التقرير الذي خرجت به منظمة «هيومن رايتس ووتش» بالتزامن مع اليوم الـ285 من حرب الإبادة على قطاع غزة؛ أظهر تزويرًا وتزييفًا للحقائق المتعلقة بمعركة «طوفان الأقصى» وما تبعها من عدوان صهيوني ما يزال الاحتلال يمارسه لمدة تزيد على 9 أشهر؛ حيث لم يكتفِ التقرير بالانحياز المفضوح لصالح الكيان، أو بالتوقف عند مساواة الضحية بالجلاد؛ بل تمادى إلى كيل اتهامات كاذبة تجاه فصائل المقاومة الفلسطينية، مدعيًا أنها ارتكبت جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، في تطابق مع الرواية التي تصدّرها الحكومة العبرية وتروّجها، على الرغم من أن التقارير والوقائع، بما فيها التقارير «الإسرائيلية»، المعززة بالشواهد والحقائق كذّبتها وأكّدت عدم وقوعها، علاوة على أن البيت الأبيض نفسه تراجع في 12 أكتوبر 2023م عن تصريحات أدلى بها الرئيس الأمريكي بهذا الخصوص، وتبرأ من مصداقيتها.
تجاهل للحقائق
ومما يدعو إلى الاستنكار والإدانة؛ ما أظهره تقرير المنظمة، التي من المفترض أنها معنية بحقوق الإنسان، من تواطؤ معيب مع الاحتلال على حساب حقوق الشعب الفلسطيني، وتجرد مستهجن عن الحيادية والموضوعية، إذ إنه يتعاطى من ناحية مع أكاذيب وشهادات تفتقر إلى العدالة ويجعل منها حقائق يُبنى عليها أحكام، ومن ناحية أخرى؛ يتجاهل ما أقرت به محكمة العدل الدولية في أواخر يناير 2024م بأن الفلسطينيين في قطاع غزة لهم الحق في الحماية من أعمال الإبادة الجماعية التي يرتكبها الاحـتــلال الصـهـيوني، وما أكدته في ذلك الحين بأنها أخذت بالاعتبار تصريحات لمسؤولين «إسرائيليين» تُجرّد سكان غزة من إنسانيتهم، فضلاً عن رفع المحكمة للدعوى المقدمة من دولة جنوب أفريقيا ضد الكيان المحتل بشأن ارتكابه جرائم الإبادة الجماعية بحق الشعب الفلسطيني، وأكدت اختصاصها بالنظر فيها، وأمرت باتخاذ التدابير اللازمة لوقف آلة القتل وجميع أعمال العنف والتدمير الجزئي والكلي في قطاع غزة.
القوانين الدولية كفلت حق المقاومة والتحرر من السيطرة الاستعمارية والفصل العنصري
إن منظمة من صنف «هيومن رايتس ووتش» لا ينبغي لها أن تعدِل عن القوانين الدولية، ومواثيق الأمم المتحدة، ومبادئ حقوق الإنسان -التي توجب المنظمة على نفسها الانطلاق منها في إعداد تقاريرها وإطلاق الحكم على القضايا التي تتناولها- فإنها جميعًا تكفل حق المقاومة بوصفه حقًا أساسيًا نصت عليه المادة الثانية من إعلان حقوق الإنسان، وتصادق على حق تقرير المصير الثابت في القانون الدولي وفي المبادئ الأساسية في ميثاق الأمم المتحدة، علاوة على ما جاء في أكثر من قرار للمنظمة الأممية ينص على: «الاعتراف بحق الشعب الفلسطيني في استعادة حقوقه بكل الوسائل وفقًا لمقاصد ميثاق الأمم المتحدة ومبادئه»، وعلى «شرعية كفاح الشعوب من أجل استقلالها وسلامة أراضيها ووحدتها الوطنية، والتحرر من السيطرة الاستعمارية والفصل العنصري والاحتلال الأجنبي بكل الوسائل المتاحة، بما في ذلك الكفاح المسلح».
