إن القرآن الكريم كمعجزة خالدة لم يأتِ من رب الأرض والسماوات عبثًا لعباده المؤمنين، بل جاء لكل شيء فيه صلاح لدنياهم وآخرتهم، ولم تقتصر جوانب التوجيه الرباني والإصلاح القرآني على مستوى التزكية والعبادة فحسب، كما يظن البعض، بل تخطت ذلك بكثير لتشمل أوجه إصلاح على المستوى النفسي للفرد المسلم وعلى المستوى الاجتماعي للمجتمع المسلم، ولعلنا هنا نتوقف مع المنافع التي يخسرها كل من الفرد والمجتمع في حال البعد عن منهج القرآن وتوجيهاته:
1- خسر الفرد والمجتمع بالإعراض عن القرآن في الحياة الاجتماعية والثقافية خسارة فادحة تجلت عندما فشلوا في تقديم نموذج مجسد للقرآن في الحياة المعاصرة، يبين تفرد القرآن في إصلاح حركة المجتمع وحركة الثقافة ونهج التعليم وفلسفة البناء التربوي.
2- خسر كل من الفرد والمجتمع منهجًا تتكامل فيه الحياة بشقيها المادي والمعنوي منهجًا لم يكن الإنسان فيه بحاجة إلى تأجيج صراع بينهما، ولا توتر أو اضطراب في الاختيار، أو الانشداد بين طرفيهما.
3- خسر العنصر البشري الذي يمثله الإنسان منهجًا تتكامل فيه الفردية والجماعية، فلم يكن مضطرًا في المنهج القرآني أن يضحي بأحدهما لينجو أو يفوز الآخر، فليس هناك حاجة تدعوه إلى إزاحة أحدهما ليعيش بعيدًا عن الآخر، وهو التكامل الذي يحققه القرآن لدوام التآلف بين الفرد والمجتمع عبر انسجام لا مثيل له.
4- خسر الفرد المسلم منهجًا يندمج فيه الشهود مع الغيب في المجتمع المسلم المتآلف بلا تنافر أو انقسام، ويتواءم فيه المطلق مع الواقعي بلا تضاد، وينسجم فيه المعياري مع المعيش بغير تناقض أو غضاضة عقلية أو وجدانية.
5- أدت خسارة الفرد المسلم والمجتمع المسلم لمنهجية القرآن التي أتت لضبط العلاقة بينهما إلى ظهور البدائل الفاسدة، فكان البديل لهذا الغياب للنموذج القرآني في المجال الثقافي والاجتماعي هو التمكين لمبدأ الصراع في الحياة الفردية والاجتماعية، الذي تبعته انتشار الأمراض النفسية على مستوى الفرد، والصراعات الاجتماعية على مستوى المجتمع، مثل صراع الطبقات، وصراع الأجيال، وصراع الثقافات، وغيرها من الصراعات.