كاتب المدونة: د. أحمد داود شحروري(*)
قد يبدو العنوان ساذجاً، فـ«حماس» تقاتل اليهود وترفض مشروعهم في المنطقة، فلماذا لا يحاربونها أصلاً؟! لكن «حماس» لا تواجه عدواً من لون واحد، فهم يهود ووكلاء يهود والمنتفعون من يهود والخائفون على عروشهم إن لم يقفوا مع يهود.
لقد بدا أوضح من الشمس أن دنيا الفجور والبغي كلها تحارب «حماس»:
– لأنها خرجت من رحم أقدم جهد قام يحارب المشروع العالمي الذي اجتثّ الخلافة ودخل مع الإسلام معركة وجود، فهو ضد الإسلام عقيدة وشريعة، وتربية ودولة، وقد علم هذا المشروع العالمي جدية ثُلة تداعت لإصلاح ما كسرته الماسونية العالمية، وما شوهته جمعية «الاتحاد والترقّي» و«تركيا الفتاة»، فمكَرَ بليل لتشويه صورة كل من يجرؤ على محاولة العودة إلى ما كانت عليه الأمور قبل إعلان تركيا دولة علمانية، وتجزئة الدولة العثمانية إلى دويلات لا حول لأحدها ولا طول في تغيير واقع ولا في مواجهة مكر.
– كل دنيا الفجور تحارب فكر «حماس» القائم أوّلاً على تربية الأمة على العزة وكسر القيد المذلّ الذي طبع الأمة بطابع التبعية وضياع الإرادة المستقلة التي سلبت منها معنى وجودها في الكون، أمة سيدة الأمم وقوة يحسب حسابها الأقوياء.
وفِكر «حماس» يقوم تالياً على المغالبة، فهي بعد أن تكسر قيد الأمة تتجه لاستثمار طاقاتها في بسط سيادتها سياسياً واقتصادياً وثقافياً وعسكرياً حتى لا يعدو عليها عادٍ ولا يبقى في ساحتها محتلّ مجرم.
– يحاربون «حماس» لأنها تعرف عدوها، وليس لديها وهْم ولا خلط بين عدو وصديق، لكنها تتحلى بحكمة عالية، وعدوها يعجبه الخصم النزِق المتهوّر الذي يسوقه نزقه إلى الخطأ والانحراف إلى سياسة التخبط، لتكون هلكته من داخل ماكينة ردود الفعل بدل أن يكون صانع الفعل كما هي حال «حماس»، التي أساء لها أبناء جلدتها وشركاؤها في اللغة والدين، ولكنها ما زالت توجه البوصلة إلى من يحتلّ أرضها وتنشغل عن وكلائهم حتى لا تلوث سمعتها بزعم أنها تفتك بقومها.
– يحاربون «حماس» لأن فكرها مقنع لكل عاقل، فهم يخافون من عدوى هذا الفكر الذي لو أتيحت له حرية الحركة والدعوة لأصبح أتباعه في كل أصقاع الدنيا، فعدو «حماس» يرى أن مناصريها ينتشرون ويكثرون، وهو يعلم أنه لو أعطاها حرية التواصل بالجماهير عالمياً عن قرب لتحوّل المناصرون إلى أتباع منظّمين، وهذا يشكل خطراً على كل من يخاف من فكر «حماس».
– لم تبقَ قوة منظمة من أهل السُّنة والجماعة تملك القوة النسبية وتحمل السلاح وتشكل خطراً على مخططات الشرق والغرب في فلسطين والمنطقة كلها سوى قوة «حماس»، فإن نجح عدوها بكل أطيافه السياسية والعقدية في هزيمتها والنيل من وجودها ضَمِن عيشاً لشركائه في عداوتها لا تناكفهم فيه شعوب نزعوا أنيابها وجوّعوها حتى لا تحلم إلا بسوق العيش.
ولعمر الحق إني لأنصح كارهي «حماس» ألا يبوحوا بمشاعرهم لئلا يثيروا اشمئزازنا، فالأمة تعرفهم جيداً، وكثرة صياح بومهم في أجوائنا لن يزيدنا إلا كرهاً لهم ولشرّهم، وحبّاً لـ«حماس» ومشروعها.
_______________________
(*) عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين.