لقد شعر معظم المسلمين بالاستياء من موقف دولقون عيسى، رئيس «المؤتمر العالمي للأويغور»، فعلى عكس التوقعات، وتعارضاً مع كافة المفاهيم الإسلامية والإنسانية، أعلن رئيس المؤتمر العالمي للأويغور، في بيان له، إدانته لحركة المقاومة الإسلامية (حماس)، بعد يومين فقط من بدء عملية «طوفان الأقصى»، في أكتوبر 2023م، وعبّر البيان عن تضامنه مع جميع الذين «يعانون من الإرهاب والحرب»، في إشارة إلى الصهاينة المحتلين للأراضي الفلسطينية، على حد وصفه؛ أي أنه أنكر حق الشعب الفلسطيني في مقاومة الاحتلال، كما أعلن تعاطف الأويغور مع المستوطنين الصهاينة، هذا الموقف لقي انتقادات حادة من قبل جمعيات ومنظمات دولية، ومنظمات المجتمع المدني ومن قبل نشطاء فلسطينيين.
لسنا هنا في موضع توجيه اتهام أو إدانة أو حتى تبرير لموقف أي طرف من الأطراف، لكن رأينا أنه من الإنصاف والواجب علينا سرد بعض الحقائق والدوافع وراء هذا الموقف؛ سعياً إلى لملمة شمل الأمة.
لقد جاء الموقف الأويغوري متعارضاً مع موقف بكين التي أدانت بلهجة واضحة الاحتلال الصهيوني وجرائمه، فالقضية الفلسطينية لم تعد قضية عربية وحسب، بل باتت قضية إنسانية في المقام الأول، وهذ ما أثبتته «طوفان الأقصى»، والإدانات الدولية للمجازر «الإسرائيلية» في قطاع غزة.
لقد اعتبرت المنظمات الحقوقية أن تضامن مؤتمر الأويغور مع الاحتلال الصهيوني يُعد شكلًا من أشكال التواطؤ ومشاركة في الظلم والقمع، وطالبته باتخاذ موقف واضح وصريح يدين الجرائم والمجازر «الإسرائيلية» بحق الشعب الفلسطيني، والالتزام بمبادئ حقوق الإنسان والقانون الدولي في تعامله مع قضايا الشعوب المضطهدة.
الدوافع الأويغورية وراء دعم الصهاينة
بالطبع، سادت حالة من الفضول بين شعوب الأمة الإسلامية، التي تسعى إلى معرفة الدوافع وراء هذا الدعم الأويغوري للصهاينة، وتباينت ردود الفعل الأويغورية ما بين مؤيد ومعارض، فرأى البعض أن الرئيس الفلسطيني محمود عباس خلال زيارته للصين في 14 يونيو 2023م، أعرب عن دعمه لسياسات الصين العنصرية في تركستان الشرقية (أويغورستان)، أو شينجيانغ، الواقعة في أقصى غرب الصين، على الرغم من تقارير الأمم المتحدة حول وقائع تعذيب موثقة وسوء معاملة ضد الأويغور المسلمين.
وجاء في بيان مشترك عقب لقاء عباس مع الرئيس الصيني شي جين بينغ أن القضايا المتعلقة بشينجيانغ ليست قضايا حقوق الإنسان على الإطلاق، ولكنها قضايا إرهاب، ومكافحة التطرف، ومناهضة الانفصالية.
تقاعس العرب والمسلمين عن نصرة إخوانهم الأويغور
يرى السياسيون والمحللون الأويغور أن الصراع الوجودي للأويغور في تركستان الشرقية يواجه تحديات شائكة في دعم القضية الفلسطينية، مع الأخذ بعين الاعتبار المؤثرات الاقتصادية والسياسية والجيوسياسية التي تؤثر على مواقفهم، وتقاعس الدول العربية والإسلامية عن تقديم أي دعم للشعب الأويغوري سواء كان مالياً أو سياسياً، ناهيك عن قيام بعض الدول العربية والإسلامية بترحيل بعض المواطنين الأويغور من أراضيها وتسليمهم إلى الصين وتعريضهم لجرائم ضد الإنسانية أو حتى مواجهة عقوبة الإعدام داخل الصين دون أدنى اعتبارات إنسانية.
