في خضم التغيرات المناخية القاسية، ألا يدعونا ذلك للتوقف قليلاً ونفكر ونتساءل: إذا كانت هذه حال حرارة الدنيا والشمس تبعد عنا 150 مليون كيلومتر، فماذا حين تقترب تلك الشمس من الأرض فتكون فوق الرؤوس يوم القيامة؟!
لا ملجأ إلا إلى الله تعالى
في تلك اللحظات المروعة حين ينفخ في الصور فيخرج الناس جميعاً، مؤمنهم وكافرهم ليجدوا هولاً كبيراً، جحافل بشرية تزحف نحو المحشر بينما الشمس فوق الرؤوس ملتهبة في أرض غير تلك الأرض التي اعتاد الإنسان عليها، فيقول الله تعالى: (يَوْمَ تُبَدَّلُ الأَرْضُ غَيْرَ الأَرْضِ وَالسَّمَوَاتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ) (إبراهيم: 48)، الناس يهرولون إلى المجهول من هول الصدمة، فمنهم من لم يكن مؤمناً بالبعث ولا بالنشور ولا بالقيامة ولا بلقاء الله تعالى، لا يكاد يفيق من صدمته ببعثه بعد الموت من جديد، الأمر جد وليس بالهزل، الأمر حقيقة مطلقة وها هو اليوم يواجهها منفرداً دون معين من حاشية أو منافقين أو تابعين، الجميع يفر من الجميع، والجميع ينتظر هولاً أكبر، هول لقاء الله للكافرين وأصحاب الكبائر والمنافقين والظالمين، والأرض تبدلت فلا فرار ولا ظل، فأين المفر؟
ومن رحمة الله تعالى بالمؤمنين أن بيَّن لهم السبيل هنا، حيث يمكن أن يرتدي طوق نجاة برحمة الله، سبيل يسير به واضحاً منيراً لمن يريد أن ينجو من هول الوقوف تحت نير شمس الله المحرقة التي تلجم الناس في العرق، ومنهم من يغرق به فلا يكاد يتنفس، حتى أن يطلب أحدهم العجلة بالخروج من تلك الأهوال ولو إلى النار، فعن أبي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قال: «يعْرَقُ الناس يوم الْقِيَامَةِ حتى يَذْهَبَ عَرَقُهُمْ في الأرض سَبْعِينَ ذِرَاعًا وَيُلْجِمُهُمْ حتى يَبْلُغَ آذَانَهُمْ» (رواه البخاري).
وعذاب الانتظار في يوم مقداره 50 ألف سنة مما نعد، لن يكون لغير المؤمنين وحدهم، وإنما منهم مسلمون تورطوا في معصية الله ووقعوا في الكبائر وغفلوا عن أهوال القيامة التي يمكن أن تمر بسلام إذا سرنا على الصراط المستقيم.
وقد وجهنا النبي صلى الله عليه وسلم للنجاة عبر ذلك الطريق، فهناك 7 أصناف من الناس، يمكن أن تكون منهم فتنجو.
سبعة يظلهم الله بظله
الطريق إلى النجاة ليس مستحيلاً، وفي ذات الوقت ليس سهلاً في ظل الفتن التي يتعرض لها المسلم كل يوم، لكن الأمر يستحق، والجنة تستحق، وجوار الله يستحق، وأهوال القيامة والنجاة منها تستحق، فالأمر متاح للجميع، والشرط هو أن تقاوم وتريد وتسعى قبل فوات الأوان بإخلاص كامل لله عز وجل، ومن رحمة الله بنا أن تكون أسئلة الاختبار معلومة مسبقاً، وعلى المسلم أن يشمر ويجتهد.
عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ في ظِلِّهِ يَوْمَ لا ظِلَّ إلَّا ظِلُّهُ: إِمامٌ عادِلٌ، وشابٌّ نَشَأَ فِي عِبَادَةِ اللَّه تَعالى، وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ في المَسَاجِدِ، وَرَجُلانِ تَحَابَّا في اللَّه: اجتَمَعا عَلَيهِ، وتَفَرَّقَا عَلَيهِ، وَرَجُلٌ دَعَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وَجَمَالٍ فَقَالَ: إِنِّي أَخافُ اللَّه، ورَجُلٌ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ فأَخْفَاها، حتَّى لا تَعْلَمَ شِمالُهُ مَا تُنْفِقُ يَمِينهُ، ورَجُلٌ ذَكَرَ اللَّه خالِيًا فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ» (متفق عليه).
أولاً: إمام عادل:
والإمام أو الحاكم بيده مفاتيح بلاده وأهلها فيحكم بهم بما شاء، والحكم فتنة إن استطاع أن يتجاوز شهوة نفسه فيها فهو يستحق بجدارة أن يستظل بظل الله.
