نعبد الله، ونخلص لله، وبحوله وقوته نسعى ونعمل، فحياتنا لله وبالله وفي الله، ونحن على يقين بأن الله لا يضيع أجر المحسنين.
تدبروا قوله تعالى: (وما أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ) (سبأ: 39)، لم يقل سبحانه: من مال! قال تعالى: «من شيء»، جاءت نكرة لتفيد العموم كل ما تنفقه من: وقت، علم، إحسان، رسالة، ابتسامة، ومهما كان قل أو كثر يخلفه الله، وسيعود عليك وسيعوضك الله خيراً منه؛ لأن عطاء الله أوسع وأجمل.
سُئل أحد الصالحين: كيف أعرف أني من أهل الدنيا أو الآخرة؟
قال: إذا دخل عليك من يعطيك عطاء أو يطلب صلة بأيهما تفرح؟ الذي يعطيني يعمر دنياي والذي أعطيه يعمر آخرتي.
نعم إننا نعمر دنيانا لأجل آخرتنا، فالله خير حافظاً ويُجزل بالعطايا؛ لذلك يفرح ابن آدم حين يعمل الخير لأنه يثقل موازين آخرته، فعند الله لا يضيع العمل ولو كان بمثقال ذرَّة.
وتأمل ذلك الرجل الصالح عندما أتاه أحد السائلين فقال: مرحباً بمن أتاني يحمل حسناتي للآخرة.
إنه الإيمان المرهف والثقة بعطاء الله لك.
قال أبو الدرداء رضي الله عنه: ليس الخيرُ أن يَكثُر مالُك وولدُك، ولكنّ الخير أن يكثر عملُك، ويعظُمَ حِلمُك، وأن تُبَارِيَ النَّاسَ في عبادةِ الله، وإذا أَحسَنتَ حَمَدتَّ الله، وإذا أَسَأتَ استغفرت الله.
إن المُوَفَّق من سعى لعمل الخير وهو على يقين بأن الله سيخلفه، فلا يخشى فاقة أو ضراً ولا يخاف في الله لومة لائم.
قَالَ رَسُولُ اللَّه ﷺ: «إِذَا أَرَادَ اللَّهُ عز وجل بِعَبْدٍ خَيْرًا عَسَلَهُ» قِيلَ: وَمَا عَسَلُهُ؟ قَالَ: «يَفْتَحُ اللَّهُ عز وجل لَهُ عَمَلًا صَالِحًا قَبْلَ مَوْتِهِ، ثُمَّ يَقْبِضُهُ عَلَيْهِ»
نسأل الله حُسن الخاتمة بعد طول عمر وحُسن عمل فحياتنا كلها لله، وسلواننا بذلك قول الحبيب المصطفى ﷺ: «سبع يجري للعبد أجرهن وهو في قبره بعد موته: من عَلّم علماً، أو أجرى نهراً، أو حفر بئراً، أو غرس نخلاً، أو بنى مسجداً، أو ورّث مصحفاً، أو ترك ولداً يستغفر له بعد موته» (صحيح الجامع).
وما أجمل أبيات شعر أبي العتاهية حين قال:
خَيرُ أَيّامِ الفَتى يَومَ نَفَع وَاصطِناعُ الخَيرِ أَبقى ما صَنَع
وَنَظيرُ المَرءِ في مَعروفِهِ شافِعٌ مَتَّ إِلَيهِ فَشَفَع
ما يُنالُ الخَيرُ بِالشَرِّ وَلا يَحصِدُ الزارِعُ إِلّا ما زَرَع
فاللهم ارزقنا حسن الحياة وحسن الممات، وارزقنا الإخلاص والقبول، واكتبنا من أهل الجنان الذين يدخلون الجنَّة بغير حساب، ويستظلون تحت ظل عرش الرحمن.