كما يرى بعض الأكاديميين الأويغور، ومن بينهم د. أركين أكرم، مساعد رئيس المؤتمر الأويغوري، أستاذ السياسة الخارجية الصينية في جامعة هاجي تبه التركية، أنه على الرغم من استطاعة الفلسطينيين مساندة الأويغور في قضيتهم، فإن الانحياز إلى الصين يصب في خانة المصالح الوطنية الفلسطينية.
فالسلطة الفلسطينية تنحاز إلى الصين من أجل كسب ودها بما يفيد مصالحها، لا سيما في محادثات السلام المتعثرة وفي صراعاتها مع «إسرائيل»، ويرى أكرم أن السلطة الفلسطينية تعتبر الصين شريكاً أكثر ثقة من الولايات المتحدة، التي تدعم دولة الاحتلال بشكل مطلق، وأصبحت السلطة أكثر اعتماداً على الصين وبحاجة إلى دعمها السياسي والمالي والتكنولوجي على الساحة الدولية.
وبناء عليه، يرى أن قضية الأويغور ليست أولوية لها ولا تتماشى مع المصالح الفلسطينية؛ ولذلك فإن الاهتمام الأساسي هنا هو المصلحة الوطنية للفلسطينيين، ويوضح أن القادة الفلسطينيين السابقين، بمن في ذلك الرئيس الراحل ياسر عرفات، أعربوا عن دعمهم أيضاً لسياسات الصين بشأن الأويغور.
وفي تقرير شامل صدر في أغسطس 2022م، وجد مكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة أن الاعتقالات التعسفية التي تقوم بها الصين ضد الأويغور والأقليات الأخرى في شينجيانغ تشكل جرائم دولية، ولا سيما جرائم ضد الإنسانية.
لذا، خيبت تصريحات عباس آمال الأويغور، لا سيما أنها جاءت وسط مجموعة متزايدة من الأدلة التي توثق احتجاز ما يصل إلى 1.8 مليون من الأويغور في معسكرات «إعادة التعليم»، والتعذيب، والاعتداء الجنسي، والعمل القسري، ووجد الأويغور أنفسهم في حيرة من عدم انتقاد الدول الإسلامية الكبرى لسياسات الصين التعسفية في تركستان الشرقية (شينجيانغ)، ذاتية الحكم، وازدادت حيرتهم مع دعم تلك الدول الإسلامية لبكين علنًا.
الأويغور يفتقرون إلى الدعم الذي يتمتع به الفلسطينيون
أيضاً لا بد من الأخذ بعين الاعتبار أن القضية الأويغورية تفتقر إلى الدعم العربي والإسلامي والدولي التي تحظى به القضية الفلسطينية.
دور بكين الفاعل في المنطقة العربية
في الوقت نفسه، تعمل الصين جاهدة على توطيد علاقاتها مع الدول العربية لمواجهة النفوذ الأمريكي، فتقوم بكين بدور فاعل في التوسط بين الصهاينة والفلسطينيين، بل بين الفلسطينيين أنفسهم، وتحاول إظهار نفسها كشريك موثوق به في معالجة القضايا الإقليمية.
الجهود الصينية الفاعلة في رأب الصدع ولم الشمل الفلسطيني
من جهة، تقوم الصين بجهود وساطة في إطار القضية الفلسطينية، فمنذ أيام قلائل، نجحت بكين في لم شمل كافة القوى الوطنية الفلسطينية، فبدعوة رسمية منها، اجتمعت الفصائل الفلسطينية في لقاء وطني ضم 14 فصيلاً فلسطينياً في العاصمة الصينية، واتفقت على التوصل إلى وحدة وطنية شاملة في إطار منظمة التحرير، فيما عرف بـ«اتفاق بكين».