يقول ابن حجر: ويلحق به كل من ولي شيئًا من أمور المسلمين فعدل فيه، ويؤيده رواية مسلم من حديث عبدالله بن عمرو ورفعه: «إن المقسطين عند الله على منابر من نور عن يمين الرحمن، الذين يعدلون في حكمهم وأهليهم وما ولوا».
وأحسن ما فسر به العادل أنه الذي يتبع أمر الله تعالى بوضع كل شيء في موضعه من غير إفراطٍ ولا تفريط(1).
ثانياً: شاب نشأ في طاعة الله:
الشباب فتوة وقوة وانطلاق وغرور في بعض الأحيان، يندفع البعض نحو المعصية ظناً منه أن في العمر فسحة يمكن بعدها أن يتوب، تساعده في ذلك قوته، لكن هناك من يقبل على الله طائعاً رغم كل ما يملك من تلك المقومات، وتلك فرصة للشباب عليهم أن يغتنموها قبل فوات العمر، وأما من فاته فعليه أن يندم ويتوب ويرجع ويصدق مع الله ويغتنم فرصة أخرى.
ثالثاً: رجل قلبه معلق بالمسجد:
يقول الإمام النووي: ومعناها شديد الحب لها، والملازمة للجماعة فيها، وليس معناه دوام القعود في المسجد(2)، وتدخل المرأة في الحديث، حيث يتعلق قلبها بالصلاة على وقتها، تهفو لها نفسها وتنتظرها لتلبي نداء الله بمجرد رفعه، وتلك هدية من الله عز وجل، حيث هي في متناول الجميع.
رابعاً: رجلان تحابا في الله:
الحب بين لبنات المجتمع هو أساس بنائه، فكان التآخي والمحبة أول ما فعله النبي صلى الله عليه وسلم في مجتمع المدينة الناشئ، يقول النبي صلى الله عليه وسلم فيما رواه أبو داود في سننه في فضل الحب في الله: «إنَّ مِن عبادِ اللهِ لَأُناسًا ما هم بأنبياءَ ولا شُهداءَ، يغبِطُهم الأنبياءُ والشُّهداءُ يومَ القيامةِ بمكانِهم مِن اللهِ تعالى»، قالوا: يا رسولَ اللهِ، تُخبِرُنا مَن هم؟ قال: «هم قومٌ تحابُّوا برُوحِ اللهِ على غيرِ أرحامٍ بَيْنَهم، ولا أموالٍ يتعاطَوْنَها، فواللهِ إنَّ وجوهَهم لَنُورٌ، وإنَّهم على نُورٍ، لا يخافونَ إذا خاف النَّاسُ، ولا يحزَنونَ إذا حزِن النَّاسُ»، وقرَأ هذه الآيةَ: (أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ) (يونس: 62).
خامساً: رجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال إني أخاف الله:
امرأة ذات سلطة وذات جمال هي امرأة لا تقاوم، ولا يقاومها إلا رجل شديد الإيمان حاضر القلب، يقول القرطبي: وامتناعه عن ذلك دليلٌ على عظيم معرفته بالله تعالى، وشدة خوفه من عقابه، ومتين تقواه، وحيائه من الله تعالى، وهذا هو المقام اليوسفي(3).
سادساً: رجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه:
الصدقة هنا خير محددة، فلا يشترط أن تكون كثير مال أو متاع، إنما هي صدقة مطلقة، ومقيدة بالاستطاعة، قد تكون أقل القليل لكنها عند الله كثيرة بإخفائها حتى عن أقرب الناس، تخرج من يدك ليد الفقير أو المحتاج بحب وسر فلا تجرحه نفسياً، ولا تضطره لذل السؤال، وهي في متناول الجميع، ويمكن بها أن تقي نفسك شر حرارة شمس يوم القيامة، يقول تعالى: (إِن تُبْدُواْ الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِن تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاء فَهُوَ خَيْرٌ لُّكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنكُم مِّن سَيِّئَاتِكُمْ وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ) (البقرة: 271).
سابعاً: رجل ذكر الله خالياً ففاضت عيناه:
رجل هنا يقصد بها الرجال والنساء في الحكم، والبكاء من خشية الله عز وجل في منأى عن الناس هي براءة من النفاق، وهو معرفة بقدر الله عز وجل، يقول رب العالمين في وصفهم: (مَّنْ خَشِىَ ٱلرَّحْمَٰنَ بِٱلْغَيْبِ وَجَآءَ بِقَلْبٍۢ مُّنِيبٍ) (ق: 33)، ومن كان ذلك فكره وسلوكه ومنهجه فهو بعيد عن انتهاك حرمات الله في الخلوات أو في العلن.
__________________________
(1) فتح الباري (660).
(2) شرح مسلم (1031).
(3) المفهم (899).