لقد تجاهلت منظمة «هيومن رايتس ووتش» هذه الحقائق، وتمادت في التصادم معها وتغييبها، فتعدى انحيازها إلى النقيض منها، وخرجت بتقريرها غير الحيادي وهو مفتقر إلى أي نص من شأنه تسليط الضوء على جرائم الإبادة الجماعية، وجرائم الحرب، والجرائم ضد الإنسانية التي يرتكبها الاحتلال الصهيوني؛ بالقصف، والتجويع، والتهجير، والتدمير؛ وهذا كلّه يجرّد التقرير من ثوبه الإنساني ويُسربل عليه لبوسًا سياسيًا يزيد من مصداقية ما سبق وصف المجتمع الدولي –بأنظمته ومنظماته ودوائر صنع القرار فيه- بأنه جزء رئيس من جبهة العدوان وحرب الإبادة التي يتعرض لها أهلنا في قطاع غزة، وتلقي عليه المزيد من المسؤوليات القانونية والإنسانية والأخلاقية وما تلحقها من تبعات، إذ إنها لا تسقط بالتقادم، ولا تضيع الحقوق المترتبة عليها مهما تعاقبت الأجيال.
حرب غزة تتجاوز في نطاقها التوصيف المجرد بأن رحاها تدور بين احتلال ومقاومة
صراع مصيري
لقد بات واضحًا للجميع، ولا سيما أبناء الأمة الإسلامية على نحو لا لبس فيه ولا غشاوة، أن الحرب التي تجري في غزة، تتجاوز في نطاقها التوصيف المجرد بأن رحاها تدور بين احتلال ومقاومة؛ إلى الوصف الدقيق المعزز بالوقائع بأنها حرب عامة وشاملة بين معسكري الحق والباطل؛ وأن الأخير حشد جميع أجناده على نحو دولي وأممي سُخّرت فيه الوسائل كافة في ميادينها المختلفة بدءًا من العسكرية والسياسية والاقتصادية، ومرورًا بالإعلامية والحقوقية، وليست بمنتهية عند الاتجاهات الثقافية وما يتعلق بها من أبعاد أخلاقية، إلى درجة تساقطت في أتونها تلك المنظمات التي تدّعي حماية حقوق الإنسان ولا تنفك تصرخ على الدوام وهي تدافع عن انحرافات وخبالات بذريعة الحقوق؛ لكنها حين تُحَكّم في صراع مصيري يكون المسلمون أحد طرفيه؛ فإنها تستخذي للباطل الذي يقلدها لجام التناقضات، فتُصدر أحكامها على ما يهوى ووفق ما يريد!
وإذا كانت الحال هذه؛ فإن على أبناء الأمّة وأجناد الحق أن يكونوا على قدر المسؤولية في المواجهة، وأن يدركوا ما لـ«طوفان الأقصى» من خصائص ومزايا؛ فإنه مشروع قائم على ثوابت عقدية وإنسانية وتأريخية لا انفكاك بينها ولا تناقض، بخلاف واجهات العدو التي تتلون وتتغير غير آبهة بحقوق أو مواثيق، لهذا فإن الصراع الذي قد ينأى الكثيرون عن المشاركة فيه سرعان ما يجتاحهم جبرًا ودون أن يترك لهم خيارات لمعالجة أو مناورة، ثم لا بد من بث الوعي وإفشائه على نحو لا سكون فيه؛ بأن العدو الذي فتح جهات متعددة في ميدان الصراع لا يُكبح جماحه إلا بجبهات مضادة لا يُشترط فيها التكافؤ والتماثل بقدر ما تتطلب إعدادًا قدر المستطاع وثباتًا وصبرًا؛ فإن ذلك مما تقتضيه سُنّة التدافع التي جعلها الله تعالى سببًا للإصلاح في الأرض ودرء الفساد فيها.