وأكل لحمه!
تراجع دور الدين في حياة الأوروبيين وراء تنامي النزعة الإلحادية
انتحار جماعي
يعود أول ظهور علني لهذه الجماعة الشيطانية، بحسب الصاوي، إلى جماعة «الغنوصيين» التي ظهرت وعظمت الشيطان في القرن الميلادي الأول، ووصل بهم الكفر إلى أن جعلوا الشيطان مساوياً لله في قوته، وأعقب ذلك أكثر من ظهور غير منظم خلال العصور المظلمة في أوروبا، ثم تطور الأمر إلى تنظيم على يد الإنجليزي اليستر كراولي الذي ادعى أنه نبي من الشيطان للبشر، وأنه أباح لهم كل ما تحرمه الأديان من السحر والجنس الجماعي والقتل وشرب الدماء والمخدرات، وأكل لحوم البشر والانتحار الجماعي، حتى انتحر 150 من أتباعه في جلسة واحدة، وزادت الجماعة الشيطانية تنظيماً على يد اليهودي أنطوان لافي عام 1966م، الذي أسس أول كنيسة شيطانية مرخصة في الولايات المتحدة، وكانت لديه قدرة خارقة على إقناع أتباعه بالانتحار الجماعي للوصول إلى سعادة أكبر في جحيم السماء، والإيمان بأن قتل الأطفال أفضل القرابين للشيطان للدخول إلى «عالم النور الشيطاني».
ويحذر الصاوي من انتشار أفكار هذه الجماعة في العالم، ومنها للأسف في بعض الدول العربية والإسلامية، مشيراً إلى حفلاتهم التي تمجد معبودهم الذي يمثل التمرد والقوة والحكمة والانتقام من المخالفين، ومن أشهر وصاياهم: «دمر كل من يضايقك بلا رحمة، ولا تتوقف عن الجنس حتى مع المحارم، وأقبل على تعلم السحر وآمن بطقوسه وارتدِ الملابس السوداء، وارسم الوشم برموز شيطانية كرأس الكبش والنجمة الخماسية والسيوف، واصنع إكسسواراتك من الجماجم والعظام، ولا تهذب شعرك الطويل، واجعل أظافرك طويلة، وحاكِ قرون الشيطان بأصابعك»!
تراجع ديني
وترى د. منى كمال، أستاذ علم الاجتماع بجامعة عين شمس، أن مفهوم الإلحاد الصريح بدأ يتبلور كرد فعل لعصور الظلام التي سيطرت فيها الكنيسة على أوروبا وقتلت العلماء، فكان الخروج من الدين وتبلور مصطلح الإلحاد مقترناً بالحرية والتنوير، وبدأ الملحدون الأوائل يعلنون عن أنفسهم في القرنين السابع عشر والثامن عشر، وخاصة الثورة الفرنسية التي أعلنت أن السيادة المطلقة للعقل والإرادة البشرية، وبدأت بعض الدول الأوروبية تعلن نفسها «ملحدة» أو ترعى الملحدين، فضلاً عن ظهور الماركسية التي وصفت الدين بأنه «أفيون الشعوب».
استغلال ممنهج لوسائل التواصل في تكوين شبكات عالمية للملحدين
وتضيف أن الإلحاد والسحر منبعهما الشيطان، ولهذا نراهما جزءاً أساسياً من غالبية طقوس «عبدة الشيطان»، ولا يمكن الفصل بين تراجع دور الدين في حياة الأوروبيين مع بداية الثورة الصناعية، وبداية نمو الفكر المادي الاستعماري الذي يطبق بجدارة المبدأ الميكافيللي «الغاية تبرر الوسيلة»، فأصبحت لا قيمة للدين حتى ولو وصل الإلحاد إلى الإيمان بالسحر وعبادة الشيطان كنوع من التمرد الاجتماعي والنفسي والثقافي.
وتحذر د. منى من ترويج الملحدين أن نظرتهم للحياة أكثر صحة وواقعية من الاعتقاد بوجود الألوهية، فضلاً عن استغلال الملحدين وسائل الاتصال والتواصل في تكوين شبكات عالمية، وتقديم الإغراءات المادية والمعنوية لمن ينضمون إليهم وخاصة في الدول العربية والإسلامية التي يستهدف الملحدون اختراقها باعتبارها مهد الديانات السماوية.