دعم الولايات المتحدة و«إسرائيل» والمنظمات الصهيونية للأويغور
ومن جهة أخرى، يؤدي التمويل الذي تتلقاه الجماعات المدافعة عن حقوق الأويغور دورًا لا يمكن إنكاره في تشكيل مواقف الأويغور، فتتلقى بعض المنظمات الأويغورية دعمًا مالياً وسياسياً من الولايات المتحدة و«إسرائيل»، فضلاً عن دعم منظمات مؤيدة لـ«إسرائيل»؛ وبناء عليه، تخلق هذه الروابط المالية ضغوطًا للتوافق مع مصالح هؤلاء الممولين؛ مما يؤدي إلى تقويض قدرة الجماعات الأويغورية على دعم القضية الفلسطينية.
أيضاً وقعت «إسرائيل» بيانات ضد معاملة الصين للأويغور في مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في عامي 2021 و2022 على التوالي، أما الولايات المتحدة فقد وصفت معاملة الصين للأويغور وغيرهم من المسلمين في شينجيانغ على أنها إبادة جماعية، في المقابل، يدعم العرب والمسلمون السياسات الصينية ضد الأويغور علناً دون أدنى اعتبار لمشاعر الأخوة الدينية.
بناء على ما سبق، يرى الأويغور أنه إذا كان هناك دعم من الدول العربية والإسلامية لقضيتهم، فإن نهجهم تجاه القضية الفلسطينية سيكون مختلفاً تماماً، ومن شأن هذا الدعم أن يعزز روابط الأخوة والقيم المشتركة والتضامن مع الفلسطينيين.
لذا، إذا نظرنا إلى هذه المسألة من منظور جيوسياسي، نرى أنه غالباً ما تعطي الدول الأولوية لتحقيق مصالحها الوطنية، ونظراً للنفوذ الاقتصادي العالمي المتزايد للصين، نجد أن الدول الإسلامية تتردد في انتقاد الصين عندما يتعلق الأمر بتعريض علاقاتها الاقتصادية للخطر، ويؤثر هذا بدوره سلباً على قراراتهم ويقيد قدرتهم على دعم إخوانهم الأويغور.
وفي الخاتمة، نرى أنه يجب على الأويغور ألا يتجاهلوا أن الرئيس عباس لا يمثل كل فلسطين، وخاصة غزة، كما يجب على الأمة الإسلامية الوقوف إلى جانب إخوانهم الأويغور، والمستضعفين في كل مكان، وأن يتم تنحية المصالح الاقتصادية جانباً عندما يتعلق الأمر بحقوق الإنسان والجرائم ضد الإنسانية، فيقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: «المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضًا (وشبَّك بين أصابعه)»؛ لذا فإن التزامنا كمسلمين بالتمسك بحبل الله المتين يتطلب منا دعم إخواننا المسلمين، بغض النظر عن المصالح والضغوط والتحديات الخارجية.
________________________
1- https://www.minbar.su/jour/article/view/1281
2- https://tr.uyghurcongress.org/ankarada-9-aralik-uygur-soykirimi-gunu-paneli-duzenlendi/
3- https://www.rfa.org/english/news/china/abbas-06152023161941.html
4- https://www.uyghurcongress.org/en/team/dr-erkin-ekrem/
5- https://news.un.org/ar/story/2022/08/1110272
6- https://carnegieendowment.org/posts/2024/03/chinas-evolving-economic-and-security-role-in-the-middle-east?lang=en
7- https://gulfstateanalytics.com/video/
8- http://www.chinaarabcf.org/ara/zagx/sssb/202306/t20230619_11099603.htm#:~:text=2023%2D06%2D19%2010%3A,%D8%A3%D8%B9%D9%84%D9%89%20%D9%85%D8%B3%D8%AA%D9%88%D9%89%20%D9%84%D8%A7%D8%B3%D8%AA%D9%82%D8%A8%D8%A7%D9%84%20%D8%B1%D8%A6%D9%8A%D8%B3%20%D8%AF%D9%88%D9%84%D8%A9.